#1
|
|||||||
|
|||||||
منهجية قراءة الكتب
الكاتب: الشيخ صالح بن محمد الأسمري الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فإن الكتب هي ثاني طرق التعلم ، ولذا فقد عني بها العلماء قديماً وحديثاً ، ونظراً لتخبط بعضٍ في طرق الاستفادة منها ؛ كان لا بد من بيان أهميتها ، وكيفية الاستفادة منها ، ومعرفة قواعد مهمة لفهم كلام أصحابها . وسداً لهذه الحاجة ، فقد ألقى فضيلة الشيخ الفقيه صالح بن محمد الأسمري ـ حفظه الله ـ محاضرتين في ذلك : الأولى : بعنوان (قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟ ) . الثانية : بعنوان (قواعد فهم كتب العلماء ) . وقد جمعتا في (ألبوم) بعنوان منهجية قراءة الكتب) . ولأهمية تلكم المحاضرتين أحببنا تلخيصها وتهذيبها في هذه الصفحة المباركة. قراءة الكتب لماذا؟ وكيف؟ قراءة الكتب لماذا ؟ : ـ لا شك أن قراءة الكتب تعود على المتعلم بفائدة عظيمة . وقد دل على ذلك دلائل كثيرات ،منها مايعود إلى الشرع ، ومنها ما يعود إلى النظر. قراءة الكتب كيف؟. هناك أمور ثلاثة : 1- أصول موصولة . 2- متممات مكملة . 3- وصايا موجهة . أولاً : أصول موصلة قراءة أي كتاب يقوم على ركائز ثلاث لابد منها : الركيزة الأولى : أن يكون القارئ على معرفة بلغة الكتاب . الركيزة الثانية : أن يحدد القارئ هدفه من قراءة الكتاب . والأهداف التي يتوخاها الإنسان عند قراءته لكتاب ما على أنواع غير محصورة فمنها : قراءة تسلية ، قراءة فهم وتدبر لمعرفة مقصود الكتاب ... الركيزة الثالثة : المعرفة بالطريقة التي تتناسب مع الهدف. وتختلف الطرائق باختلاف الأهداف ، فمن أراد أن يختصر كتاباً ـ مثلاً ـ فله طريقة معينة ، وهكذا على حسب اختلاف الأهداف . ثانياً : متممات مكملة هي محصلة ركائز ثلاث : الركيزة الأولى : التدرج في القراءة وخطواتها . فلا بد في البداءة بالقراءة في الكتب الواضحة قبل الغامضة المشكلة . وها هنا أمران مهمان عند ذكر التدرج : ـ الأول : أهمية حفظ أصول العلم ، فإن به يحصل ضبط المسائل والفصول. ـ الثاني : أنه من الآفات أن يكون الإنسان صاحب تناتيف من العلوم ، فينظر في علوم كثيرة ، ولا يبلغ الإمامة في شيء منها. الركيزة الثانية : القراءة الصحية . يذكرها أهل الصحة والتطبب ، ومرجعها إلى مراعاة ثلاثة أشياء: أولها : هيئة القراءة : وينبغي أن يجتمع فيها شرطان : (1) أن تكون مريحة للعين الباصرة . (2) أن تكون مريحة البدن . ثانيها: مراعاة الوقت : بأن يكون زمن القراءة فيه أريحية نفس وراحة تامة . ثالثها: المكان : بأن يكون خالياً من الضجيج والأصوات المزعجة ، أو الصور التي تأخذ النفس وتأسرها . الركيزة الثالثة : أن يتعرف المرء على جهات الخلل في أي كتاب يقرؤه . فإن هناك جهات ثمان ، لا يمكن أن يأتي الخلل إلى المكتوب إلا عن طريق واحد منها ، حصرها وعدها عداً الإمام الماوردي - يرحمه الله - كما في " أدب الدنيا والدين " ،وخلاصتها: 1- إسقاط ألفاظ من الكلام . 2- زيادة ألفاظ أثناء الكلام يُشكل بها معرفة الصحيح غير الزائد من معرفة السقيم الزائد فيصير الكل مشكلاً . 3- إسقاط حروف من أثناء الكلمة الواحدة والكلمة نوعان : - كلمة إذا سقط منها حرف بان عند تلاوتها لترددها أو شهرتها . - كلمة أخرى إذا سقط منها حرف انقلبت إلى كلمة أخرى تتلى على معنى آخر . 4- زيادة حروف في أثناء الكلمة . 5- وصل الحروف الموصولة ، وفصل الحروف الموصولة . 6- تغيير الحروف عن أشكالها ، وإبدالها بأغيارها . 7- ضعف الخط عن تقويم الحروف على أشكالها الصحيحة ، حتى تصير العين الموصولة كالفاء ـ مثلاً ـ . 8- إغفال النقط والأشكال التي تتميز به الحروف المشتبهة ، وذلك أن الأوائل لم يكونوا ذوي عناية بتنقيط ما كان معجماً من الحروف . ثالثاً : وصايا موجهة الوصية الأولى : لابد لطالب العلم أن يكوّن مكتبة في منزله ومقر وجوده ؛لأنها آلة التحصيل. الوصية الثانية : ألا يقدم على شراء كتاب إلى بعد الاختيار ، بأن يكون معتمداً عند أهل فنه . والاختيار يختلف باختلاف الناس ، فمنهم العالم القادر على تقويم الكتب ، ومنهم من ليس كذلك ، فهؤلاء يأخذون مبدأ الاستشارة في شراء الكتب . والاستشارة لها شرط وهو أن توقف المستشار على مبتغاك مع كونك تختار المستشار ، ولها أدب وهو أن تتأدب مع من تستشيره ، فلا تخالفه بعد الاستشارة لهوى نفس لا شيء آخر . ومن الكتب التي تعين في معرفة أفضل كتب الفن ، ما يسمى بـ ( الكتب الوصفية ) وهي التي تعنى بتوصيف كتب فنّ معين ، تستقرئ قديمها وحديثها ، ثم تقومه في ميزان النقل والتقويم الحق ، فمثلاً في النحو تجد ـ مثلاً ـ كتاب " نشأة النحو " لطنطاوي . الوصية الثالثة : ينبغي عند شراء الكتب أن تراعي أمور ثلاثة : 1- أن يعلم أن تكوين مكتبة لطالب علم لا تأتي في عشية وضحاها في حال جملة الناس ، وهناك صنف من الناس قد كساه الله بالثراء فله أن يفعل مكتبة في عشية وضحاها . 2- إذا أراد أن يشتري كتاباً عاجلاً فليقدم نوعين من الكتب : - الكتب الأصلية في فنها . - ما يحتاجه من كتب في دراسة أو حلقة علم أو نحو ذلك . 3- عند شراء المرء الكتاب لابد أن تراعى دور النشر التي ثمنها زهيد حتى يضع بقية النقود في كتب أخرى ، وأن يتفقد الكتاب الذي اشتراه وخلوه من العيوب الطباعية ، ثم يتأكد من هو الكتاب المطلوب لا غيره. الوصية الرابعة : تتعلق بإعارة الكتب . فينبغي ألا يكون الإنسان بخيل النفس ، فيحبس الكتب عمّن يستعيرها منه ، وهو يريد أن يأخذها لمعرفة وهو مستحق لذلك العطاء وهو واثق به ، وهو أدب رفيع قلّ من تخلّق به . إلا أن هناك شروطاً ثلاثة عند الإعارة : 1- أن يكون المستعير مستفيداً من الكتاب الذي طلبه ، ولا يكون متفكهاً بالطلب . 2- أن تكون على ثقة من إرجاع الكتاب إليك من قبل المستعير منك . 3- أن تُعَلّم كتابك بعلامة من العلامات حتى لا يذهب عنك ، كإثبات ملكيتك له ، أو وضع ختم لك ونحو ذلك . وللاستعارة آداب حاصلها أربعة: 1. أن تصون الكتاب إن استعرته من غيرك . 2. الشكر لمن أعارك كتاباً . 3. ألا يطيل المرء بقاء كتاب عنه وقتاً طويلاً . 4. ألا يتصرف بالكتاب الذي استعاره بعد استئذان صاحبه . آخر الوصايا : تتعلق بآداب متفرقات مع الكتب : أولاً : صون الكتاب وحفظه من المعايب والمثالب. ثانياً : مراعاة المكان الذي يوضع فيه الكتاب ونظافته ونزاهته. ثالثاً : تتعلق بترتيب الكتب وفهرستها عند تكوين خزانة كتبية في بيت أو نحوه ، فينبغي أن يرتبها المرء على حسب مقدار علومها . رابعاً : كتابة الحواشي والتعليقات وفق آدابها المعتبرة، ومن ذلك : - أن يكتب التصحيحات لخطأ مطبعي أو نحوه ، على هامش الكتاب على جانبه ويضع بعدها ( صح ) كما هو هدي المحدثين . - إذا قرأ كتاباً ثم أراد أن يقف ويرجع إليه من وقت لآخر فيكتب عند المكان الذي وقف عنده ( بلغ ) كما هو هدي المحدثين . - إذا أراد أن يكتب فائدة على كلام مرّ عليه ، أو جملة قرأها في كتاب ، فيكتبها بادئاً بجهتها اليمنى ، بادئاً من الحاشية ، ثم يعلي الكتابة نحو أعلى الصفحة حتى إذا أراد أن يكتب شيئاً بعد ذلك السطر وجد له متسعاً وهي من الطرائق المستحسنة التي يفعلها المحدثون وغيرهم . - وأن تكون بخط واضح . قواعد لفهم كتب العلماء لا شك أن تصحيح مسار الفهم ، وتصويب سبيل المعرفة أمر مهم جداً ، ولذا كان حسن الفهم من أعظم النعم . وجميع مايراد تفهمه يحصل بطريقتين : الأولى : بيان المتكلم عن مراده ومفهومه . والثانية : تمكن السامع من تفهُّم الشيء . إلا أن الفهم له آفته كما أن للكتب آفاتها ، فلا بد من قواعد تضبط ذلك ، وهي كالتالي: القاعدة الأولى : البنية المعرفية للقارئ لكتابٍ علمي تأصيلي لها أثرها الواضح في حسن الفهم لمصطلحات وأبواب ومسائل الكتاب. ذلك أن مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين نافع في بابه بشروط ، منها : فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ، وذلك يحصل أخذ العلم مشافهة عن العلماء أو مما هو راجع إلى ذلك ، والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئا دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد . القاعدة الثانية : الرجوع إلى المعروف من حال المصنف ومذهبه وحاله عن وجود عبارات مشتبهة في كلامه. القاعدة لثالثة : مراعاة أحوال المؤلف وأطواره ـ إن مر بأطوار ـ في منهجه الاعتقادي أو الفقهي أو نحو ذلك . القاعدة الرابعة : مراعاة التراجعات العلمية . إذ إن الرجوع إلى الحق فضيلة ، وكان أسلافنا الأخيار يرجعون إلى الحق إذا بان لهم ، فعندما يصطحب الناظر في الكتب لهذه الحقيقة يعلم يقيناً أن المصنف لكتاب ، قد يرجع عن قول قرره في الكتاب نفسه أو في بعض نسخه المتأخرة أو في أي كتاب آخر ، ولذا فلا ينبغي التسرع في نقل قول عالم من كتاب إلا إذا علم أنه أقره ولم يتراجع عنه . القاعدة الخامسة : حمل المُجمل من كلام المؤلف على المُفَسَّر في الكتاب نفسه أو في كتابٍ آخر له. القاعدة السادسة : تفهم الكلام حسب الدلائل المعتبرة في فهم كلام المؤلفين. إذ إن الدلائل نوعان:دلائل معنوية ،ودلائل لفظية ، والدلائل اللفظية ثلاث :دلالة موافقة ، ودلالة لزوم ، ودلالة تضمن . وإنما يفهم من خلال دلالة المطابقة والتضمن ، أما دلالة اللزوم فلا يُعمل بها على إطلاق إلا في مجالين : الأول : أن يلزمه صاحبه إذا ذكر له اللازم . والثاني : أن يدل عليه ما جرى مجرى لفظه من تنبيه أو إيماء أو نحوهما من الدلالات اللفظية . القاعدة السابعة : مراعاة موارد الكلام للناظر في الكتب ، فقد يكون مورد الكلام وعظاً أو محاجّة لخصم ، أومناظرة لمخالف أو نحو ذلك ، فإنه قد يتنزل الإنسان في المناظرات ما لا يتنزله في باب التقرير ، وهكذا . فوائد تتعلق بمطالعة الكتب الفائدة الأولى : أن تكون القراءة للكتاب بنية عدم الرجوع إليه مرة أخرى ، وفي ذلك يبادر إلى استنفار قواه العقلية . الفائدة الثانية : مراعاة الزمن عند قراءة الكتب ، فإن العمر قصير والعلم كثير ، فينبغي على الإنسان أن يعوِّد نفسه على سرعة القراءة مع تفهم . الفائدة الثالثة : تحديد الغاية من قراءة الكتاب من اختصارٍ أو تلخيصٍ أو جردٍ لاستخراج أشياء معينة ، وبحسب تحديد الغاية تكون الطريقة المناسبة للقراءة . الفائدة الرابعة : الانتقاء والاختيار ، فإن الكتب كثيرة ، بل هي في كل فنّ كتب كثيرة . خـاتـــمة ورغم أهمية الكتب وعِظمِ نفعها ، فإن الاعتماد عليها وحدها دون شيخٍ غيرُ نافع ، ولذلك يقول الشافعي - يرحمه الله - : ( لا تأخذ العلم عن صحفي ، ولا القرآن عن مصحفي ) . ويقول ابن خلدون - يرحمه الله - في :"مقدمته" بعد ذكره قواعد عظمى في أخذ العلوم : ( إلا أن التلقي بالمباشرة والأخذ عن العلماء ، هو الذي يورث تمام الملكات ). وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه.
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
منهجية, الكتب, قراءة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|