#1
|
|||||||
|
|||||||
حصري: أحوال التعامل بين الإنس والجان الاستعاذة والاستعانة والتعاون
الكاتب: بهاء الدين شلبي. يوجد حالات للتعامل مع الجن لا تخرج عن ثلاث: (الاستعاذة)، (الاستعانة)، (التعاون)، فالاستعاذة والاستعانة منها ما هو مشروع وجائز فيما بين البشر إن كان مما اختصهم الله به من قدرات، ومنها المحرم فيما يعجز البشر عن الإتيان به، ولم يختصهم الله به من خصائص الخلق والقدرات فهذا محرم يقينا، لأن سؤاله يدخل في باب العبادة التي تفرد الله تعالى بها نفسه، لذلك يدخلان في باب التحريم والنهي عنهما لأنهما باب من أبواب الشرك المنهي عنه، أما التعاون بأن يبذل القادر منفعة بما اختصه الله به من قدرات لم يختص بها خلق آخر، فهذا مأمور به شرعا، بشرط أن يكون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. ويقصد بهذه الكلمات الثلاث: الاستعاذة: طلب دفع ضر قبل وقوعه من المستعاذ به. الاستعانة: طلب جلب نفع أو رفع ضرر بعد وقوعه من المستعان به. التعاون: تقديم العون لجلب نفع أو دفع ضرر أو رفعه من القادر إلى المحتاج بدون استعاذة أو استعانة به. إفراد الله تعالى بالاستعاذة من شر الجن: والاستعاذة هي طلب الحفظ والحماية، فلا يستعاذ إلا بالله من شر الجن وتمردهم، كحصانة منيعة من كيدهم، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6]، فرجال من الإنس كانوا يستعيذون برجال من الجن لحمايتهم من شر الجن، وهذا فيما يعجز عنه بني البشر، فدفع شر الشياطين ليس في قدرة البشر لتخفيهم واستجنانهم، ولتميزهم بخصائص قدرات فائقة على قدرات الإنس، وهذه ما اصطلحت عليه (فوائق) وهي خلاف (الخوارق)، وربما أقدر الله تعالى الجن على دفع شر بعضهم بعضا، لكن لا تسأل الإنس الحماية من شر الجن إلا من الله وحده، لأن ما نعجز عنه نحن البشر بني الجنس الواحد لا نسأل عنه إلا الله، قال تعالى: (فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64]، وحينها يقدر الله تعالى الأسباب لمن شاء بواسطة أحد الملائكة، أو الجن، أو الإنس لحماية هذا المستعيذ به، سواء استعاذ بالله تعالى إنس أو جان أو ملك، فالحماية إما (حماية قدرية) مجهولة الأسباب، فيقدر الله أن لا يمس المستعيذ به شر، قال تعالى: (وَمَاهُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّبِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 102]، وإما (حماية مسببة) معلومة الأسباب، فيقيض الله من جنده من يدفع به السوء عن المستعيذ بالله تبارك وتعالى. الشياطين تترصد بالجن المؤمن إن لم يستعيذوا بالله منهم: فالجن يعجزون عن مد يد العون مباشرة إلى الإنس ما لم يحصر الإنسي الاستعاذة بالله عز وجل وحده، وإلا هاجمتهم الشياطين وفتكت بهم، إن لم يستعيذ الإنس بالله جل وعلى وإلا فقدوا الحصانة الربانية، ولأن الإنس أشركوا الجن في الاستعاذة مع الله تعالى، فإن الجن عجزوا عن إعاذتهم فلم يقدر الله تعالى للجن إعاذة الإنس، مما زاد الإنس رهقا فوق رهقهم، وزادهم كدا فوق كدهم، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6]، وهذا يعني أن الجن المؤمن لا يحتاج وساطة إنس، ولا أن يستعين بهم إنسان لأنه مكلف بفريضة من الله تعالى بمجاهدة الشياطين، وإنما يكفي التوحيد وسلامة المعتقد حتى يقدموا العون بدون سؤال رغب ورهب من الإنس. الاستعانة هي طلب العون: ومن قصة ذو القرنين، سوف نجد أن القوم طلبوا من ذو القرنين أن يبني لهم سدا ليتعوذا به من فساد يأجوج ومأجوج، وهذه استعاذة واستعانة مشروعة لأن بناء السد كان في قدرته كبشر، لقوله تعالى: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) وذو القرنين (استعان بهم) فطلب منهم العون فقال (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) [الكهف: 93: 95]. الاستعانة المشروعة: والاستعانة منها ما هو مشروع وواجب فيما بين البشر لأنه من جملة خصائص قدراتهم، مما هو في حكم العادات التي أمر الله بها وليس في حكم العبادات، فمن المشروع أن يستعين المريض بالطبيب ليعالجه، بل الاستعانة بالطبيب واجبة خاصة إذا اشتد المرض بالإنسان وعجز عن أداء فرائض دينه، فلو استنجدت امرأة بمن ينقذها من شخص يريد هتك عرضها فهذه استعانة جائزة، بل واجب عليها أن تستعين بمن يحفظ عليها عرضها لأن حفظ العرض مما تكفل الإسلام بحفظه، بل تكون آثمة لو لم تستعين بمن يدفع عنها، قال تعالى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) [القصص: 15]. الاستعانة المحرمة: ومن الاستعانة ما هو محرم في أصله، ويدخل في باب الإثم والعدوان، وهو مما اختص الله به نفسه ويعجز البشر عن الإتيان به، كالشفاء والصحة والرزق والبركة والذرية، ومن جملة ذلك دفع ضرر الشياطين ورد كيدهم وعدوانهم عن الإنس، وعلاج المس والسحر والعين وجملة الأمراض الروحية المتعلقة بأذى الجن، فللجن خصائص خلق يفوقون بها الإنس، فقد أقدر الله تعالى الجن على البشر، ولم يقدر البشر على الجن، لذلك سخر الله الجن لسليمان عليه السلام، لأنه كبشر يعجز عن تسخيرهم لنفسه، فالإنس عاجزون عن رد كيد الشيطان بخصائص قدراتهم المحدودة، لذلك لما أصاب أيوب عليه السلام الشيطان بمس استعان بربه على الشيطان، ولم يستعن عليه بالجن، وهذا من قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41]، فلو كانت الاستعانة بالجن لعلاج الأمراض الروحية مشروعة لكان هذا أولى بنبي الله أيوب عليه السلام، بل طيلة فترة مرضه كان الجن المؤمنين من حوله والملائكة يرون ما به، ويعجزون عن الدفاع عنه، إلى أن شاء الله فلجأ لربه عز وجل بالدعاء فشفاه بأسباب حسية، فاجتمع الدعاء والأخذ بالأسباب الحسية فلا يغني أحدهما عن الآخر، قال تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) [ص: 42]، وهذا شاهد قوي يرد قول من أجاز الاستعانة بالجن، ويرد مزاعم من نفى وجود الطب الروحي، ويرفض استخدام الأسباب الحسية المشروعة. الاستعانة بغير الله فيما اختص به نفسه هو عين الإثم والعدوان المنهي عنه: فالاستعانة بغير الله فيما اختص الله به نفسه هي عين الإثم والعداون، ومن التعاون المذموم والمنهي عنه، من قوله تعالى: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2]، لأنه اعتداء على صلب التوحيد، وحق الله بأن يفرد بالعبودية، فبئس الإثم والعدوان، فطلب العون على شياطين الجن هو من الاستعانة الداخلة في باب العبودية التي أفرد الله تعالى بها نفسه، وليس في باب العادات بين البشر بعضهم البعض، فلا يطلب العون على الشياطين إلا من الله وحده، وهو يقيض بمشيئته من أراد من ملك أو جن مؤمن ليدفع بهم أذاهم عنا، لقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، فقد قرن تعالى بين العبادة والاستعانة، فقدم العبادة على الاستعانة لتكون الاستعانة متفرعة عن العبادة وعائدة عليها. مشروعية الاستعانة بالمعالج الشرعي: أما الاستعانة بالمعالج والطبيب الروحي ضد شياطين الجن، فهو من العادات المشروعة، وإن كان عمل يتعبد الله تعالى به، لأن دوره معتمد على العلم والخبرة، وهذا مما أقدر الله البشر عليه ولا يخرج عن قدراتهم، فعمل المعالج لا يدخل في أصل العبادات، فهذا النوع من استعانة البشر ببعضهم البعض، فيما هو من خصائص قدراتهم يدخل في حكم التعاون المشروع، ولا يدخل في معنى التعاون ودلالته، لأن معنى التعاون والاستعانة مختلفان تماما عن بعضهما البعض، لأن الاستعانة: طلب جلب نفع أو رفع ضرر بعد وقوعه من المستعان به، بينما التعاون: تقديم العون لجلب نفع أو دفع أو رفع ضرر من القادر إلى المحتاج بدون استعاذة أو استعانة به، فشتان بين أن يعين القادر العاجز، وأن ينتظر العاجز من القادر عونا أو يسأله المعونة، لذلك فالجن المسلم يعينون الإنس المسلم بتكليف من الله تعالى، وليس باستعانة وتكليف من الإنس لهم. الاستعانة المذمومة بالجن: وعليه فطلب المعونة من الجن وتوكيلهم بعلاج المرضى وتحقيق المطالب هو من الاستعانة المذمومة الداخلة في الإثم والعدوان على التوحيد، لأنها من الأمور التي يسأل الله عنها، ولا يحل أن يسأل عنها مخلوق، أما إعانة الجن للإنس بغير سؤال رغب ورهب، أو بدون وساطة من أي نوع فهذا تعاون مشروع، أما السؤال عن أمور متعلقة بخصائص الجن مثلا بكيد الشياطين فهذه ليست أسئلة رغب ورهب، فقد ورد نصوص سأل فيها الصحابة الجن بدون أن ينكروا هذا، ويحرم من الأسئلة المتعلقة بالغيبيات كأحداث المستقبل مثلا، أما الأحداث الحالية إن خلت من رغب ورهب فجائز، فلا يجوز سؤالهم عن شيء مفقود أو ضال أو ما يعده فهذا من العرافة، وأخبار الأمم الماضية فلا بأس بها، ولا تدخل في الكهانة والتنجيم واستراق السمع، ولا يصح سؤالهم في الفقه والعقيدة وهناك علماء الإنس مثلا، وسوف أشرح هذا الجزء مفصلا بمشيئة اله تعالى. تدليس من قالوا بمشروعية الاستعانة بالجن: ولكن من يستعينون بالجن اتخذوا من خلط الناس بين دخول الاستعانة المشروعة بين البشر في حكم التعاون ذريعة للتدليس على الناس، فخلطوا بين معنى التعاون والاستعانة رغم اختلافهما، واعتبروا معناهما واحد، فاستحلوا الاستعانة بالجن قياسا على مشروعية استعانة البشر بعضهم ببعض، وهذا تدليس لأنه قياس باطل، بسبب تفوق قدرات الجن على قدرات الإنس، وبالتالي صرف الاستعانة كعبادة لا كعادة بين البشر إلى الجن بدلا من الاستعانة بالله تبارك وتعالى فيما يتعبد به، وهذا شرك بين. الاستعانة والوساطة بين الجن والانس: فبدلا من أن نطلب دحر الشيطان من الله إذا بهم يزعمون كذبا وزورا من القول أنهم يطلبونه من الجن ويعتمدون عليهم، وبدلا من أن نطلب التطبيب من المعالج تحول المعالج إلى وسيط بين الإنس والجن، لينجز الجن ما كان يجب أن يقوم به هذا الوسيط الجاهل على اعتبار أنه طبيب معالج، فيطلب من الجن إخراج الجن بدلا من أن يخرجهم بالرقية بدعاء الله عز وجل، أو بالأسباب الحسية المشروعة التي وضع الله فيها سننا كونية وخصائص شفائية، لذلك فالمستعين بالجن لا يصح أن نطلق عليه لقب معالج، والأصح أنه مجرد (وسيط) بين الإنس والجن، فلا هو راقي شرعي، ولا معالج شرعي، إنما هو من أرباب السحرة. مشروعية الاستعانة بين البشر فيما يقدرون عليه: أما الاستعاذة والاستعانة بين البشر فيما يقدرون عليه وأحله الله تعالى، وفيما اختصهم الله به من خصائص خلق وقدرات فهذا مشروع لا حرمة فيه، بل يدرج في حكم التعاون لا في حكم الاستعانة، لأنها من السنن الربانية التي وضعها الله في خلقه، ومن المنافع التي يستطيع بعضنا نفع بعض بها بمشيئة الله تعالى وقدرته، فالله اختص كل منا كبشر بخصائص بحيث يحتاج كل منا للآخر، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 165]، فاختص الغني بوفرة واختص الفقير بالقوة، فالفقير يعمل اجيرا مقابل المال عند الغني، والطبيب يحتاج إلى عامل النظافة، وعامل النظافة يحتاج إلى الطبيب، فالتعاون بين بني البشر فيما ليس من خصائص الله سنة كونية لا حرمة فيها. التعاون المشروع: أما التعاون المشروع فمأمورون به، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2]، فإذا بادر شخص قوي إلى فعل خير أقدره الله تعالى عليه فقدم العون لشخص عاجز فهذا من التعاون المأمور به، قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 23، 24]. إعانة الإنسي للجني: ويجوز للإنسي أن يعين الجن فيما قدر عليه، ففي كثير من الحالات المرضية يكون الجني مسلم مأسورا داخل جسد المريض، وعلى المعالج معالجته من سحر الأسر، ومساعدته على الخروج من الجسد، ويستشف المعالج وجود أسرى بخبرته أو يقر بوجودهم الجني الحاضر على الجسد، أو يراهم المريض في كشف بصري يقظي أو منامي، وعلى المعالج هنا أن يبادر لفك أسرهم بالدعاء لله تعالى، وأنا شخصيا قد فك الله تعالى على يدي أسر ما لا يحصيه إلا الله من ملوك وصحابة وتابعين وشيوخ وأكابر علماء الجن المسلمين، وأخص بالذكر من سحرتهم اليهود والشياطين على ملك سليمان عليه السلام، ولولا أن من الله تبارك وتعالى علي بهذا العلم لما تمكنت ولا تمكنوا من الخروج من أسرهم. وقد يكون خادم السحر مسحور له، ويكون السحر في جوفه، فعلى المعالج أن يعينه فيعالج ما في جوفه من سحر، فهذا تعاون ممدوح غير مذموم، فبدون أن أساعد الجني بمعالجته من سحره فلن يشفى المريض أبدا، والجني نفسه لا يحل له أن يطلب من المعالج أن يعينه حتى لو مات مقتولا، فكم مرت بي حالات كثيرة عجزت فيها عن مساعدة كثير من الجن المسلمين، وكنت أراهم يذبحون أمامي وهم حاضرون على جسم المريض، فقد كانوا مهددين بالقتل جراء إسلامهم، فلا أنسى أبدا نظرات المودع المفارق للحياة والدموع تسيل من عينه، ولا هم يحل لهم أن يستغيثوا بي، ولا أنا قادر على إنقاذهم، فالشياطين أسرع مني، فينطقون الشهادة وقبل أن يكملوها يذبحون في مشهد تفيض له العين من الدمع، أقصى شيء كانوا يطلبونه مني (نسألك الدعاء) فأترحم عليهم طالبا لهم المغفرة من الله، وأن يتقبلهم في الشهداء، ولأني معالج يجب أن أتحلى بصلابة المقاتل وبرباطة الجأش، كنت أحبس دموعي، وتتحشرج الكلمات خارجة مني في مرارة وأسى على ما يحدث لهم، فما حيلتي وهي مشيئة الله تبارك وتعالى؟! إعانة الجني للإنسي هو من جهاد الجن المسلمين: ولأن الله تعالى أقدر الجن بعضهم على بعض، كما أقدر البشر بعضهم على بعض، فقد فرض عليهم جهاد بعضهم بعضا، فريضة تسري في حقهم كما تسري في حق بني البشر، قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) [البقرة: 216]،لأنهم مكلفون بما كلف به الإنس من فرائض وأحكام، لذلك يرد الله كيد شياطين الجن عن الإنس بما فرضه على الجن المؤمن الصالح من جهاد، فدفع الله الناس بعضهم ببعض سنة ربانية سارية في خلقه، قال تعال: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة: 251]، فالإنس يدفعون شر الإنس من بني جنسهم، والجن يدفع بعضهم شر بعض، أو يسلط على شياطينهم الملائكة، لذلك لما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه، قال تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48]، وكما ذكر المفسرون أن إبليس كان قد رأى الملائكة. دفاع عمار البيت عن بيوت المسلمين: ولعجز البشر عن صد هجوم الشياطين عنهم، فقد قيض الله لبيوتهم عوامر من الجن، يشاركونهم المأكل والمشرب والمسكن، فمن مقتضيات عمارة البيوت دفع الصائل الجائل من الشياطين عنها، ولعجز البشر فإن الله يدفع كيد الشياطين عنهم بالعوامر من الجن المؤمن، وذلك بما فرضه عليهم من الجهاد، لذلك فمن مقتضيات عمارتهم البيوت دفاعهم عنها ضد هجمات الشياطين، لذلك أقول أن الجن المسلمين اكتفوا بما أوجبه الله عليهم من فريضة الجهاد عن سؤال الإنس لهم ليدفعوا عنهم كيد الشياطين، ولو جاهدوا لأن بشرا استنجد بهم من دون الله لوقعوا في الشرك، ولما نصرهم الله أبدا، فمن زعم أن الجن بحاجة إلى تفويض أو توكيل عبر وسيط ليدافعوا عن الإنس فقد أعظم الفرية عليهم، بل هذه الاستعانة ما هي إلا عين السحر، لأن السحر ما هو إلا توكيل جن بعمل ما، حتى ولو كان مكلفا بعمل ظاهره الخير كعلاج المس والسحر، إلا أنه باطنه الشرك لأنه استعانة بالجن. المصدر: أحوال التعامل بين الإنس والجان | مدونة: جند الله
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
أحوال, الاستعاذة, التعامل, الإنس, بين, والاستعانة, والتعاون, والجان |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|