الكاتب: بهاء الدين شلبي.
إن مشركي مكة هم أنفسهم بني إسرائيل أي بني إبراهيم وإسماعيل معا، ومن أنفسهم خرج رسول الله صلى الله عليهم وسلم أي أنه من بني إسرائيل، لذلك فأغلب الخطاب في كتاب الله العظيم موجه إلى بني إسرائيل خاصة، قال تعالى: (
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [
العنكبوت: 65؛ 67]. نجد الله تعالى يتكلم عن قوم امتن عليهم بفضله فقال: (
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ) أي يكفروا بما آتيناهم من الكتاب وغيره من النعم، وجعل لهم (
حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) ورغم هذا (
إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)، فهم غير مشركين عن جهل وإنما عن علم بدليل قوله تعالى (
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). فهذا الكلام مداره حول أهل الكتاب وتحديدا بني إسرائيل، فهم من أنعم الله تعالى عليهم (
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) [
المائدة: 20]. وهذا الأمن استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام لبنيه فقال تعالى: (
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [
إبراهيم: 35].
وقال تعالى: (
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [
البقرة: 126] البلد الآمن هنا هو مكة المكرمة البلد الأمين لقوله تعالى: (
وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [
التين: 3]. أما قوله تعالى: (
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) فإن مراده بقوله (
أَهْلَهُ) هم أهل الحرم أي بني إبراهيم عليه السلام خاصة ومن ساكنهم في الحرم عامة، فبني إبراهيم عليه السلام هم من عمروا مكة وهم أهل الحرم الذين (
أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [
إبراهيم: 37] .. وهم من يأتي إليهم الناس من كل فج عميق لأداء الحج كل عام لقول تعالى: (
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [
الحج: 27]. فلا يمكن القول أن أهل الحرم هم بني إسماعيل فقط تبعا للمفهوم التاريخي الدارج والذي تم تفسير القرآن الكريم تبعا له رغم أنه من الواجب تعديل التاريخ بحسب القرآن الكريم، ولكن قلبت القاعدة فصار القرآن يفسر ويشرح بحسب علم التزكية المسمى (علم الرجال) والذي وضعه مؤرخي الرجال والسنة، فمن أجمع على تزكيته من السلف صار نقله صحيحا وكلامه دينا معتبرا، ومن طعنوا فيه أسقطوا عدالته وردوا نقله، فبشر يزكي بعضهم بعضا متجاهلين كتمان المنافقين ما في قلوبهم، وأنه لن يطلع عليه أحد سواء كان مزكي أو مزك.ى
وإلا فلا يصح أن نخرج بني إسحاق من جملة أهل الحرم ، لأن الحج فريضة على كل بني إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام .. خاصة أنه في موضع آخر من نفس دعاءه للحرم خص إبراهيم عليه السلام نفسه أن يجنبه الله عز وجل وبنيه جميعا دون تخصيص عبادة الأصنام فقال تعالى: (
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [
إبراهيم: 35، 36] .. وهذا التعميم في قوله (
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ) لا تخصيص فيه لبني إسماعيل دون بني إسحاق عليهما السلام .. لأن بني إسرائيل ذرية مشتركة لإسماعيل الجد وإبراهيم زوج ابنته كما في قوله تعالى: (
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [
البقرة: 127؛ 129] فإن دعائهما (
وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ) ورد بصيغة الجمع لا بالتثنية (
ذريتينا) .. مما دل على أنهما مشتركين في البنين وأن ذرية إسحاق ويعقوب عليهما من أبناءهما .. وأن إسماعيل ليس بولد إبراهيم عليه السلام .. وهذا شاهد على أن الله عز وجل سيبعث لبنيهما رسولا منهم لا من غيرهم (
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ) أي رسولا من بني إبراهيم وإسماعيل معا .. فلم يرد تخصيص في الدعاء أن يكون الرسول من ذرية إسماعيل عليه السلام فقط .. ودعاءه (
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) ثم قوله بعدها (
فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) يشير ضمنا إلى معرفته مسبقا بأن من ذريته من سيعبد الأصنام .. وقد كان ذلك بالفعل باتخاذهم العجل وعبادته في حياة موسى وهارون عليهما السلام .. ثم عادوا إلى عبادتها قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبدوا الأصنام حول الكعبة .. إذن فبني إسرائيل هم من جملة كفار مكة وأهلها
قال تعالى: (
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [
النساء: 163] نفهم من هذا النص وجود نبيين بين نوح وإبراهيم عليهما السلام لقوله تعالى: (
أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) ثم على الترتيب أوحى الله تعالى إلى (
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ) ثم خص الله تعالى دواود عليه السلام وحده بالزبور فأخر ذكره إلى ما بعد ذكر ابنه سليمان عليه السلام فقال: (
وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) .. وهذا شاهد أن الله عز وجل أرسل إسماعيل بعد أن أرسل إبراهيم عليه السلام ليكون سندا وعونا له في الكبر على بناء البيت .. فعلى الترتيب قال تعالى: (
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [
البقرة: 133] وهنا ذكر أبناء يعقوب أسماء آبائه (
قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ) فعددوهم على الترتيب بحسب من أوحي إليه أولا بعبادة الله وحده فقالوا (
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) وفلم يذكروهم وفق ترتيب الميلاد .. لأن مقتضى سياق النص متعلق بترتيب من أنزل عليهم الوحي لا بترتيب الميلاد كما ورد صريحا في قوله تعالى: (
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [
البقرة: 136] .. نخلص من هذا أن قوله تعالى (
قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) لا يعني ان إسماعيل عليه السلام ابنا لإبراهيم عليه السلام وإنما نزل عليه الوحي من بعده على الترتيب .. وقوله (
آبَائِكَ) يفيد أن إسماعيل عليه السلام جد لإسحق ويعقوب عليهما السلام .. فالعم لا يدخل في معنى الأبوة نسبا إلا مجازا وبقرينة .. فلا يوجد ذرية مستقلة لإسماعيل عليه السلام وإنما ذريته مشتركة مع إبراهيم عليه السلام
وهذا ما قد يفسر لنا أن الخطاب في قوله تعالى: (
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [
التوبة: 128] كان موجها لبني إسرائيل .. فقوله (
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) أي جاءكم رسولا منكم يا بني إسرائيل .. خاصة وأن من اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا من نفس واحدة أو قبيلة واحدة أو يجمعهم أصل واحد مشترك .. وإنما كان منهم الحبشي والفارسي والرومي والقبطي واليماني .. هذا فيما عدا بني إسرائيل فهم من أصل ونسب واحد مشترك .. فمن المستبعد تماما أن أن يكون الخطاب في قوله (
رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) موجها إلى كل هؤلاء الأنفس والقوميات المختلفة على اختلاف نشأتهم وألسنتهم وأنسابهم .. فقوله (
مِّنْ أَنفُسِكُمْ) لا تفيد اختلاف الأنساب .. وإنما تؤكد على وحدة النسب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين من أرسل إليهم تحقيقا لدعوة إبراهيم وإسلماعيل عليهما السلام (
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ) لا من غير نسبهم .. فخص بني إسرائيل في بداية الآية فقال تعالى: (
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) .. ثم بين أنه يعز عليه تعنت أهله وقرابته وأنه حريص عليهم لأنه منهم فقال تعالى: (
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم) .. ثم عمم في نهاية الآية لتشمل رأفته ورحمته كل من آمنوا به سواء كانوا من بني إسرائيل أم من غيرهم فقال تعالى: (
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
جعل الله تعالى البيت الحرام آمنا لعموم الناس ولأهله خاصة فمن دخله وأقام فيه كان آمنا زائرا كان أم مقيما .. قال تعالى: (
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا) [
البقرة: 125] وقال تعالى: (
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [
آل عمران: 97] إلا أنه خص أهله بالآمان وهم بني إسرائيل الذين تفرقوا قبائل كثيرة .. ومنهم قبيلة قريش .. وهي القبيلة الوحيدة التي ورد باسمها سورة في القرآن الكريم قال تعالى: (
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [
قريش] وهنا يأمرهم الله تعالى بعبادته ويذكرهم بنعمته عليهم إذ (
أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) وهذا من بركة دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام .. فقريش من نسل إسماعيل عليه السلام .. وهم من بني إسرائيل .. ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وام أسهل على من حرفوا التوراة والإنجيل أن يحرفوا الأنساب .. فلما دعاهم للإسلام أبوا ونسوا أن منكن الله حرما آمنا فقال تعالى: (
وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [
القصص: 57] إذن فقبيلة قريش هي إحدى قبائل بني إسرائيل التي أقامت واستقرت في مكة ومنهم خرج خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام
انتقل يعقوب عليه السلام وبنيه من البدو إلى مصر قال تعالى: (
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ) [
يوسف: 100] .. أي الحمد لله الذي أتى بكم من حال البدو .. والبدو اسم يعني الخروج من الحضر إلى المراعي في الصحراء وفي اللسان "وقال الليث: البادية اسم للأَرض التي لا حَضَر فيها، وإذا خرج الناسُ من الحَضَر إلى المراعي في الصَّحارِي قيل: قد بَدَوْا، والإسم البَدْوُ." .. فهذا لا يعني أنهم كانوا بدوا رحلا على الإطلاق .. وإنما لما نزل بهم القحط في مكة حيث أقام فيها إسحاق ويعقوب .. فكان بديهيا أن ينقطع الناس عن الحج فتوقفت الموارد والمؤن وانقطعت عنهم .. فدفعتهم الحاجة أن ينطلقوا في البادية سعيا وراء المرعى .. حتى سبب الله عز وجل الأسباب ليأتي بهم إلى مصر فأقاموا فيها تحت حكم يوسف عليه السلام
واستمرت إقامتهم في مصر إلى أن صاروا تحت حكم فرعون .. وهنا كان يجب عليهم الخروج من مصر والعودة إلى حاضرتهم التي كانوا يعيشون فيها .. وهنا ذكرهم موسى عليه السلام بفضل الله عز وجل عليهم قال تعالى: (
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) [
المائدة: 20] فاصطفاكم الله بالنبوة كما اصطفى آدم ونوح من قبل .. (
وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) أي أغناكم برزقه فلم يكن لهم دولة قامت بعد حتى يكونوا ملوكا بالمعنى المعروف فيما عدا ما ثبت من تنصيب يوسف عليه السلام على خزائن الأرض .. ومن نعم الله عز وجل عليهم والتي (
لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) أن مكن لهم حرما آمنا .. فساق إليهم أفئدة من الناس تسعى إليهم بالأرزاق طلبا للحج والعمرة .. وهنا أمرهم الله عز وجل بالعودة إلى ديارهم ودخول الأرض المقدسة قال تعالى: (
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [
المائدة: 21] .. فالحقيقة التي لا يمكن المراء فيها أن مكة المكرمة أرض مقدسة .. فلا تنافسها أرض أخرى في قداستها .. فاختارها الله تعالى أول موضع لبيته .. ولن يختار إلا أقدس البقاع من الأرض لبناء أول بيت .. لقوله تعالى: (
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ) [
آل عمران: 96؛ 98] وإن كانت مكة كذلك فهي أولى وأحق أن يطلق عليها (
الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) معرفة بالألف واللام.