#1
|
|||||||
|
|||||||
حصري: علم الملكين هاروت وماروت والدجال
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
في بحث سابق لي بعنوان علم هاروت وماروت | مدونة: جند الله تكلمت عن علمهما وأنه علم شرعي أنزله الله تبارك وتعالى عليهما فأضافه سحرة الجن إلى سحرهم فزاد من سحرهم قوة فيأتون به بالخوارق بإذن الله وينسبونه كذبا إلى قوة السحر وقد ورد في أمر الدجال أنه معه رجلين وفي رواية ملكين خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: (إنه لم يكُنْ نبيٌّ إلا وقد أنذَر الدجالَ أمتَه ألا وإنه أعورُ عينِ الشمالِ وباليُمنى ظفرةٌ غليظةٌ بين عينَيه كافرٌ يعني: مكتوب: ك ف ر يخرجُ معه واديانِ: أحدُهما: جنةٌ والآخرُ: نارٌ فنارُه جنةٌ وجنتُه نارٌ يقولُ الدجالُ للناسِ: ألستُ بربِّكم أُحيي وأُميتُ ؟ ومعه نبيانِ منَ الأنبياءِ إني لأعرِفُ اسمَهما واسمَ آبائِهما لو شئتُ أن أسمِّيَهما سمَّيتُهما أحدُهما عن يمينِه والآخرُ عن يسارِه فيقولُ: ألستُ بربِّكم أُحيِي وأُميتُ ؟ فيقولُ أحدُهما: كذبتَ فلا يسمعُه منَ الناسِ أحدٌ إلا صاحبُه ويقولُ الآخرُ: صدقتَ فيسمَعُه الناسُ وذلك فتنةٌ ثم يسيرُ حتى يأتيَ المدينةَ فيقولُ: هذه قريةُ ذاكَ الرجلِ فلا يؤذَنُ له أن يدخُلَها ثم يسيرُ حتى يأتيَ الشامَ فيُهلِكُه اللهُ , عزَّ وجلَّ , عندَ عقبةِ أفيقَ) الراوي: سفينة أبو عبدالرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم: 8/127 خلاصة حكم المحدث: سنده صحيح وقد ورد الحديث مرفوعا برواية أخرى في الفتن لحنبل بن إسحاق: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (أَلا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ , هُوَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى , بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ . مَعَهُ وَادِيَانِ : أَحَدُهُمَا جُنَّةٌ , وَالآخَرُ نَارٌ , فَنَارُهُ جُنَّةٌ , وَجَنَّتُهُ نَارٌ ، مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيَّيْنِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ , لَوْ شِئْتُ سَمَّيْتُهَا بِأَسْمَائِهَا وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمَا , أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ , فَيَقُولُ الدَّجَّالُ لِلنَّاسِ : أَلَسْتُ رَبَّكُمْ ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي وَأُمِيتُ ؟ فَيَقُولُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ : كَذَبْتَ , فَمَا سَمِعَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا صَاحِبُهُ , فَيَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ , فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ إِنَّمَا صَدَّقَ الدَّجَّالَ , فَذَلِكَ فِتْنَتُهُ , ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الشَّامَ , فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ عِنْدَ عَقَبَةِ أَفِيقَ) . وأرى في ضوء هذين النصين أن الملكين أو النبيين هما هاروت وماروت .. ولا أرى تعارضا بين أن يكونا ملكين من ملائكة الجن كناية عن عصمتهما .. وبين وأن يكونا نبيين ولكنهما من أنبياء الجن لا من أنبياء الإنس .. وأن الدجال استغل ما حصل عليه من علمهما في صنع مخاريقه بإذن الله تعالى ثم هو يدجل على الناس فينسب هذه القدرة إلى نفسه لا إلى الله عز وجل .. وقبل أن أخوض في بيان ما أمكنني استخلاصه من هذه النصوص فلا مانع على وجه الإطلاق أن يكون هاروت وماروت من الجن .. وأنهما كانا نبيين من أنبياء الجن .. وأنهما كانا في حكم الملكين من جهة عصمتهما لا من جهة خلقهما .. فإبليس كان من الجن وأمره اله بالسجود مع الملائكة ثم فسق عن أمر ربه لقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف: 50] .. وهذا يؤكد أصل خلقة إبليس كواحد من الجن وكونه كان من الملائكة فهذا كناية عن عصمته لا عن خلقته فقد شبهت النسوة يوسف عليه السلام بملك كريم في قوله تعالى: (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف: 31] وهذا ليس تشبيه صوري تعبيرا عن جماله وحسن خلقته لأن النسوة لم يرون ملكا من قبل حتى يشبهنه به .. فلا يقصدن من قولهن أنه ملكا على حقيقته .. وإنما يقصدن معنى ملازم للمعنى الحقيقي للملك وهو العصمة من الوقوع في الفواحش وهذا تعبيرا عن عصمته .. وتلك العصمة هي ما أكدت عليه امرأة العزيز حين قالت (فَاسْتَعْصَمَ) من قوله تعالى: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف: 32] والآن أترككم مع بحثي ثم سوف أستكمل التوضيح والشرح بإذن الله تعالى علم هاروت وماروت الكاتب: بهاء الدين شلبي. إن الله تبارك وتعالى قد آثر بعض خلقه بعلوم خاصة متفردة، فيتحقق بها ما يعجز عنه بني الجنس الواحد بقدراتهم المعتادة، مما يدل على وجود علوم مغيبة عنا يمكن بها إنجاز الكثير مما نعجز عنه كبشر، ولكن تظل هذه العلوم مغيبة عنا، ولا نعلم شيء عن تفاصيلها أو مضمونها، والمهم في هذا أن ندرك أن علمنا كبشر محدود جدًا، فكثير من الأمور التي تحدث حولنا لا يصح أن نحكم عليها بعلمنا المحدود، فما نعده في بعض الأحيان خوارق، ما هو إلا فوائق للعادات خاضعة لسنن كونية، ولها تفسير علمي، ولكن ليست كل العلوم معروفة لنا كبشر.فالقرآن الكريم يثبت وجود علوم كثيرة مغيبة عنا، فهذه الفوائق تحدث وفق سنن كونية لا زلنا نجهل كثيرًا من أسرارها، فليس كل ما نجهل أسراره يصح نسبته إلى المعجزات والكرامات، لأن المعجزة من صنع الله مباشرة، كمعجزة خلق المسيح عليه السلام، فلا يخرق العادات إلا من خلقها، أما ما يقوم به المخلوق إنسا أو جنا أو ملائكة فهو خاضع لسنن كونية علمها من علمها وجهلها من جهلها، فهناك علوم يدركها البشر، بينما هناك علوم يدركها الجن ويجهلها البشر، وهناك علوم تعلمها الملائكة ويجهلها الإنس والجن، فينظر إليها الجاهل على أنها خوراق ومعجزات طالما عجز عنها، وهي في حقيقتها مجرد فوائق لعادات الجنس الواحد، أو عدة أجناس مختلفة، بينما هي عادات لجنس آخر مختلف. سوف أسوق عدة نماذج قرآنية تشهد بوجود علوم فوق العادة، اختص الله عز وجل بها بعض عباده، فمنهم من استخدمها في طاعة الله تعالى فرفعه بها في الدنيا والآخرة، ومنهم من استخدمها في معصية الله تعالى فاستحق غضبه وعقابه في الدنيا والآخرة، وفي المقابل هناك ما هو علم شر محض لا خير فيه، ويخسر صاحبه الدنيا والآخر، وهو (علم السحر)، وهذا علم باطل لا يصح نسبته إلى الله عز وجل، وهو علم خاضع لخصائص قدرات الجن، وفق سنن كونية مجهولة للإنس، ويعجز البشر عن الإتيان بما يحققه السحر. _ آثر الله عز وجل آدم عليه السلام بعلم لم يعلمه للملائكة، قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَاكُنتُمْ تَكْتُمُونَ( [البقرة: 31؛ 33]. _ فقد علم الله نبيه الخضر عليه السلام من لدنه علما لم يكن لدى موسى عليه السلام، فالله قد يصطفي نبي بعلم لم يختص به غيره من الأنبياء، قال تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ( [الكهف: 65]، فعرف بهذا العلم من الغيبيات الماضية والحاضرة والمستقبلية ما عجز موسى عليه السلام عن الصبر على الجهل بها، فما صبر على ما أنكره من أفعال الخضر عليه السلام، فكانت تصرفاته مبنية على معرفة غيبية مما علمه الله عز وجل، فلم يكن يعرف الغيب بذاته كما يزعم الكهان والعرافين، ولكن عرفه بإعلام الله تعالى له، ففعل ما فعله بأمر الله عز وجل وليس عن أمره، قال تعالى: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) [الكهف: 82] فعرف ما في الحال بقدوم الملك ليغتصب السفينة، وعلم ما سيكون عليه حال الغلام في المستقبل من فتنة والديه، وعلم ما كان مدفونا في الماضي من الكنز تحت الجدار. _ هناك أحد الجن المسلمين من ملأ سليمان عليه السلام كان عنده علم من الكتاب، فاستطاع نقل عرش ملكة سبأ في أقل من لمح البصر، قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل: 40]، بينما عجز سليمان عليه السلام عن الإتيان به من تلقاء نفسه، مما يعني أن الله اختص أحد ملأه بعلم لم يكن لديه، كما اختص الله تعالى الخضر عليه السلام بعلم لم يكن لدى موسى عليه السلام. _ هناك علم شريف منيف يفوق قدرات الجن وهو (علم الملكين هاروت وماروت) أنزله الله عليهما، فكان فتنة للجن في مقابل علم السحر، فكان ابتلاءا وامتحانا لهم، قال تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة: 102]، فتلقته شياطين الجن واستخدمته في السحر والتفريق بين المرء وزوجه، بدلا من استخدامه في الخير ونصرة الدين، قال تعالى: (فَيَتَعَلَمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرَّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ). _ لقد آتى الله (قارون) ثروة طائلة في زمن قصير بعلم خاص جهله أهل عصره، فأنكر فضل الله ونسب العلم لنفسه، قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص: 78]، ولو كان ماله جاء بعلم محرم لترتب على ذلك حرمة ماله، ولو كان ماله حراما لما طالبه الله تعالى أن يبتغي به الدار الآخرة، فالحرام لا ينال به الجنة. _ وأخيرًا هناك علم السحر، وهو كفر محض نسبه الله تعالى إلى الشياطين، ولم ينسبه لنفسه عز وجل، قال تعالى: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يَعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة: 102]، ومن يتعلمه يستطيع صنع فوائق للعادات يتفوق بها على بني جنسه. سوف نتناول بالبحث واحدًا من بين هذه العلوم، ونبين مدى صلته بالجن والسحر، وهو العلم المنزل على هاروت وماروت، حيث زعم اليهود والسحرة أن العلم المنزل عليهما هو (علم سحر)، وهذا ما نفاه الله عز وجل، في قوله تعالى: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يَعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرَّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ)، وإن كان هذا العلم مصدره الملائكة فلا يتفق أن يكون سحرا كما يروج السحرة واليهود، فيقولون كذبًا وزورًا؛ (سحر هاروت وماروت)، لأن السحر قائم على الكفر والندية لله تبارك وتعالى، والكفر يتنافى مع عصمة الملائكة، ويتعارض أن يكون الدين عند الله الإسلام ثم ينزل من لدنه علم السحر وهو كفر، فالضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان معا. من السلف من نفي الزعم القائل بأن علم هاروت وماروت كان سحرًا، فمن تفسير ابن كثير عليه رحمة الله قال: (وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي، عن ابن عباس، في قوله: (وَمَا أُنـزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) يقول: لم ينـزل الله السحر. وبإسناده، عن الربيع بن أنس، في قوله: (وَمَا أُنـزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قال: ما أنـزل الله عليهما السحر. قال ابن جرير: فتأويل الآية على هذا: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنـزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل، هاروت وماروت. فيكون قوله: (بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوت) من المؤخر الذي معناه المقدم. قال: فإن قال لنا قائل: وكيف وجه تقديم ذلك؟ قيل: وجه تقديمه أن يقال: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) -”من السحر”- (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) وما أنـزل الله “السحر” على الملكين، (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ببابل وهاروت وماروت فيكون معنيا بالملكين: جبريل وميكائيل، عليهما السلام؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنـزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وأخبر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينـزلا بسحر، وبرأ سليمان، عليه السلام، مما نحلوه من السحر، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان، اسم أحدهما هاروت، واسم الآخر ماروت، فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس، وردًا عليهم. ( هذا لفظه بحروفه) ا. هـ إن علم هاروت وماروت قاصر تلقيه على الجن، وهذا لعجز الإنس على التواصل مع الملائكة والالتقاء بهم، وبالتالي لا يمكن للإنسي تلقي هذا العلم عن الملكين مباشرة إلا بواسطة الجن، فقد ثبت أن الجن يرون ما لا نراه من العوالم الغيبية كالملائكة، وهذا ما أقر به الشيطان لعنه الله من قول الله تعالى: (إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ) [الأنفال: 48]، فرؤية الملائكة من خصائص قدرات الجن، يستوي في ذلك مؤمنهم وكافرهم، بل وفي قدرتهم سماع كلام الملائكة أيضًا، قال تعالى: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا) [الجن: 8، 9]، إذًا فالجن يرون حراس السماء الدنيا من الملائكة، ويسترقون السمع من الملائكة، وهذا شاهد قوي يدل على رؤية وسماع الجن للملائكة، فإن ثبتت هذا في قدرة شياطين الجن، فمن باب أولى أن يثبت في حق الصالحين منهم أيضا، وعليه فهذه القدرات مما اختص الله بها الجن عمومًا، فإن كانت رؤية الملكين هاروت وماروت قاصرة على الجن، ومستحيلة في حق الإنس فإن هذا العلم يقصر تلقيه على الجن دون الإنس، وما يشيعه السحرة من إمكان الالتقاء بالملكين لتلقي هذا العلم عنهما، هو تدليس لا أصل له في شرع الله، هذا إن لم يكن يتعارض مع النصوص، وأي زعم بعد هذا فليس إلا تلبيس من الشياطين. إن عجز الإنس عن التواصل بالملائكة لا يمنع وصول (علم هاروت وماروت) إليهم، ولكن من الممكن أن يصل بشكل غير مباشر عن طريق الجن، وليس بمباشرة التلقي عن الملكين، وهذا تجاوز في ظاهر الأمر، فرغم أنه علم حلال إلا أنه لم يبلغ في علمي أن أحد من البشر وصل إلى هذا العلم، لكن هذا لا يمنع أن الجن قد نقلت هذا العلم إلى بعض البشر، وهذا عن طريقين لا ثالث لهما، الطريق الأول من خلال إدخال علم هاروت وماروت في علم السحر، وهذا تشويه لهذا العلم الشريف، وطعن في عصمة الملائكة ورفعة منزلتهم، والطريق الثاني أن الجن المسلمين نقلته إلى الإنس، وهذا ليس له شواهد تؤيده، وعلى هذا فلدى الجن علم حق أعلى وأشرف من علم السحر الباطل، يمكن بواسطته تحقيق الكثير مما يعجز الجن عن الإتيان به، وهو العلم المنزل على (الملكين هاروت وماروت)، وإذا كان هذا العلم يفوق قدرات الجن ويحقق لهم ما يعجزون عنه، فهذا يقتضي تفوقه على قدرات الإنس أيضا، فطالما أنه علم أنزل على الملائكة واصطفاهم الله به على الإنس والجن، إذًا نستطيع القول بأن علم هاروت وماروت هو (علم ملائكي)، من حيث من اختصوا بهذا العلم وأنزل عليهم، وإن كان في الأصل أنه (علم رباني) من حيث أنه علم منزل الله تبارك وتعالى. تعليم هذا العلم شمل الجن عموما مؤمنهم وكافرهم، لقوله تعالى (وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ)، فقوله (مِنْ أَحَدٍ) ليس فيه تخصيص لشياطين الجن من دون المسلمين، وهذا ينفي الزعم الباطل بأنه سحر، فالجن الصالح لا يتعلم السحر لحرمته، وعلى هذا يحمل معنى الآية على تعليم الملكين للجن عمومًا، مؤمنهم وكافرهم، مما يدل على أن الجن المسلمين لهم نصيب من هذا العلم، مما يمنحهم القدرة على مواجهة سحرة الجن بهذا العلم، قال تعالى: (حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)، فالدخول في الكفر لا يتحقق إلا بالخروج من الإيمان، أو بالإيغال في الكفر من بعد كفر، وعلى هذا يتحقق أن من يتعلمون هذا العلم ليس شرطا أنهم شياطين في الأصل، ولكن يدخل في تعلمه الجن المسلم أيضا، لكن بطبيعة الحال ليس هذا العلم مما هو متاح لدى كل جني، إنما متاح لخاصتهم وأكابرهم، فلو أتيح هذا العلم لسفهاء الجن وعامتهم لصارت فوضى نتيجة سوء استخدامه، فمن البديهي وجود عقبات كثيرة أمام الجني يتطلب منه تجاوزها حتى يصل إلى هذا العلم. هذا العلم ما هو إلا اختبار للجن من الله تعالى وابتلاء لهم، قال تعالى: (حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)، والفتنة هنا لا تفيد أن هذا العلم شر، بل تثبت الابتلاء والاختبار الناتج حرية استخدام هذا العلم في الخير أو الشر، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: 35]، مما يشهد أن علم الملكين لا يحمل كفرا في ذاته، ولكن من يتعلمه مخير في أن يستخدمه إما في الخير وإما في الشر، ولكن الآية الكريمة أثبتت أن الشياطين تستخدمه في الشر، كالتفريق بين المرء وزوجه، وبهذا أدخلوا طرفا من علم هاروت وماروت في السحر، مما دعم السحر وزاده قوة وتأثيرًا في المسحور، وهذا أكسب سحر الجن لبعضهم بعضا قوة تفوق قدراتهم كجن، وإدخال هذا العلم في السحر كان سببا في إحكام الشياطين قبضتهم بالسحر على ملك سليمان عليه السلام، ومنهم جنوده من الجن المسلمين، في الوقت الذي صار السحر معضلا بالنسبة للبشر ومستعصي عليهم التعامل معه، وهذا بدوره يشكل عقبة كبيرة أمام المعالجين، فكيف بنا الحال لو كان هناك علوما أخرى شبيهة بهذا العلم لا يعلمها أغلب الجن أنفسهم؟ إذًا فنحن المعالجين في واقع الأمر جهلاء، ونتخبط في منهج العلاج، خاصة وأنه تحكمنا التجربة لا المنهج العلمي، فيجب أن نفرق بين مشروعية المنهج، وبين صحة المنهج، فالمشروعية لا تقتضي بالضرورة صحة كل ما يقوم به المعالج وفق السنن الكونية الخاضع لها الجن، وإذا قام أحد واجتهد واكتشف الجديد، رموه بالبدعة والضلالة وكأنه خرج على مشروعية العلاج، فلا مانع من ظهور الجديد بشرط أن لا يتعارض والثوابت الشرعية، لكن أن نجعل من التأصيل والتقعيد حكما على صحة كل جديد، فهذا منهج يخالف العقل الحصيف، لأن التأصيل والتقعيد مرتبط بالمشروعية لا بالسنن الكونية المجهولة لدينا. يجب أن نتبنه إلى أن سحرة الجن لا يمكن أن تقدم علم هاروت وماروت مجردًا أمام سحرة الإنس، ينهلونه غضا طريا كما أنزل، ولكن يزجون بطرف منه في السحر، حتى لا يدري الساحر أيهما هو العلم الحق وأيهما العلم الباطل، لذلك نرى أن السحرة يزجون بكلام الحق من كتاب الله تعالى في سحرهم، وهذا مما يكسبه قوة، وهي قوة المعصية، فبكل معصية يقيض الله بها شيطانا يقترن بالساحر، فيزداد سحره قوة بهذا القرين، فبدخول هذا العلم في السحر صار استخدامه باطلا، لأنه صار يستخدم فيما يضر ولا ينفع، ليحتفظ الشياطين لأنفسهم بالسيادة على سحرة الإنس فزادوهم رهقًا، وليمعنوا في إضلالهم والسيطرة عليهم، فيتيحون لهم من العلم ما يحقق مآربهم من استقطاب سحرة الإنس، وليكسبوا سحرهم ما يفتقده من قوة متوفرة في علم هاروت وماروت، وبالتالي يحقق لهم طموحاتهم في السيطرة على المسلمين من الثقلين، ليكون لهم بذلك العلو في الأرض، وهذا مما يتفق والأهداف التي يسعى اليهود لتحقيقها من السيطرة على العالم بأسره، والذين امتدت سيطرتهم من داخل نطاق الكرة الأرضية، إلى السبق في غزو الفضاء خارج مجال الجاذبية الأرضية، ومحاولة ارتياد الكواكب الأخرى، وبالتالي احتكار (علوم الفضاء) بسيطرتهم على رأس المال العالمي.وإذا كانت الجن تتعلم من الملكين ما أنزله الله عليهما من علم شريف منيف، إلا أنه من الواضح أنه علم معجز يفوق علم السحر، وبالتالي فهو آية وحجة عليهم في مقابل السحر، ليعلموا حقيقة أن السحر كفر مبين ولا يغني من الحق شيئًا، قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء: 18)، فهو علم يليق بجلال الله تبارك وتعالى منزل هذا العلم على الملكين، فهو علم جدير بهما كملكين كريمين، وبالتالي فهو معجز للجن ولسحرتهم خصوصا، فلا يستطيعون الإتيان بمثله، وبالتالي كان حجة عليهم كجن، وليس حجة على الإنس الذين لا يعلمون شيئا من تفاصيله، هذا عسى أن يرتدعوا وينتهوا عما بين أيديهم من السحر، ولأن هذا العلم معجز، فتأثيره أشد قوة من تأثير السحر، وبالتالي فهو فتنة لما فيه من قوة لا يضاهيها ما في أيدي سحرة الجن من علوم السحر، وبالتالي فعلم هاروت وماروت تستخدمه شياطين الجن للسيطرة على الجن أمثالهم، وخاصة في السيطرة على أكابر الجن المسلمين، ويزداد تأثير تعقيدا إذا كان سحر مشترك بين الجن والإنس ضد الإنس أو الجن المسلمين، لذلك فهذا العلم فتنة أي اختبار لمتلقيه وهذا من قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)، فإن كان هذا العلم معجزًا، إذًا فمن المحال أن يكون الهدف من تعليمه هو الكفر، فإن لم يمكن كفرًا في ذاته، إلا أنه من الممكن استخدامه في أعمال كفرية. فكما نسب اليهود كذبا تعليم السحر إلى سليمان عليه السلام، فكذلك كذبوا فنسبوا تعليم السحر إلى الملكين هاروت وماروت، وهذا نقلا عن شياطين الجن، وهذه هي طامة النقل عن الجن بغير بينة من الشريعة والعقل، فسرب اليهود ضلالات شياطين الجن ويحسبون أنهم مهتدون، رغم أنه علم أنزل عليهما، والإنزال لا يكون إلا من الله عز وجل، لقوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ)، فنفى الله عز وجل الكفر عن سليمان عليه السلام، فقال: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ)، ونسب تعليم الناس السحر وهو كفر إلى الشياطين، فقال: (وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)، وأثبت أن علم هاروت وماروت منزل عليهما مما يقتضي سلامته من الكفر، وأنه ليس بسحر، فالشياطين لا تنقل علم الملكين إلى السحرة مستقلا عن علوم السحر، بل تطمس جميع معالمه بإدخاله في السحر. والخلاصة أن الشياطين يستخدمون علم الملكين هاروت وماروت في أفعال الشر والضرر، وهو علم شريف منيف يمكن استغلاله في الخير كما يمكن استغلاله في الشر، فحامل هذا العلم في وضع اختبار، فأدخلوا هذا العلم في السحر، ثم نسبوا علم السحر إلى الملكين الكريمين هاروت وماروت، فالعلة ليست في علمهما ولكن العلة فيمن يستخدم علمها في الشر لا في الخير، فأساءوا بذلك إلى العلم المنزل من الله على الملكين كما أساءوا إلى سليمان عليه السلام، وما هو إلا ابتلاء للجن واختبار لهم، فاستخدموه فيما يضر ولا ينفع، هذا لأن السحر ضرر محض لا نفع فيه، قال تعالى: (وَيَتَعَلَمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ)، وهذا فيه إشارة على أن شياطين الجن كانت تدلس على سحرة الإنس من اليهود، فتضع مع علوم السحر وفنونه بين ما هو من جملة علم هاروت وماروت، خاصة وأن بعض أنواع السحر تستخدم فيه بعض الأسماء الشريفة والآيات الكريمة من الكتب المنزلة، وبذلك يدلس عليهم ويحسبون أنهم على حق، فالصوفية على سبيل المثال يتبعون ما في كتب السحر مثل كتاب (شمس المعارف الكبرى) للبوني، ولو طالعنا هذا الكتاب وما شابهه من الكتب والمصنفات، سوف نجد المؤلفين يمدحون هذا العلم ويجعلون منه أجل وأخص العلوم، فيسمونه (الحكمة) وما هو إلا عين السفاهة والبرطيل. المصدر: علم هاروت وماروت | مدونة: جند الله
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
#2
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.تتفق كلا الروايتان على أنه مع الدجال نبيان .. فالرواية الأولى تثبت أنهما نبيان من الأنبياء (ومعه نبيانِ منَ الأنبياءِ) والثانية ملكان في صورة نبيين من الأنبياء (مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيَّيْنِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ) ولا نبوة لإنس ولا جان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40] من المعلوم أن الله عز وجل اصطفى آدم وذريته بالنبوة والرسالة على الجن كما اصطفى نوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 30] .. فاستخلف الله عز وجل آدم وذريته على شرعه ودينه بعدما أفسدت الجن في الأرض فقال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 30] .. وهذا يفيد أن الجن قبلنا كان لهم أنبياء ورسل استخلفهم الله عزو جل على شرعه ودينه فقال: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) [الأنعام: 130] ولكن من الواضح أن في الجن طائفة حاربت أنبياءهم وسفطوا دماءهم كما فعل البشر في أنبياءهم من بعد ومن الثابت لدينا بنص صريح قاطع الدلالة أنه من الجن منظرون ومنهم إبليس عليه لعائن الله .. وقد ثبت هذا في ثلاثة مواضع من كتاب الله تعالى: (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الأعراف: 15] (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر: 37] و[ص: 80] فقوله (الْمُنْظَرِينَ) جاء بصيغة الجمع مما أفاد وجود العديد من المنظرين وليس إبليس هو المنظر الوحيد فقط .. فإن كان هناك من الجن منظرين وإبليس أحدهم فهذا لا يمنع أن يكون بعضا من أنبياء الجن منظرين أي يطيل الله تبارك وتعالى أعمارهم أزمنة طويلة قد تمتد إلى ما شاء الله عز وجل فإن كان لا يوجد نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وإن كان في الجن أنبياء منظرون فهذا لا يمنع أن يكون النبيان الذان مع الدجال هما من أنبياء الجن المنظرون لا من أنبياء الإنس .. فلا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولا أنبياء سيبعثون من قبورهم ليخالطوا الأحياء فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. فلم يبقى إلا الاحتمال الثالث أن يكونا نبيان من أنبياء الجن لا من أنبياء الإنس لكن الملفت في النص (... فيقولُ أحدُهما: كذبتَ فلا يسمعُه منَ الناسِ أحدٌ إلا صاحبُه ويقولُ الآخرُ: صدقتَ فيسمَعُه الناسُ وذلك فتنةٌ ...) فهل الأنبياء يفتنون الناس؟ حاش وكلا .. إنما يقدر الله عز وجل ما سيحدث فتنة للناس وامتحانا لهم .. وقد ورد في كتاب الله تبارك وتعالى قوله (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة: 102] فهو علم أنزل على الملكين ولم ينزل معهما .. فلو قلنا أنه علم أنزل معهما لعلمنا قطعيا أنهما ملكين من جنس الملائكة الكرام .. إذن فهما ملكين صفة لا ملكين جنسا .. كما سبق وبينت هذا فقلت: "فلا مانع على وجه الإطلاق أن يكون هاروت وماروت من الجن .. وأنهما كانا نبيين من أنبياء الجن .. وأنهما كانا في حكم الملكين من جهة عصمتهما لا من جهة خلقهما .. فإبليس كان من الجن وأمره اله بالسجود مع الملائكة ثم فسق عن أمر ربه لقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف: 50] .. وهذا يؤكد أصل خلقة إبليس كواحد من الجن وكونه كان من الملائكة فهذا كناية عن عصمته لا عن خلقته فقد شبهت النسوة يوسف عليه السلام بملك كريم في قوله تعالى: (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف: 31] وهذا ليس تشبيه صوري تعبيرا عن جماله وحسن خلقته لأن النسوة لم يرون ملكا من قبل حتى يشبهنه به .. فلا يقصدن من قولهن أنه ملكا على حقيقته .. وإنما يقصدن معنى ملازم للمعنى الحقيقي للملك وهو العصمة من الوقوع في الفواحش وهذا تعبيرا عن عصمته .. وتلك العصمة هي ما أكدت عليه امرأة العزيز حين قالت (فَاسْتَعْصَمَ) من قوله تعالى: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف: 32]" ولقد قرن الله عز وجل ذكر الفتنة بهاروت وماروت وهذا عن لسانهما فقال: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة: 102] فقد تكرر ذكر الفتنة مع هاروت وماروت وهما ملكين وكذلك مع النبيين الذين مع الدجال ( أحدُهما عن يمينِه والآخرُ عن يسارِه فيقولُ: ألستُ بربِّكم أُحيِي وأُميتُ ؟ فيقولُ أحدُهما: كذبتَ فلا يسمعُه منَ الناسِ أحدٌ إلا صاحبُه ويقولُ الآخرُ: صدقتَ فيسمَعُه الناسُ وذلك فتنةٌ) وفي الرواية الثانية (أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ , فَيَقُولُ الدَّجَّالُ لِلنَّاسِ : أَلَسْتُ رَبَّكُمْ ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي وَأُمِيتُ ؟ فَيَقُولُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ : كَذَبْتَ , فَمَا سَمِعَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا صَاحِبُهُ , فَيَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ , فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ إِنَّمَا صَدَّقَ الدَّجَّالَ , فَذَلِكَ فِتْنَتُهُ) .. واقتران ذكر الفتنة بالملكين هاروت وماروت مما يرجح أن الملكين والنبيين في الحديث هما نفسهما هاروت وماروت .. خاصة وأنه في إحدى الروايتين ثبت لهما نسبتهما إلى الملائكة (مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيَّيْنِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ) وهذه النسبة إلى الملائكة صفة لا جنسا كما نسبت النسوة يوسف عليه السلام إلى الملائكة كناية عن عصمته وهو ليس من جنسهم إنما هو من جنس البشر .. وعليه فكلمة (يُشْبِهَانِ) تعتبر زيادة من الراوي خاصة وأنه لم يرد لها ذكر في الرواية الأولى
|
#3
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.من الملفت اقتران ذكر الفتنة بهاروت وماروت وبالملكين مع الدجال .. وقد نص القرآن صراحة وبإقرار الملكين على أنهما فتنة، فلم يذكرا أن علمهما هو الفتنة، قال تعالى: (وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة: 102]، وهذا يفهم منه أن الله عز وجل أرسل الملكين هاروت وماروت لفتنة الناس وامتحانهم .. مع ملاحظة أن ذكر الفتنة هنا مقترن بمن تعلم منهما العلم ما أنزل عليهما من علم فإن كان سحرة الجن تلقوا عن الملكين هذا العلم ثم أدخلوه في علم السحر فازداد السحر قوة .. فلا مانع على الإطلاق أن يكون المسيح الدجال قد تلقى عن الملكين هذا العلم وبه يأتي بالمخاريق بإذن الله تعالى فتنة للناس .. وهذا العلم هو ما يفسر سر القوة التي مع الدجال وبه يحيي الموتى بإذن الله ويأمر السماء أن تمطر فتمطر بإذن الله والأرض أن تنبت فنبت بإذن الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (... وإنَّ من فتنتِه أن يُسَلَّطَ على نفسٍ واحدةٍ فيَقْتُلُها ، يَنْشُرُها بالمِنْشارِ حتى تُلْقَى شِقَّيْنِ ، ثم يقولُ : انظُرُوا إلى عَبْدِي هذا ، فإني أَبْعَثُه ثم يَزْعُمُ أنَّ له ربًّا غيري ، فيبعثُه اللهُ ، ويقولُ له الخبيثُ : مَن ربُّك ؟ فيقولُ : رَبِّيَ اللهُ ، وأنت عَدُوُّ اللهِ ، أنت الدَّجَّالُ ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ . إنَّ من فتنتِه أن يأمرَ السماءَ أن تُمْطِرَ ، فتُمْطِرُ ، ويأمرَ الأرضَ أن تُنْبِتَ ، فتُنْبِتُ . وإنِّ من فتنتِه أن يَمُرِّ بالحيِّ فيُكَذِّبونه ، فلا يَبْقَى لهم سائمةٌ إلا هَلَكَت . وإنَّ من فتنتِه أن يَمُرَّ بالحيِّ ، فيُصَدِّقونه ، فيأمرُ السماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرُ ، ويأمرُ الأرضَ أن تُنْبِتَ فتُنْبِتُ ، حتى تَرُوحَ مَواشِيهِم من يومِهِم ذلك أَسْمَنَ ما كانت ، وأَعْظَمَه ، وأَمَدَّه خَواصِرَ وأَدَرَّهُ ضُروعًا ...) الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح فالدجال هنا يدجل على الناس دينهم .. فيزعم أنه يبعث الموتى والحقيقة التي يخفيها أن الله هو من يبعث الموتى .. فقدر الله تبارك وتعالى فتنة الناس بأن يبعث الموتى على يد الدجال وهو كافر .. وكذلك قدر للملكين فتنة للناس .. وكذلك قدر لقارون ثروة عظيمة فتنة له وفتنة لأهل زومانه .. فلا يفوتنا أن الله تعالى آتى (قارون) المال فتنة له ولأهل زمانه، قال تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص: 79، 80] فأنكر قارون فضل الله تبارك وتعالى عليه ونسب العلم لنفسه، قال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص: 78]، ولو كان ماله جاء بعلم محرم لترتب على ذلك حرمة ماله، ولو كان ماله حراما لما طالبه الله تعالى أن يبتغي به الدار الآخرة، لقوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ) [القصص: 77]، فالحرام لا ينال به الجنة، مما يؤكد أنه كان يحمل علما ربانيا وبه أتاه الله كل هذه الثروة الطائلة فكان عاقبة كفره كما قال تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص:81، 82] ولقد امتحن الله تبارك وتعالى نبيه سليمان عليه السلام بالذي عنده علم من الكتاب، ليبلوه أيشكر أم يكفر فأحضر إليه عرش ملكة سبأ قبل أن يرتد إليه طرفه، فقال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40]، إذن فما يترتب على العلم من نتائج إنما هو فتنة وابتلاء للعباد .. وإن كانت فتنة الدجال في الشبهات والحجج التي يبثها على الناس .. فهذا دليل على أن موعد خروجه سيكون مقترنا بزمن يفيض فيه العلم فيضا بين الناس .. ولا أحسبه إلا زماننا الذي انفتح الناس على العلم وصار في متناول الكبير والصغير ولا يملك أحد حجبه عن أحد من خلال شبكة المعلومات قال صلى الله عليه وسلم: (.. غيرُ الدجالِ أخوفُني عليكم . إن يخرج ، وأنا فيكم ، فأنا حَجيجُه دونَكم . وإن يخرج ، ولستُ فيكم ، فامرؤ حجيجٌ نفسَه . واللهُ خليفتي على كلِّ مسلمٍ ..) الراوي: النواس بن سمعان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2937 خلاصة حكم المحدث: صحيح وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: (غيرُ الدجالِ أخوفُ على أُمَّتِي من الدجالِ ، الأئمةُ المُضلُّونَ) الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1989 خلاصة حكم المحدث: صحيح بمجموع طرقه والأئمة المضلون هم أعلم الناس ولكنهم فتنوا بعلمهم فسخروه تبعا لأهواءهم وفتنوا حتى حسبوا أنفسهم مؤمنين والحقية أنهم خلاف ما يحسبون .. والشاهد على أن علماء المسلمين وأئمتهم في زمن الدجال كفار ومنافقين ويحسبون أنفسهم مؤمنين فيتبعوه على ما يبثه من شبهات فلم ينفعهم علمهم هو قوله صلى الله عليه عنهم: (من سمِع بالدَّجَّالِ فلينْأَ عنه ، فواللهِ إنَّ الرَّجلَ ليأتيه وهو يحسَبُ أنَّه مؤمنٌ فيتبعُه ممَّا يبعثُ به من الشُّبهاتِ ، أو لما يُبعَثُ به من الشُّبهاتِ) الراوي: عمران بن الحصين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4319 خلاصة حكم المحدث: صحيح وخلاصة القول أن اقتران الملكين هاروت وماروت بالدجال هو فتنة له وللناس وابتلاءا لهم من الله عز وجل على ما حصلوه من انفتاح علمي ومعلوماتي .. وإن كان مع الدجال فليس نصرة له وإنما لتذكيره بأنهما فتنة ونهيا له عن المضي في كفره قال تعالى: (وَمَا يُعَلِمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة: 102]
|
#4
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.لا خلاف أن الفتنة الكبرى للدجال هي ما يبثه من شبهات .. فمن معه النصوص ويتبع الشرع فلن تروج عليه حجج الدجال وشبهات وسينجو بإذن الله تعالى من الوقوع في فتنته .. لكن ليس هذا ما يخشاه النبي عليه الصلاة والسلام وإنما يخشى عليهم الأئمة المضلون .. فإن كان علماء الأمة وأئمتها هم من سيتبعون الدجال فستمضي في الناس شبهاته كما مضت في أئمتهم وعلماءهم فيتبعونه تبعا للأئمة في ذلك .. لأن اعتقاد تلك الطائفة من الناس هي القول قول العلماء والفهم فهمهم ولن نفهم الدين كما فهموه فيسلمون عقولهم لمن يحسبونهم مؤمنين لكن بحسب النصوص فالدجال لن يواجه المسلمين فقط .. أضف إلى هذا أن ليس كل المسلمون متمسكون بنصوص الشرع إنما يغلب عليهم اتباع الهوى .. وعلى هذا فالمسلمون قلة يومئذ وعليه فلن يواجهوا الدجال وحده .. وإنما سيواجهوا أتباعه وأنصاره وهم الكثرة والأغلبية من الناس أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَرَ جَهْدًا يكونُ بينَ يَدَيِ الدجالِ فقالوا: أيُّ المالِ خيْرٌ يومئِذٍ؟ قال (غلامٌ شديدٌ يَسْقِي أهلَهُ الماءَ وأَمَّا الطعامُ فليس) قالوا فما طعامُ المؤمنينَ يومئذٍ؟ قال: (التسبيحُ والتكبيرُ والتهليلُ) قالَتْ عائِشَةٌ فأينَ العربُ يومئذٍ؟ قال: (العربُ يومئذٍ قليل) الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 7/338 خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح لا يجب أن نفهم السؤال وإجابته عن عدد العرب مسلميهم وكافريهم إنما السؤال وإجابته عن المسلمين من العرب .. فلا نصرة ستتحقق من الكافرين للمسلمين وهم لنا أعداءا .. ولا يجوز الاستنصار بهم على الدجال أو غيره .. وعليه فقوله (العربُ يومئذٍ قليل) أي المسلمون يومئذ قليل العدد .. بينما أتباع الدجال وأنصاره مسلحون منتشرون في كل مكان يتربصون بالمسلمين فمن وقع في أيديهم ساقوه إلى الدجال حيث نهاهم عن قتل أحد دونه .. والشاهد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (يخرجُ الدجالُ فيتوجَّه قِبَلَه رجلٌ من المؤمنينَ فتلقَّاه المسالحُ مسالحُ الدجالِ فيقولونَ له: أين تعمدُ ؟ فيقولُ: أعمدُ إلى هذا الذي خرج). قال: (فيقولون له: أو ما تُؤمنُ بربِّنا ؟ فيقولُ ما بربِّنا خفاءٌ. فيقولون: اقْتلوه! فيقولُ بعضُهم لبعضٍ: أليس قد نهاكم ربُّكم أن تقتلوا أحدًا دونه).قال: (فينطلقون به إلى الدجالِ فإذا رآه المؤمنُ قال: يا أيُّها الناسُ ! هذا الدجالُ الذي ذكر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ). قال: (فيأمرُ الدجالُ به فيشبحُ فيقولُ: خذوه وشُجُّوه فيُوسعُ ظهرَه وبطنَه ضربًا). قال: (فيقولُ: أو ما تؤمنُ بي ؟). قال: (فيقولُ: أنت المسيحُ الكذَّابُ). قال: (فيُؤمرُ به فيُؤشرُ بالمئشارِ من مفرقِه حتى يفرقَ بين رجلَيْه). قال: (ثم يمشي الدجالُ بين القطعتينِ. ثم يقولُ له: قمْ فيستوي قائمًا). قال: (ثم يقولُ له: أتؤمنُ بي ؟ فيقولُ: ما ازددتُ فيك إلا بصيرةً). قال: (ثم يقولُ: يا أيُّها الناسُ ! إنه لا يفعل بعدي بأحدٍ من الناسِ). قال: (فيأخذُه الدجالُ لِيذبحُه فيجعلُ ما بين رقبتِه إلى ترقوتِه نُحاسًا فلا يستطيعُ إليه سبيلًا قال: فيأخذُ بيديْه ورجلَيْه فيقذفُ به فيحسبُ الناسُ أنما قذفه إلى النارِ وإنما أُلقيَ في الجنةِ).فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (هذا أعظمُ الناسِ شهادةً عندَ ربِّ العالمينَ). الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2938 خلاصة حكم المحدث: صحيح فإن كان الدجال سيفتن المسلمين وأئمتهم بشبهاته فإنه سيفتن المنافقين والكافرين بخوارق الأمور يجريها الله عز وجل على يديه فتنة للناس وكشفا لما في قلوبهم من كفر ونفاق فمن آمن منهم بالدجال فلا تقبل له توبة كما أنه لا تقبل توبة من كذب الدابة أو من طلعت عليهم الشمس من مغربها (ثلاثٌ إذا خَرَجنَ ، لا يَنفَعُ نفسًا إيمانُها لم تكُنْ آمنَتْ من قبلُ أو كَسَبَتْ في إيمانِها خيرًا : طُلوعُ الشمسِ من مَغرِبِها . والدَّجَّالُ . ودابةُ الأرضِ). الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 158 خلاصة حكم المحدث: صحيح فمن أين للدجال بتلك القدرات العجيبة؟ وكيف توصل إلى هذا العلم؟ إن خوارق العادات كإحياء الموتى وشفاء المرضى هي آيات يجريها الله عز وجل على أيدي من يختارهم من عباده من الأنبياء والمرسلين تأيدا لهم وإقامة للحجة على معاصريهم من الناس .. لكن شياطين الجن بما لديهم من قدرات اختصهم بها وتفردوا بها عن البشر فإنهم يملكون القدرة على الإتيان بعجائب الأمور مما يعجز عنه البشر لقزله تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) [النمل: 38، 39] فنبي الله سليمان عليه السلام يعجز بقدراته كبشر على الإتيان بعرشها ونقله من مكان إلى مكان .. بينما عفريت من الجن قدر على هذا وبسرعة فائقة .. فإن كان الله عز وجل أيد سليمان عليه السلام بجنوده من الجن المسلمين وسخر له الشياطين .. وهذا آية من الله عز وجل تختلف كل الاختلاف عن السحر فوارق العادات: هي الفروق الفردية في القدرات .. فقدرات إنسان قد تزيد أو تقل عن شهص آخر .. فالرجل له فارق في القدرة الجسدية على المرأة مثلا فوائق العادات: هي خصائص القدرات التي يتفرد بها كل جنس عن الآخر .. فالجن تتفرد بقدرات تزيد على قدرات الإنس كقدرتهم على الوسوسة والتخفي والتجسد مثلا خوارق العادات: هي ما اختص الله تبارك وتعالى به نفسه من قدرات دون خلقه .. فهو القادر على الخلق من عدم وعلى إحياء الموتى وهذا لا يقدر عليه أحد من خلقه فيمكننا القول بأن السحر ما هو إلا الاستعانة بالجن باستغلال قدراتهم الفائقة لإنجاز ما يعجز البشر عن الإتيان به .. فما يأتي به السحر هو مجرد فوائق العادات وهو خلاف خوارق العادات .. فما فوق العادات قد يكون معتادا لمن يفوقنا قوة كالجن .. أما خوارق العادات فهي كل ما يخرق عادات المخلوقات واختص الله عز وجل به نفسه كإحياء الموتى على سبيل المثال .. لكننا في واقع الأمر سنجد أن الدجال يأتي بخوارق للعادات وليس بمجرد فوائق فقط .. وهذا هو ما سيفتن الناس به فيتبعونه إن اختص الله عز وجل خوارق العادات بأنبياءه ومرسليه فهناك استثناءات من تلك الخوارق يجريها على يد آخرين كالصالحين من عباده وأولياءه وهذه تسمى كرامات .. بينما من يتأمل النصوص سيجد أن الله عز وجل قد يجري بعض الخوارق على أيدي الكافرين وأعداءه وهذه تسمى فتن لقوله تعالى: (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) [طه: 85] فكان لدى السامري من العلم ما لم يكن لبني إسرائيل (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه: 95، 96] هنا كان لدى السامري القدرة على رؤية (الرَّسُولِ) أي أنه كان يرى الملائكة .. وهذه من فوائق العادات التي اختص الله عز وجل بها رسله خاصة والجن عامة .. فلم يكن السامري بالرجل الصالح حتى يمكنه الله عز وجل من رؤية الملائكة وقد فتن بني إسرائيل (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) [طه: 88] أي أعد وجهز لهم (عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) أي أنه كان عجل حقيقي ذو جسد وخوار وهذا نفي من الله عز وجل أن يكون صنع لهم تمثالا من ذهب .. لذلك قال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) [طه: 97] .. فالذهب من المعادن يصهر ولا يحرق كما يمكن حرق العجل لإثبات أنه مخلوق لا يملك درأ الذبح والحرق عن نفسه مما يؤكد أنه كان عجلا حقيقيا وينفي أنه تمثال كما ورد في الإسرائيليات ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (.. وانصرف إلى السامري ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت لها ، وعمت عليكم فقذفتها وكذلك سولت لي نفسي قال : فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك إلى قوله : نسفا ، ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك منه ، فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون عليه السلام ..). الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم: 6/234 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
|
#5
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.إن كانت الشياطين تلقت علم هاروت وماروت وهما من ملائكة الجن وأنبياءهم بحسب ما استنبطناه مسبقا فإن الآية الكريمة لم تحدد إن كان الجن فقط هم من تلقوا عنهما هذا العلم أم الآية تشمل الثقلين الإنس والجن .. لكن من يتأمل قوله تعالى: (الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) [البقرة: 102] سيجد أن الشياطين علموا البشر [علم السحر] وهو علم كفر محض و[العلم المنزل على هاروت وماروت] وهو علم رباني يجري الله عز وجل به الخوارق والمعجزات .. فاجتماع العلمين معا يكسب السحر قوة لا يستطيع مخلوق دفعها إلا أن يدفعها الله تبارك وتعالى .. فالسحر الذي يجمع بين هذين العلمين يستعصى على البشر علاجه إلا أن يكون رسول يوحى إليه من الله تعالى ويؤيده بآية منه تمكنه من التعامل مع هذا السحر بينما قوله (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) لم يرد بعده تخصيص إن كانا يعلمان أحد من الإنس أو الجن .. ولكن قوله قبلها (الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) يشير إلى أن الشياطين يتلقون العلم عن الملكين ثم يلقنونه من شاؤوا من البشر .. فعلم بهذه المكانة الرفيعة محال أن تسمح الشياطين بوصوله لعامة سحرة البشر وإنما لخاصة الخواص ممن يستطيع الشيطان من خلالهم إضلال أكبر عدد ممكن من البشر .. والدجال على قمة أهل الضلال والإضلال فهو أولى السحرة بتلقي هذا العلم من خلال الشياطين لأنه بهذا يخدم مصالح إبليس في عالم الإنس .. وهذا يرجح كفة أن الدجال صنيعة إبليس عليه لعائن الله وهذا وعيد قطعه على نفسه لقوله تعالى: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 62] .. فإن كان إبليس على قمة من أضلوا البشر من الجن فإن الدجال على قمة من أضلوا البشر من الإنس قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت: 29] فقال (الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) واللفظ هنا على التثنية أي أن أحدهما أضلهم من الجن بينما الآخر أضلهم من الإنس وليسمعلوم أحد من الإنس أعظم فتنة من الدجال لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من خَلقِ آدمَ إلى قيامِ السَّاعةِ فتنةٌ أعظمُ منَ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ) الراوي: - المحدث: ابن تيمية - المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 14/28 خلاصة حكم المحدث: صحيح نخلص من هذا إمكان تسريب شياطين الجن علم هاروت وماروت مقترنا بعلم السحر لمن شاؤوا من البشر .. فهذا أمر غير مستبعد بالمرة .. وعليه فهم ينتخبون من سحرة الإنس من يحققون من خلالهم فتنة البشر وإضلالهم .. فمحال أن يحصل إنسان على هذا العلم من الشياطين بدون توافق مشترك في المصالح فهدفهما موحد وهو إضلال البشر .. لذلك فمن المرجح وجود تحالف ضمني بين إبليس والمسيح الدجال إلا أن إبليس هو المتسيد للموقف والحاكم له وليس الدجال طالما أن الدجال تلقى العلم عن إبليس وجنوده فهو أدنى قوة من إبليس ولا شك في هذا لكننا نقف أمام مسألة غاية في الأهمية .. هل علم هاروت وماروت قاصر تلقيه على الجن فقط؟ طالما أنهما يعلمان الجن بعمومهم فمنهم من يزداد إيمانا ومنهم من يكفر .. فقوله تعالى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) والذي لم يعقبه تخصيص هل يلزم منه إمكان تعلم الصالحين من البشر من علم الملكين؟ وهل أي إنسان صالح يمكنه التواصل مع الملكين وهما من الجن؟ وهل أحد من الصالحين قبلنا وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين تلقى عنهما من علمهما؟ هذه مسألة مهمة وبحاجة إلى بحث .. ولكن لما أردا سليمان عليه السلام نقل عرش ملكة سبأ قضى له الذي عنده علم من الكتاب حاجته قبل أن يرتد إليه طرفه قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل: 38؛ 40] .. والراجح لدي بحسب ظاهر النص أنه رجل من الجن ولا يمكن أن يكون بشر .. بل هو عفريت آخر من الجن خلاف الأول .. حيث لا تفيد الآية المغايرة فبدأ بقوله (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) ومنعا لتكرار (عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) جاء بكلمة (الَّذِي) لفظ اختصار للدلالة على مفرد مذكر قد تم ذكره في جملة كلام سابق .. ثم ذكر عز وجل ما يميزه عن سائر العفاريت من الجن فقال: (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) .. فإن كان من الجن فإنه إما تلقى علم الكتاب عن أنبياء الجن .. فلا يمتنع أن يكون من العلم الذي أنزل على الملكين هاروت وماروت .. ولا مانع أن يكون هو نفسه نبي كريم من أنبياء الجن عليهم السلام وهذه مسألة تستحق البحث وبجدارة .. لأنها تلقي الضوء على مسألة غاية في الأهمية إن كان الدجال كان من صالحي الإنس ففسق عن أمر ربه فأصبح من الخاسرين .. كما نوه القرآن الكريم على أن (إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف: 50] .. وهل التقى الدجال في فترة صلاحه بهاروت وماروت وتلقى من علمهما ثم فتن فكفر؟ أم تلقاه عن طريق شياطين الجن؟ الإجابة عن هذه التساؤلات ستحل لغزا حير الكثيرين حول شخصية الدجال ومن يكون .. فإن كان متوجدا في كل العصور السابقة فهو إنسي من المنظرين ورجل معمر .. خاصة وأن كل الأنبياء حذروا منه بداية من نوح عليه السلام فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الناسِ فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه . ثم ذكر الدجالَ فقال: (إني لأُنذرُكموه . ما من نبيٍّ إلا وقد أنذره قومَه . لقد أنذره نوحٌ قومَه . ولكن أقولُ لكم فيه قولًا لم يقلْه نبيٌّ لقومِه . تعلموا أنه أعورُ . وأنَّ اللهَ تبارك وتعالى ليس بأعورَ). الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 169 خلاصة حكم المحدث: صحيح إذن فالدجال كان متواجدا وحي يرزق في زمن نوح عليه السلام .. بل كان متواجدا من قبل ذلك منذ خلق آدم عليه السلام لقوله صلى الله عليه وسلم (ما من خَلقِ آدمَ إلى قيامِ السَّاعةِ فتنةٌ أعظمُ منَ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ) فقوله (ما من خَلقِ آدمَ) يحدد بداية ظهور الدجال مما يؤكد أنه كان متواجدا في عصره ولا زال منظرا إلى يوم يقتل .. ولم يكن أحد قد عصى الله عز وجل وارتكب ثاني معصية بعد معصية آدم إلا أحدابني آدم عندما قتل أخاه .. فالراجح أن الدجال هو القاتل من ابني آدم عليه السلام قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة: 27؛ 31] فابن آدم كان يعمل صالحا ولكنه لم يكن من المتقين فلم يتقبل الله عز وجل منه .. لذلك قال له أخوه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .. فإن كان الندم شرط من شروط التوبة ولا تتحقق إلا به إلا أن ذكر الندم وحده لا يلزم منه تحقق التوبة .. وعليه لم يثبت الله عز وجل له توبة أي أنه لا يزال مصرا على معصيته .. فلو تاب لتاب الله عليه ولما حمل وزر كل نفس تقتل ظلما من بعده لأنه أول من سن القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقتلُ نفسٌ ظلمًا ، إلا كان على ابنِ آدمَ الأوَّلِ كِفلٌ من دمِها ، لأنه أولُ من سنَّ القتلَ) الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3335 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] قد يحسب البعض أني أغلو في أمر السحر وأرفع من شأنه .. حاشى وكلا .. بل على العكس تماما من هذا السحر أدنى من هذا ولكننا كبشر بعلمنا لنا حدود لا نملك تجاوزها بحال من الأحوال .. إن كان السحر سيبطله الله تبارك وتعالى فإنه أنزل العلم وسخر الأسباب لإبطاله فكانت عصا موسى على سبيل المثال وسيلة من وسائل إبطال السحر وعمل المعجزات فكانت آية من الله عز وجل تتوارث الأجيال قصتها جيلا تلو جيل .. فالبشر تتفاوت مؤهلاتهم العلمية في التعامل مع السحر وإبطاله .. أما المرسلون من الله فمؤيدون بآيات من الله عز وجل تقابل الآيات التي يؤديها علم هاروت وماروت بإذن الله .. لكن الله عز وجل يمتن على من يشاء من رسله ويختص بعضهم بما لم يختص به غيرهم لقوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) [البقرة: 253] .. لذلك لو شاء الله عز وجل لاختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الفضل لشرفه وعلو منزلته ولقضى به على هذا النوع من السحر .. ولكنها مشيئته عز وجل يقسم الفضل كيفما شاء فلا راد لأمره ولا معقب على حكمه .. فلكل زمن أهله وأحداثه وفتنه فيقدر الله لهذه الفتن من يدرأها بإذن الله ومشيئته وفتنة الدجال لعامة البشر تعتمد على السحر المقترن بالعلم الرباني المعجز علم هاروت وماروت .. وإلا ما إذن الله أن يحيي الموتى على يدي الدجال ثم يزعم الكذاب أنه هو من فعل هذا .. وإن أعياه إحياء الموتى فلم يقدر الله عز وجل له هذا تجسدت الشياطين للناس في صور الأموات فيرونهم رأي العين فيحسبونه أحيى الموتى وهم لا زالوا أموات (.. إنَّ من فتنتِه أن يقولَ للأعرابيِّ : أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك ؟ فيقولُ : نعم ، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه ، فيقولانِ : يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ ، فإنه ربُّك ، وإنَّ من فتنتِه أن يُسَلَّطَ على نفسٍ واحدةٍ فيَقْتُلُها ، يَنْشُرُها بالمِنْشارِ حتى تُلْقَى شِقَّيْنِ ، ثم يقولُ : انظُرُوا إلى عَبْدِي هذا ، فإني أَبْعَثُه ثم يَزْعُمُ أنَّ له ربًّا غيري ، فيبعثُه اللهُ ، ويقولُ له الخبيثُ : مَن ربُّك ؟ فيقولُ : رَبِّيَ اللهُ ، وأنت عَدُوُّ اللهِ ، أنت الدَّجَّالُ ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ .. ). الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح ففي تمثل الشياطين اعتمد الدجال على سحره .. بينما في إحياء الرجل وبعثه محال أن يكون اعتمد على سحره لقول النبي عليه الصلاة والسلام (فيبعثُه اللهُ) أي أن السحر ليسله دور في بعثه .. فمحال للدجال أن يعد بإحياءه ثم يحييه الله عز وجل إلا أن معه علم يمكنه بإذن الله تعالى من الوفاء بوعده .. ولا أحسبه إلا أنه علم هاروت وماروت .. هما الملكين أو النبيين الذين معه لذلك لن يستطيع بشري التصدي لفتنة الدجال مهما أوتي من علم في التعامل مع السحر وإبطاله .. لأن الوحي الذي يساء استخدامه يلزمه وحي مضاد له من الله عز وجل .. فعلم هاروت وماروت منزل من الله عز وجل وبه يأتي السحرة بخوارق للعادات وهي من الله لا من سحرهم فيلبسون على الناس كما يفعل الدجال .. وهذا يلزم منه نزول علم آخر مضاد لمن يسيء استخدام علمهما في السحر .. ونزول هذا العلم المضاد يلزم منه وجود رسول يتلقى الوحي من ربه تبارك وتعالى ويتصدى لهذا الصنف من السحر .. فيؤيد الله عز وجل هذا الرسول بآيات منه تبطل ما يصنعه الدجال حقيقة لم يخبرنا القرآن الكريم عن مبعوث بعد خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام يخرجه الله إلا الدابة عليها السلام .. وقد أشارت السنة أن معها خاتم سليمان وعصا موسى عليهما السلام .. ولا أعتقد أن النصوص تقصد عين الخاتم أو العصا الذي كانا معهما .. وإنما المقصود أنه خاتم مماثل لخاتم سليمان عليه السلام وعصا يجري الله بها الآيات كما أجراها بعصى موسى عليه السلام .. وهذا هو الصواب .. فمن البديهي اختلاف حجم البشر في زمن موسى عليه السلام عن زماننا وبالتالي فحجم عصاه لن يقدر أحد أهل زماننا على رفعها فضلا عن حملها .. وإنما تتخذ الدابة لها عصا تفعل بها ما كانت تفعله عصا موسى عليه السلام .. لذلك فالأرجح والأصوب أن تتصدى الدابة للدجال عليه لعائن الله .. ولو كان حقا صاحبه عيسة بن مريم لتصدى له إبام حياته ولما وقعت الفتنة وعبده النصارى من دون الله تبارك وتعالى (تَخرجُ الدَّابَّةُ ومعها عَصَا موسَى علَيهِ السَّلامُ، وَخاتَمُ سُلَيْمانَ عليهِ السَّلامُ، فَتَخْطِمُ الكافِرَ قال عفَّانُ: أَنْفَ الكافِرِ - بالخاتَمِ، وَتَجْلُو وجهَ المؤْمنِ بِالعَصا، حتَّى إنَّ أهلَ الخِوانِ لَيَجْتَمِعُون على خِوانِهم، فيقولُ هَذا: يا مؤمِنُ، ويقولُ هَذا: يا كافِرُ) الراوي: أبو هريرة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 15/80 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
|
#6
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.إن نصوص السنة التي ذكر فيها أن الدجال حي يرزق وأنه محبوس في جزيرة وكان هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ونفس النصوص تؤكد أنه سيخرج آخر الزمان .. فهذا يلزم منه أن الدجال إنسان معمر بلغ من العمر أرذله .. وهذا يعني أنه [بشر منظر] إلى أجل مقدر فهو ليس [بشر مخلد] طالما أن مصيره إلى الموت لا محاله .. فقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء: 34] ينفي الخلود عن أحد من البشر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ونفس القاعدة تسري على من بعده من البشر .. فقوله (لِبَشَرٍ) كلمة جاءت نكرة أي وما جعلنا لأحد من البشر من قبلك الخلد .. فلا استثناء لأحد من الموت .. فالكل سيموتون مهما طالت آجالهم وامتدت أعمارهم لقولهم تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر: 30] فلا يصح حمل معنى الآية هنا على إثبات وفاة كل من كانوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بدليل هناك من ولدوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنوات وعمروا من بعده بسنين طوال إلى أن ماتوا وقضوا نحبهم ... لأن الخلد معناه انتفاء الموت تماما وليس معناه الإنظار بمعنى تأخير الأجل .. فشتان بين معنى الإنظار وهو الإمهال وتأخير الأجل إلى زمن مهما طال فنهاية المنظر الموت .. وبين الخلد الذي يمتنع معه الموت تماما مهما طالت الأعمار وامتدت بهم السنين .. فالكل ميت مهما طالت أعمارهم ومهما أجلت آجالهم فمعنى الخلود في لسان العرب "الخُلْد: دوام البقاء في دار لا يخرج منها. خَلَدَ يَخْلُدُ خُلْداً وخُلوداً: بقي وأَقام. ودار الخُلْد: الآخرة لبقاءِ أَهلها فيها." وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا صارَ أَهلُ الجنَّةِ إلى الجنَّةِ وأَهلُ النَّارِ إلى النَّارِ جيءَ بالموتِ حتَّى يُجعَلَ بينَ الجنَّةِ والنَّارِ ثمَّ يذبَحَ ثمَّ ينادي منادٍ يا أَهلَ الجنَّةِ خلودٌ بلا موتٍ ويا أَهلَ النَّارِ خلودٌ بِلا موتٍ فيزدادُ أَهلُ الجنَّةِ فرَحًا إلى فرَحِهم ويزدادُ أَهلُ النَّارِ حَزَنًا على حَزَنِهم) الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: أبو نعيم - المصدر: حلية الأولياء - الصفحة أو الرقم: 8/197 خلاصة حكم المحدث: صحيح متفق عليه [أي:بين العلماء] من حديث عمر بن محمد ومعنى الانظار في لسان العرب: "والنَّظِرَةُ، بكسر الظاء: التأْخير في الأَمر. وفي التنزيل العزيز: (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)، وقرأَ بعضهم: (فناظِرَةٌ)، كقوله عز وجل: (ليس لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)؛ أَي تكذيبٌ. ويقال: بِعْتُ فلاناً فأَنْظَرْتُه أَي أَمهلتُه، والاسم منه النَّظِرَةُ. وقال الليث: يقال اشتريته منه بِنَظِرَةٍ وإِنْظارٍ. وقوله تعالى: فَنَظِرَة إِلى مَيْسَرَةٍ؛ أَي إِنظارٌ. وفي الحديث: كنتُ أُبايِعُ الناس فكنتُ أُنْظِر المُعْسِرَ؛ الإِنظار: التأْخير والإِمهال. يقال: أَنْظَرْتُه أُنْظِره. ونَظَرَ الشيءَ: باعه بِنَظِرَة. وأَنْظَرَ الرجلَ: باع منه الشيء بِنَظِرَةٍ. واسْتَنْظَره: طلب منه النَّظرَةَ واسْتَمْهَلَه. ويقول أَحد الرجلين لصاحبه: بيْعٌ، فيقول: نِظْرٌ أَي أَنْظِرْني حتى أَشْتَرِيَ منك. وتَنَظَّرْه أَي انْتَظِرْهُ في مُهْلَةٍ. وفي حديث أَنس: نَظَرْنا النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، ذاتَ ليلة حتى كان شَطْرُ الليلِ. يقال: نَظَرتُهُ وانْتَظَرْتُه إِذا ارْتَقَبْتَ حضورَه. ويقال: نَظَارِ مثل قَطامِ كقولك: انْتَظِرْ، اسم وضع موضع الأَمر. وأَنْظَرَه: أَخَّرَهُ. وفي التنزيل العزيز: (قال أَنْظِرْني إِلى يوم يُبْعَثُونَ).". ا . هــ فنجد أن إبليس عليه لعائن الله من المنظرين لقوله تعالى: (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الأعراف: 14، 15] .. ولقوله تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر: 36؛ 38] وتكررت نفس الآية مرة أخرى في سورة [ص: 79؛81] .. فإبليس منظر أي أن الله أطال عمره وأخر أجله فأمهله ليس (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) كما طلب من ربه تبارك وتعالى .. فلم يجبه ربه إلى مطلبه وإنما أخره إلى قبل ذلك (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وقوله (الْمَعْلُومِ) يحمل على معنى أنه يوم (الْوَقْتِ) فيه معلوم مقداره ويختلف عن مقدار أيام الدهر كله .. فإذا تغير مقدار زمن اليوم عن المعتاد فهذا معناه اقتراب أجل إبليس ونهايته .. بمعنى أن اليوم يقدر زمنه باثنتي عشرة ساعة من شروق الشمس إلى مغربها .. فيكون مقدار هذا اليوم مخالف لسائر الأيام من الدهر كله .. وعليه فيوم موت إبليس يسبق يوم البعث أي يسبق القيامة الكبرى فلا يصح على وجه الإطلاق أن يحمل معنى قوله تعالى: (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) على أنه يوم القيامة وأنه معلوم وقته لأحد من الخلائق .. لأن هذا القول يتعارض كل التعارض مع قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 187] فهذا فهم يتضارب مع الثوابت القرآنية .. وعليه فهو قول مستبعد تماما وهذا مفروغ منه ولا يحتاج أدنى نقاش بالمره .. قوله تعالى (يَوْمِ) جاء نكرة غير معرف أي يوم من الأيام .. ثم خصص هذا اليوم عن غيره من سائر الأيام بـ (الْوَقْتِ) أي مقدار زمن اليوم .. كما في لسان العرب: "الوَقْتُ: مقدارٌ من الزمانِ، وكلُّ شيء قَدَّرْتَ له حِيناً، فهو مُؤَقَّتٌ، وكذلك ما قَدَّرْتَ غايتَه، فهو مُؤَقَتٌ.".. وجاءت صفة هذا التوقيت والزمان بقوله (الْمَعْلُومِ) أي أنه معلوم مقدار مدة هذا اليوم ومعروف حسابيا فكل يوم يقدر بمدة طلوع الشمس من مشرقها إلى غروبها كما في لسان العرب: "اليَوْمُ: معروفٌ مِقدارُه من طلوع الشمس إِلى غروبها".. فإنه إذا طلعت الشمس من مغربها تغيرت مدة زمن طلوع الشمس عن سائر أيام الدهر .. فيطول هذا اليوم بالناس ويمتد من وقت طلوع الشمس عليهم صباحا ينتظر الناس طلوعها ولم تطلع .. ويمتد بهم اليوم إلى أربع وعشرين ساعة بدلا من اثنتي عشرة ساعة حتى تطلع عليهم الشمس من مغربها بدلا من مشرقها .. بينما يمتد النهار بأقوام آخرين والشمس ساطعة حتى تبدأ في المغيب عنهم من حيث أشرقت .. وعليه فمقدار زمن هذا اليوم معلوم حسابيا لأي مخلوق بينما مجهول تماما متى يقع هذا اليوم لأنه من الغيبيات وعلى هذا يحمل معنى قوله تعالى: (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) من الثابت نصا أن إبليس عليه اللعنة يخاف الله لأن الله عز وجل شديد العقاب .. ولكنه لا يخشى معصية الله عز وجل .. فشتان بين الخوف من العقاب وبين الخشية من الوقوع في المعصية قال تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48] فالمجرم يخاف من عاقبة جرمه ولو خشي الله تعالى لما أقدم على جريمته .. لأن الخشية من الله عز وجل تعصم الإنسان من الوقوع في المعاصي .. فإن انتفت الخشية وقع الإنسان في المعصية ولا شك بحسب ما سبق وبيناه فقد ورد في السنة نصوص ضعيفة الإسناد ومتنها محل نظر تشير في جزء منها إلى أن إبليس منظر إلى يوم طلوع الشمس من مغربها .. وهو قول يوافق ما توصلنا إليه بالبحث مما يدعم تلك الجزئية من الروايات .. ون كان لا يؤكد صحة النص برمته الفتن لنعيم بن حماد » الفتن لنعيم بن حماد » بَابُ خُرُوجِ الدَّابَّةِ رقم الحديث: 1844 (حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( خُرُوجُ الدَّابَّةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فَإِذَا خَرَجَتْ قَتَلَتِ الدَّابَّةُ إِبْلِيسَ وَهُوَ سَاجِدٌ ، وَيَتَمَتَّعُ الْمُؤْمِنُونَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، لا يَتَمَنَّوْنَ شَيْئًا إِلا أُعْطُوهُ وَوَجَدُوهُ ، فَلا جَوْرَ ، وَلا ظُلْمَ ، وَقَدْ أَسْلَمَ الأَشْيَاءُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا ، وَالْمُؤْمِنُونَ طَوْعًا ، وَالْكُفَّارُ كَرْهًا ، وَالسَّبُعُ ، وَالطَّيْرُ كَرْهًا ، حَتَّى أَنَّ السَّبُعَ لا يُؤْذِي دَابَّةً وَلا طَيْرًا ، وَيُولَدُ الْمُؤْمِنُ فَلا يَمُوتُ حَتَّى يُتِمَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعْدَ خُرُوجِ دَابَّةِ الأَرْضِ ، ثُمَّ يَعُودُ فِيهِمُ الْمَوْتُ فَيَمْكُثُونَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُسْرِعُ الْمَوْتُ فِي الْمُؤْمِنِينِ فَلا يَبْقَى مُؤْمِنٌ ، فَيَقُولُ الْكَافِرُ : قَدْ كُنَّا مَرْعُوبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَلَيْسَ يُقْبَلُ مِنَّا تَوْبَةٌ ، فَمَا لَنَا لا نَتَهَارَجُ ؟ فَيَتَهَارَجُونَ فِي الطُّرُقِ تَهَارُجَ الْبَهَائِمِ ، يَقُومُ أَحَدُهُمْ بِأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ فَيَنْكِحُ وَسَطَ الطَّرِيقِ ، يَقُومُ عَنْهَا وَاحِدٌ وَيَنْزِلُ عَلَيْهَا آخَرُ ، لا يُنْكَرُ وَلا يُغَيَّرُ ، فَأَفْضَلُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ : لَوْ تَنَحَّيْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ كَانَ أَحْسَنَ ، فَيَكُونُونَ بِذَلِكَ حَتَّى لا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَوْلادِ النِّكَاحِ ، وَيَكُونُ جَمِيعُ أَهْلِ الأَرْضِ أَوْلادَ السِّفَاحِ ، فَيَمْكُثُونَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُعْقِمُ اللَّهُ أَرْحَامَ النِّسَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً ، فَلا تَلِدُ امْرَأَةٌ ، وَلا يَكُونُ فِي الأَرْضِ طِفْلٌ ، وَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ أَوْلادَ الزِّنَا شِرَارَ النَّاسِ ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ) . وفي المستدرك على الصحيحين » كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلاحِمِ رقم الحديث: 8691 (حديث مرفوع) أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (خُرُوجُ الدَّابَّةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا خَرَجَتْ لَطَمَتْ إِبْلِيسَ وَهُوَ سَاجِدٌ ، وَيَتَمَتَّعُ الْمُؤْمِنُونَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، لا يَتَمَنَّوْنَ شَيْئًا إِلا أُعْطُوهُ وَوَجَدُوهُ ، وَلا جَوْرَ وَلا ظُلْمَ ، وَقَدْ أَسْلَمَ الأَشْيَاءُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا ، حَتَّى إِنَّ السَّبْعَ لا يُؤْذِي دَابَّةً ، وَلا طَيْرًا ، وَيَلِدُ الْمُؤْمِنُ فَلا يَمُوتُ حَتَّى يُتِمَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعْدَ خُرُوجِ دَابَّةِ الأَرْضِ ، ثُمَّ يَعُودُ فِيهِمُ الْمَوْتُ ، فَيَمْكُثُونَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُسْرِعُ الْمَوْتُ فِي الْمُؤْمِنِينَ ، فَلا يَبْقَى مُؤْمِنٌ ، فَيَقُولُ الْكَافِرُ : قَدْ كُنَّا مَرْعُوبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَلَيْسَ تُقْبَلُ مِنَّا تَوْبَةٌ ، فَيَتَهَارَجُونَ فِي الطُّرُقِ تَهَارُجَ الْبَهَائِمِ ، ثُمَّ يَقُومُ أَحَدُهُمْ بِأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ فَيَنْكِحُهَا وَسَطَ الطَّرِيقِ ، يَقُومُ عَنْهَا وَاحِدٌ ، وَيَنْزُو عَلَيْهَا آخَرُ لا يُنْكِرُ وَلا يُغَيِّرُ ، فَأَفْضَلُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ : لَوْ تَنَحَّيْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ كَانَ أَحْسَنَ ، فَيَكُونُونَ كَذَلِكَ حَتَّى لا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَوْلادِ النِّكَاحِ ، وَيَكُونُ أَهْلُ الأَرْضِ أَوْلادَ السَّفَّاحِ ، فَيَمْكُثُونَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُعْقِرُ اللَّهُ أَرْحَامَ النِّسَاءَ ثَلاثِينَ سَنَةً ، لا تَلِدُ امْرَأَةٌ ، وَلا يَكُونُ فِي الأَرْضِ طِفْلٌ ، وَيَكُونُ كُلُّهُمْ أَوْلادُ الزِّنَا شِرَارُ النَّاسِ ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ) . مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ مِنْ أَعَزِّ الْبَصْرِيِّينَ ، وَأَوْلادِ التَّابِعِينَ ، إِلا أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ الْحُسَيْنِ مَجْهُولٌ . وفي المعجم الأوسط للطبراني » بَابُ الْأَلِفِ » مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ رقم الحديث: 94 (حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ ، قَالَ : نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ ، قَالَ : نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ ، قَالَ : نا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، يَخِرُّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي : إِلَهِي ، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ ، فَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ زَبَانِيَتُهُ ، فَيَقُولُونَ : يَا سَيِّدُهُمْ ، مَا هَذَا التَّضَرُّعُ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ ، ثُمَّ تَخْرُجُ دَابَّةُ الأَرْضِ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا ، فَأَوَّلُ خَطْوَةٍ تَضَعُهَا بِأَنْطَاكِيَّةَ ، ثُمَّ تَأْتِي إِبْلِيسَ فَتَلْطِمُهُ) . لا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِهِ : عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ .فالروايات الثلاث تشير إلى أن الوقت المعلوم هو يوم طلوع الشمس من مغربها .. فالرواية الأولى تشير إلى مقتل إبليس على يد الدابة بعد طلوع الشمس من مغربها: (خُرُوجُ الدَّابَّةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فَإِذَا خَرَجَتْ قَتَلَتِ الدَّابَّةُ إِبْلِيسَ وَهُوَ سَاجِدٌ)بينما في الرواية الثانية تشير إلى لطم الدابة لإبليس (خُرُوجُ الدَّابَّةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا خَرَجَتْ لَطَمَتْ إِبْلِيسَ وَهُوَ سَاجِدٌ) وهذا يوافق ما ورد في الرواية الثالثة التي تشير إلى لطم إبليس: (إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، يَخِرُّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا ... فَيَقُولُ : إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ ... ثُمَّ تَخْرُجُ دَابَّةُ الأَرْضِ ... ثُمَّ تَأْتِي إِبْلِيسَ فَتَلْطِمُهُ).. وبالجمع بين الروايات يتبين أن الدابة تلطم إبليس فتقتله.. وفي لسان العرب: "اللَّطْمُ: ضَرْبُك الخدَّ وصَفْحةَ الجسد ببَسْط اليد، وفي المحكم: بالكفّ مفتوحة، لَطَمَه يَلْطِمُه لَطْماً ولاطَمَه مُلاطَمةً ولِطاماً." ... من العسير على البشر قتل أحد بضربه على خده خاصة إن كانت امرأة .. لكن من الواضح أن الدابة عليها السلام يؤتيها الله عز وجل من القوة ما يمكنها من القتل بمجرد لطمة منها لعدوها وليس هذا فحسب بل يجيز الله عز وجل لها ما لم يجزه لغيرها من وسم الكافر بين عينية بخاتم يدل على كفره والضرب على الخد .. وكلا الأمرين نهي عنهما صراحة سأل رجلٌ النبيَّ فقال : يا رسولَ اللهِ ما حقُّ زوجةِ أحدنا عليه ؟ قال : (أن تُطعِمَها إذا طَعِمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضربُ الوجهَ ولا تُقَبحُِّ ولا تهجرُ إلا في البيتِ) الراوي: [معاوية القشيري] المحدث: الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 244 خلاصة حكم المحدث: صحيح أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مُرَّ عليْهِ بحمارٍ قد وُسِمَ في وجْهِهِ فقالَ: (أما بلغَكم أنِّي قد لعَنتُ من وسمَ البَهيمةَ في وجْهِها أو ضربَها في وجْهِها) فنَهى عن ذلِكَ الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 2564 خلاصة حكم المحدث: صحيح ورغم هذه النصوص التي تصرح بالنهي عن ضرب الوجه ووسمه إلا أن الله عز وجل اختص الدابة دون غيرها بضرب وجه الكافر ووسمه في وجهه بين عينيه أو على أنفه .. مما يؤكد قطعيا بأن الدابة يوحى إليها من الله أي أنها مرسلة منه عز وجل .. فهي متبعة للكتاب والسنة وليست صاحبة نبوة فلا تدعي أنه أنزل عليها كتاب جديد (تَخرجُ الدَّابَّةُ ومعها عَصَا موسَى علَيهِ السَّلامُ، وَخاتَمُ سُلَيْمانَ عليهِ السَّلامُ، فَتَخْطِمُ الكافِرَ) قال عفَّانُ: (أَنْفَ الكافِرِ - بالخاتَمِ، وَتَجْلُو وجهَ المؤْمنِ بِالعَصا، حتَّى إنَّ أهلَ الخِوانِ لَيَجْتَمِعُون على خِوانِهم، فيقولُ هَذا: يا مؤمِنُ، ويقولُ هَذا: يا كافِرُ). الراوي: أبو هريرة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 15/80 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
|
#7
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.إن صح الاجتهاد بأن هاروت وماروت من أنبياء الجن لقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) [الأنعام: 130] فالضمير في قوله (رُسُلٌ مِنْكُمْ) عائد على ما قبله وهم (مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) فهذا يلزم منه إرسال رسل من الجن إليهم كما أرسل الله للإنس رسلا منهم إليهم .. إلا أنه بخلق آدم عليه السلام صار ما يوحى إليه وإلى ورثته من الأنبياء ملزم للجن كذلك .. جنبا إلى جانب تشريعاتهم الخاصة .. فالجن دينهم الإسلام فمنهم المسلمون ومنهم الكافرون كما قالت الجن من قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) [الجن: 14] .. فالجن مخاطبون بما خوطب به الإنس من وحي وكتاب بدليل أن من الجن من اتبعوا الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام ثم اتبعوا القرآن الكريم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأحقاف: 29، 30] لكن القول بانقطاع وحي الله إلى أنبياءه من الجن بخلق آدم عليه السلام محل نظر .. خاصة وأن من الجن معمرون ومنظرون طويلة أعمارهم ممدودة آجالهم إلى ما شاء الله تبارك وتعالى .. فطالما أن أعمار الجن مديدة فأتوقع وبدون أدنى شك أن كثيرا من أنبياء الجن ورسلهم عليهم السلام من المنظرين قد اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمنوا به ونصروه وأيدوه وإن لم يرد لنا نص صريح بذلك إلا أن الثابت أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث للناس عامة .. بينما الأنبياء قبله كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة .. وكلمة الناس تشمل الإنس والجن ولا تخص أحدا منهما إلا بمخصص يقترن بالكلمة ليخرجها عن عمومها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : (أُعطيتُ خمسًا ، لم يُعطَهنَّ أحدٌ قَبلي : نُصِرتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شهرٍ ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا ، فأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْه الصلاةُ فلْيُصلِّ ، وأُحِلَّتْ لي المغانمُ ولم تَحِلَّ لأحدٍ قَبلي ، وأُعطيتُ الشفاعةَ ، وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومِه خاصةً ، وبُعِثتُ إلى الناسِ عامةً). وعليه فأنبياء الجن كانوا يرسلون إليهم خاصة حتى جاء رسول الله ثلى الله عليه وسلم فصار لزاما عليهم اتباعه .. لأن عمرَ بنَ الخطابِ أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكتابٍ أصابه من بعضِ أهلِ الكتابِ فقرأه على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: فغضب وقال: (أَمُتَهَوِّكون فيها يا ابنَ الخطابِ؟! والذي نفسي بيده لقد جئتُكم به بيضاءَ نقِيَّةً لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍّ فتكذبوا به أو بباطلٍ فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده لو أنَّ موسى كان حيًّا ما وَسِعَه إلا أن يَتَّبِعَني). الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 335 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: ابن كثير - المصدر: البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 2/122 خلاصة حكم المحدث: إسناده على شرط مسلم فلو أن أنبياء الجن ورسلهم معمرون ومنظرون فمن كان حيا منهم ما وسعه إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذا لا يسقط عن الجن تشريعاتهم وكتبهم التي أنزلت إليهم قياسا على أمر الله لأهل الكتاب بالاحتكام إلى كتبهم التي تلزمهم بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع ما أنزل عليه لقوله تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة: 47] .. وإلا لو أن كتب الأسبقين نسخت ما لزمنا الإيمان بها لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 136] .. خاصة وأن للجن تشريعاتهم التي تتوافق وطبائعهم التي خلقهم الله تبارك وتعالى عليها وهذا يلزمهم باتباع كتبهم إلى جانب إيمانهم بالقرآن الكريم إن الجن في حاجة دائمة إلى تجديد تشريعاتهم الخاصة بهم ولهذا فمن المستبعد انقطاع صلة السماء برسلهم المنظرين بشكل كامل .. هذا مع التزامهم بما أنزل على أنبياء البشر من وحي وكتب .. قد لا ينزل عليهم كتب بعد القرآن الكريم لأنه الكتاب الخاتم فلا كتاب بعده لكن من غير المستبعد نزول التوجيه الإلهي إليهم عبر رسلهم بحسب المستجدات والملمات .. فأنبايهم ومرسليهم لا تسقط عنهم هذه المنزلة ولا تنقطع صلة ربهم بهم بانتقال الوحي إلى آدم وذريته .. والشاهد على هذا أن للجن تشريعاتهم الخاصة بهم دون الإنس أنه قدمَ وفدُ الجنِّ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا: (يا محمَّدُ! انهَ أمَّتَكَ أن يستنجوا بعظمٍ أو رَوثةٍ أو حممةٍ، فإنَّ اللَّهَ تعالى جعلَ لنا فيها رزقًا) قالَ : فنهى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلكَ الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 39 خلاصة حكم المحدث: صحيح فعلى سبيل المثال سنجد أن للجن أطعمتهم الخاصة بهم كالعظم والروث والحممة [الفحم] .. وهذا نموذج فريد لبعض أطعمتهم المغايرة لأطعمتنا كبشر كما في النص وبالتالي لهم أحكامهم الخاصة بهم فمنها ما أحله الله لعز وجل لهم ومنها ما حرمه عليهم .. فالجن لهم في الفحم رزقا .. ولكنهم لا يأكلون الفحم في حد ذاته وإنما يتغذون على ما يتصاعد من الفحم من دخان .. وهذا الدخان ما هو إلا البخور .. فإن ذكر اسم الله عليه كان حلالا أم إن لم يذكر اسم الله كان حراما عليهم .. وهذا قياسا على ذكر اسم الله على العظام فيقع في أيديهم أو فر ما يكون لحما سألتُ علقمةَ : هل كان ابنُ مسعودٍ شهد مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةَ الجنِّ ؟ قال فقال علقمةُ : أنا سألتُ ابنَ مسعودٍ . فقلتُ : هل شهد أحدٌ منكم مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةَ الجنِّ ؟ قال : لا . ولكنا كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ . ففقدناه . فالتمسناه في الأوديةِ والشعابِ . فقلنا : استطير أو اغتيل . قال فبتنا بشرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ . فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراءَ . قال فقلنا : يا رسولَ اللهِ ! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ . فقال: (أتاني داعي الجنِّ . فذهبتُ معه . فقرأت عليهم القرآنَ) قال فانطلق بنا فأرانا آثارَهم وآثار نيرانَهم . وسألوه الزادَ . فقال: (لكم كل عظمٍ ذكر اسمُ اللهِ عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحمًا . وكلُّ بعرةٍ علفٌ لدوابِّكم). فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (فلا تستنجوا بهما فإنهما طعامُ إخوانِكم) . وفي رواية : إلى قوله : وآثارِ نيرانهم . ولم يذكر ما بعده. الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 450 خلاصة حكم المحدث: صحيح فهذا الحديث شاهد قوي على وجود أحكام شرعية خاصة بالجن .. حيث دار بين النبي عليه الصلاة والسلام والجن حوارا استمر ليلة كما تبين .. وإن كنا لا نملك نص حواره طيلة لتلك الليلة إلا أن النص شاهد قوي على وجود أحكام خاصة بالجن نجهلها ولا بد وأن أنبياءهم ورسلهم قد علموهم هذا وأن النبي عليه الصلاة والسلام أكد على تلك التشرعيات .. بدليل أنهم طلبوا منه أن ينهى أمته عن الاستنجاء فقالوا: (يا محمَّدُ! انهَ أمَّتَكَ أن يستنجوا بعظمٍ أو رَوثةٍ أو حممةٍ، فإنَّ اللَّهَ تعالى جعلَ لنا فيها رزقًا) مما دل على أن البي عليه الصلاة والسلام لم يكن يعلم مسبقا شيئا عن تلك الأطعمة من أطعمة الجن حتى أخبروه هم بهذا .. وهذا يؤكد وجود أحكام شرعية مسبقة نزلت عليهم بخصوصها والنبي عليه الصلاة والسلام أقر أحكامهم المسبقة كما لفت انتباهي في هذا النص طريقة مخاطبة الجن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد آمنوا به واتبعوه فيقولون: (يا محمد!) لم يخاطب أحد من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الصياغة إلا جبريل عليه السلام وهو رسول رسول الله من رب العالمين عن أنس ، قال : أتى جبريل محمدا صلوات الله عليه وسلم فقال : " يا محمد , ائت خديجة , فقل لها إن ربك يقرئك السلام ، وأقرئها يا محمد مني السلام ) فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : ( يا خديجة ! إن جبريل أتاني ، فقال : يا محمد , ائت خديجة ، فأخبرها أن ربها يقرئها السلام ، وأقرئها مني السلام " ، فقالت: الله السلام ، ومن الله السلام ، وعلى جبريل السلام . فيجوز للرسل مخاطبة بعضهم بعضا بأسماءهم وألقابهم بدون لفظ (يا رسول الله) (يا نبي الله) كأن يخاطب موسى هارون وكلاهما رسول رب العالمين فيقول (يَا هَارُونُ) من قوله تعالى: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه: 92، 93] وخاطب هارون موسى عليه السلام بقوله (ابْنَ أُمَّ) من قوله تعالى: (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 150] وهذا لا يجوز في حق غيرهم من البشر لقوله تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) [النور: 63] .. وبناءا على فمن المستبعد تماما أن من خاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلوم فقالوا له: (يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا). من الجن المتبعين وإنما كانوا من الجن المرسلين من ربهم عليهم الصلاة والسلام .. فلا يجوز لغير المرسلين مخاطبة بعضهم بعضا كمخاطبة سائر الناس.. ولهذا يستنبط من الحديث أن من كانوا يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من أنبياء الجن ومرسليهم عليهم الصلاة والسلام .. وأنهم أتوا لاتباعه .. أي أنهم منظرون ومعمرون إلى ما شاء الله تعالى وهذه التشريعات الخاصة بالجن سارية فيهم لا تغيرها التشريعات التي أنزلت على البشر فيما بعد خلق آدم عليه السلام .. وكذلك لا تناقض تشريعاتهم التشريعات التي أنزلت على البشر حيث صار الجن متبعون للأنبياء من الإنس لأنه من المسلملت أن شرع الله لا يناقض بعضه بعضا طالما أن مصدر الوحي واحد .. فالجن مخاطبون بتشريعات خاصة بهم تحكمهم وتنظم تعاملاتهم ومعيشتهم وفق خصائصهم كعالم مستقل عن البشر وبناءا على ما تقدم؛ فكما أن الله عز وجل أنزل على البشر علوما ومعارف تتناسب وطبيعتهم كإنس .. فكذلك اختص الله تبارك وتعالى الجن بعلوم خاصة بهم تتفق وخصائص قدراتهم فيستطيعون من خلال تلك العلوم الارتقاء بخصائص قدراتهم وتطويرها فيأتون بعجائب الأمور مما يعجز عنها اقرانهم من بني الجن .. وبذلك يمتلك من يتحصل على تلك العلوم قدرات تتفوق ليس على قدرات البشر فحسب وإنما تفوق قدرات الجن التي خلقوا عليها .. فكلما ازداد علم الجني ارتقى في القوة وتعالى على أقرانه من بني جنسه .. لذلك قال عز وجل لإبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75] .. إذن فالجن يعلو بعضهم على بعض بالعلم والقوة وهذا أمر بديهي ولكن قد يفتن الجني بفرط قوته تلك فيتعالى ويتكبر ويفسد قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [البقرة: 30] فهذه الآية تدل على أن الجن تعلم بوجود خلق كانوا قبل آدم عليه السلام أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء وإلا ما تيقنوا من إفساد من استخلفه الله من بعدهم بناءا على إفساد من سبقوه في عمران الآرض .. وبدون شك فالجن كانوا قبل آدم عليه السلام وإن لم تذكر الآية هذا صراحة .. وعدم التصريح في الآية بذكر الجن يسمح باحتمال أن يكون هناك خلق كانوا قبل البشر أفناهم الله عز وجل كما سوف يفنينا جميعا .. ثم خلق آدم عليه السلام ليخلفهم في الأرض ويعمرها .. ومما يجعلني أضع هذا الاحتمال وأرجحه أن الجن لم يعمروا الأرض فقط بل يعمرون الكواكب والمجرات التي تحيط بالأرض فلا يصح أن نحسبها خاوية من الخلق لقوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى: 29] فقوله (دَابَّةٍ) لفظ يشمل العاقل وغير العاقل ولا يصح مطلقا حصره على غير العاقل إلا بقرينة تخصص اللفظ وتحصره في العاقل أو غير العاقل .. فلا نظن أن هذا الكون الفسيح المترامي الأطراف لم يخلق إلا ليعمره البشر في مجرد كويكب صغير جدا وهو الأرض .. لذلك فتخصيص الأرض بالإفساد فيها وسفك الدماء مع عدم ذكر الجن ينفي تخصيصهم وحدهم بالإفساد وسفك الدماء .. مما يضع احتمال قائم بوجود خلق آخر خلاف الجن عمروا الأرض قبل خلق آدم عليه السلام فالإفساد في الأرض مقترن بكل متعالي في العلم والقوة .. كما تعالى فرعون من قبل وادعى الإلوهية (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4] .. فلقد قرن الله تبارك وتعالى بين تعالي فرعون (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) وبين سفك الدماء والقتل (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ) وبين الإفساد في الأرض (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) .. وقال تعالى: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83] فقد تكرر تعالي فرعون مرتين في كتاب الله تعالى فادعى الإلوهية كما قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38] كما ادعى الربوبية من قبل كما قال تعالى: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24] وإذا بحثنا عن السبب والدافع الذي جعل فرعون يفتن في نفسه إلى هذا الحد سنجد أنه ساحر وجند السحرة في خدمته بل وسخرهم له تسخيرا ليسحروا له بغير أجر .. أي أن فرعون تعلم السحر وبلغ درجة عالية في العلم لم يبلغها أحد في عصره وزمانه .. لذلك كانت الآيات مع موسى عليه السلام موجهة من باب أولى إلى فرعون خاصة وليس إلى ملئه عامة لقوله تعالى: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طه: 24] [النازعات: 17] .. ولقوله تعالى: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) [الذاريات: 38] .. ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود: 96، 97] بل لم يكن فرعون إلا كبير أكابر السحرة في زمانه وهما هامان وقارون ولذلك أرسل الله إليهم موسى خاصة وللسحرة عامة فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [غافر: 23، 24] .. ولهذا تسلط ثلاثتهم فرعون وهامان وقارون على أتباع موسى عليه السلام كما قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 25] .. وهؤلاء الثلاثة كانوا أكابر السحرة في زمانهم وهم خلاف علماء السحرة الذين أخضعوهم وسخروهم لخدمتهم (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) [الشعراء: 36، 37] (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الأعراف: 111؛ 113] والدليل على أن السحرة كانوا مسخرين لفرعون يعملون بغير أجر قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الشعراء: 41، 42] فسألوه الأجر إن كانوا هم الغالبين مما يؤكد على أن هذا كان خروجا عن عادتهم من العمل له بغير أجر ولم يكن فرعون وهامان وقارون وحدهم من فتنوا بني إسرائيل وتسلطوا عليهم .. وإنما كان هناك ساحر رابع ظهر في قصة بني إسرئيل بعد العبور وهو السامري قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) [طه: 85] .. والدليل أن السامري كان ساحرا أنه ذو كشف بصري فكان يبصر ما لا يبصره الآخرون فقال تعالى: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه: 96] فقال (بَصُرْتُ) ولم يقل (رأيت) وشتان ما بين الرؤية والإبصار.. فالرؤية تتم بواسطة العين أما الابصار فيتم من خلال المخ .. فالرؤية تحتاج إلى الضوء وآلة العين أما الإبصار فلا يزم له ضوء ولا عين .. فيمكن للنائم أن يبصر في منامه ما لا يبصره مستيقظا .. كما يمكن للمستيقظ أن يبصر ما لا يبصره غيره كحال السحرة والمصابين بالمس والسحر فيما عدا الأنبياء والمرسلين فيبصرون الملائكة دون غيرهم .. ومن المستبعد أن يكون الدجال رسولا من ربه وهو كافر فتان للناس .. فلا يمكن أن يكون إلا ساحر لكن هامان وقارون والسامري لم يدعوا ما ادعاه فرعون لنفسه من الألوهية والربوبية .. وإنما نسب السامري الألوهية للعجل (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) [طه: 97؛ 99] .. فأعد السامري عجلا حقيقيا وهيأه لبني إسرائيل وهذا هو مضمون الإخراج من قوله تعالى: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) فقوله (عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ) دل على أنه عجل حقيقي وليس تمثالا كما زعم أهل الكتاب في محرفاتهم .. فلو كان العجل تمثالا من ذهب لما قال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) [طه: 97] ولقال لنصهرنه لأن المعان تصهر إذا قربت للنار .. ولكنه قال (لَنُحَرِّقَنَّهُ) مخالفا ما ادعاه أهل الكتاب من تحريف وكذب وتضليل فكانت عاقبة فرعون وهامان أن أغرقهم الله تعالى في اليم لقوله: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 136] .. وأما قارون فكانت عاقبته أن خسف به وبداره الأرض لقوله تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص: 81] .. أما السامري فتم إرجاء عاقبته لقوله تعالى: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ) [طه: 97] لكننا نجد توافقا بين فرعون والدجال في ادعاء الإلوهية والعلو في الأرض وبين ممارسة السحر .. وإن كانت السور القرآنية مع استفاضتها في سرد تفاصيل قصة موسى عليه السلام وفرعون إلا أنها لم تطرق إلى ذكر تفاصيل مباشرة فرعون للسحر .. ولكن من البديهي أن تسخير فرعون للسحرة في خدمته يستحيل أن يتم ما لم يمتلك فرعون سحرا أقوى من أسحارهم جميعا بحيث يحكم قبضته عليهم به .. وإلا فما أسهل أن يسقط السحرة حكم فرعون وملكه بسحرهم خاصة وأنهم كانوا أعلم سحرة زمانهم لقوله تعالى: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الشعراء: 36؛ 38] .. وقد بلغ تسخير السحرة حد الإكراه قال تعالى: (إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 73] وهذا يؤكد على أن فرعون لم يصل إلى ملك مصر من قوله تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف: 51] ولم يتمكن من العلو في الأرض لقوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) [القصص: 4] ولقوله تعالى: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83] إلا بعلم في السحر يفوق علم سحرته وخدامه لذلك لما غلب السحرة سجدوا لله تبارك وتعالى لأنهم علموا يقينا حينها بوجود قوة إله أكبر من قوة سحر فرعون ولو قدر فرعون على مواجهة هذهالقوة العظيمة بسحرة لما استعان بهم على موسى عليه السلام فاشترطوا عليه الأجر إن كانوا هم الغالبين .. ولما رأوا أن ما مع موسى كانت آيات من الله تعالى وليست سحرا خروا لله سجدا والراجح لدي أن السحرة الأربعة [فرعون - هامان - قارون - السامري] ما بلغوا ما بلغوه من العلم في السحر وما امتلكوا قوتهم تلك إلا بحصولهم على مستويات متفاوتة من علوم السحر .. وأن سر قوة أسحارهم هو اقترانها بعلم هاروت وماروت مما سهل لهم الوصول إلى ما وصلوا إليه من مكانة رفيعة .. وهذا ما أكده قارون حين قيل له من قوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ) [القصص: 77] فأجاب في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص: 78] .. فلم ينفي الله تعالى ما ذكره قارون من حصوله على هذا المال بعلم أوتيه .. ولكن عقب تبارك وتعالى قائلا: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 78] .. فنفهم من هذا أن هناك سحرة أشد من قارون قوة وأكثر جمعا للمال .. وإن كان قارون قد حصل ماله هذا بعلم أوتيه فهناك من حصلوا علما أوسع من علمه في السحر .. وعلى هذا فليس كل من تعلموا علم هاروت وماروت متساوون في مستوى السحر وقوته .. ولكننا نرى أن أعظم السحرة قوة هو المسيح الدجال حين خروجه في آخر الزمان .. وهذا يحتاج إلى نظير للدجال يتصدى له لا يمتلك الآيات من الله عز وجل فقط .. حقيقة أن الآيات الربانية تتصدى للسحر ولكن بشكل مؤقت كما حدث مع موسى عليه السلام وسحرة فرعون وصارت قصتهم تتوارثها الأجيال فلم يتكرر هذا النموج إلا قليلا .. وإنما يجب على من سيتصدى للدجال أن يمتلك إلى جانب الآيات الربانية علما قويا يتصدى به لسحر الدجال فالعلم يهدمه علم مضاد له والعلم مستمر طيلة الزمان ينمو ويتطور ولا يقف عند حدود (ينزل ابن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرجع السلم ويتخذ السيوف مناجل ويذهب جمة كل ذات جمة . وينزل من السماء رزقها ، وتخرج من الأرض بركتها ، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره ، وترعى الغنم والذئب ولا يضرها ، ويرعى الأسد والبقر ولا يضرها) الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن كثير - المصدر: نهاية البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 1/169 خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد قوي صالح وإن كان متن الحديث محل نظر وخاصة مسألة نزول المسيح عيسى بن مريمعليهما السلام فأراه معتقد من الإسرائيليات قد سرب إلينا ويتعارض مع صريح النص القرآني ونصوص كثيرة من السنة ولكن هذا البحث ليس موضع نقاشه .. لكن الشاهد من النص قوله ( ... وينزل من السماء رزقها ، وتخرج من الأرض بركتها ، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره ، وترعى الغنم والذئب ولا يضرها ، ويرعى الأسد والبقر ولا يضرها) وكأن النص يشير إلى حبس الأرزاق في السماء وانتزاع البركة من الأرض فيخرج الله عز وجل كل ذلك من بعد منع .. وإن كان الدجال بسحره يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت بإذن الله .. فكذلك بسحره يسلب الناس ذلك فيصبحوا ممحلين (... قالَ: فيأتي القومَ فيدعوهُم فيستَجيبونَ لَهُ، ويؤمنونَ بِهِ، فيأمرُ السَّماءَ أن تُمْطِرَ فتُمْطِرَ، ويأمرُ الأرضَ أن تُنْبِتَ فتُنْبِتَ، وتَروحُ عليهم سارحتُهُم أطولَ ما كانت ذُرًى، وأسبغَهُ ضروعًا، وأمدَّهُ خواصرَ، ثمَّ يأتي القومَ فيدعوهم فيردُّونَ علَيهِ قولَهُ، فينصرِفُ عنهم فيُصبحونَ مُمحِلينَ، ما بأيديهم شيءٌ، ... ) الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح
|
#8
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي.إن الدجال بعلم السحر مدعوما بعلم الملكين هاروت وماروت ينزل المطر وبه ينبت الأرض وبه يمنع ذلك كله .. فكلها أعمال سحرية فيما يخيل للرائي أنه يرى الشيء وهو ليس كذلك في حقيقته .. فالسحر مهما بلغت قوته فإنه لا يغير من سنن الله تعالى ولا يستبدلها .. لأن السحر خاضع بالكامل لسنن الله تعالى ويسير وفقها .. فالساحر يحرك السحر وفق سنن كونية علم أسرارها بينما خفيت عن غيره .. والسحر مهما تحكمت فيه إرادة الساحر المخلوق فإنه لا يعارض إرادة الله تعالى ولا ينازعه خصوصياته .. فضرر السحر لا يقع إلا بإذن الله تعالى .. لأن هذا كله بيد الله عز وجل وحده مما اختص به نفسه فهو المحيي المميت منزل الغيث .. ثم يزعم الدجال كذبا أنها آيات تدل على ألوهيته .. لا عجب في كذبه وهو الأفاك الأثيم .. فيجب أن نتنبه إلى أن أسحار الدجال ليست كباقي الأسحار المتعارف عليها في العالم .. فلا سحر يقارن بسحر الدجال مهما عظم شأنه .. فعظمة سحر الدجال تتفق مع عظمة فتنته .. لذلك سيفوق سحره إنجازات العلوم البشرية بمراحل فائقة .. فبمقارنة بسيطة بين أعمال الدجال السحرية وبين العلوم التقنية المعاصرة فإن أصحاب العقول الهوائية سيزدادون يقينا من ألوهيته .. لأن عقولهم أصابها الغرور بالعلم وفتنوا به .. فإن جاءت إنجازات الدجال فخرقت كل العلوم المعاصرة لاستيقن الكثيرون من ألوهيته .. وهذا هو الفخ المدبر من خفاء وبإحكام فيجب أن نضع في اعتبارنا أن هناك علوم مدفونة تعرضت للإخفاء والتنحية على مدار عمر البشرية .. ولقد تعمدت جهات سيادية في العالم توارثت العمل على إخفاءها وملاحقة العلماء والتخلص منهم وتهميش إنجازاتهم العلمية .. حيث تم استبدالها بعلوم أخرى تسببت في إخضاع العالم كله لنظم اقتصادية وسياسية احتكارية .. فالنظام الربوي احتكر جميع المعاملات البشرية اليوم من خلال أوراق العملة التي لا تساوي قيمة الورق المطبوعة عليه .. وصارت الديمقراطية كنظام سياسي حكرا على الدول المتقدمة ومن يدور في فلكها من أذنابها .. مما عرض البشرية لعواقب وخيمة جراء تطبيقات تلك العلوم المعاصرة والتي نعاني منها اليوم أشد المعاناة من تغيرات في المناخ والطقس وتلوث للبيئة وظهور أمراض يشتبه أنها أمراض مصطنعة أو من عواقب الاعتماد على التقنيات الحديثة السلبيىة .. وتفشي تطبيقات كل تلك العلوم ما هي إلا خطوات تمهيدية لخروج الدجال وإخضاع العقل البشري لمفهوم تقني عصري يمكن تهميشه أمام أعمال الدجال السحرية فخصوصية سحر الدجال تكمن في توظيفه في شبه آيات ربانية ليدلس بها على أصحاب الأهواء ومسايرة منه لسفهاء العقول إرضاءا منه لغرورهم ليثبت لهم أنه إله .. وشبه الآيات أو الآيات الكاذبة يلزم دحضها بآيات ربانية صادقة حقيقية معجزة لا يملك علم السحر ولا علم هاروت وماروت ولا علوم الإنس والجن مجتمعة الإتيان بشيء منها مهما تيسرت الأسباب .. يجب أن لا نغفل عن حقيقة أن أعمال الدجال يتحدى بها الله عز وجل وليس الهدف منها خداع جماعة سفهاء العقول من البشر .. فحرب الدجال الحقيقية ليست معنا كبشر .. وإنما حرب الدجال هي حرب صريحة مع الله تبارك وتعالى .. فإن كان الدجال يسعى بشتى السبل ليثبت أحقيته في الألوهية والعبودية فإن الله تبارك وتعالى قادر بآية واحدة على هزيمة الدجال ودحضه ورغم أن الكون كله آيات تكذب الدجال إلا أن أعمال الدجال الكاذبة تحتاج في مقابلها إلى آيات صادقة خاصة لدحضها .. والآيات تحتاج إلى رسول يجريها الله عز وجل على يديه .. فيستمر الصراع بين الدجال وهذا الرسول منذ خروجه حتى مقتل الدجال .. فلا يعقل مطلقا أن يعيث الدجال بفتنته فسادا في الأرض ثم في نهاية المطاف ينزل المسيح عليه السلام ليقتله .. فالانتصار الحقيقي على الدجال ليس في قتله إنما في محاججته ووئد فتنته بآيات صادقة يجريها الله تعالى على يد رسول يبعثه لمواجهة فتنة الدجال .. ولا أرى هذا الرسول إلا الدابة المهدية عليها السلام فتحارب الدجال وتسوق الناس بعصاها من المفتونين بسحره فلا يجدون من بأسها ملاذا آمنا .. فالدابة عليها السلام تحارب السحر بعصاها كما حارب موسى عليه السلام السحر بعصاه (تَخرجُ الدَّابَّةُ ومعها عَصَا موسَى علَيهِ السَّلامُ، وَخاتَمُ سُلَيْمانَ عليهِ السَّلامُ، فَتَخْطِمُ الكافِرَ قال عفَّانُ: أَنْفَ الكافِرِ - بالخاتَمِ، وَتَجْلُو وجهَ المؤْمنِ بِالعَصا، حتَّى إنَّ أهلَ الخِوانِ لَيَجْتَمِعُون على خِوانِهم، فيقولُ هَذا: يا مؤمِنُ، ويقولُ هَذا: يا كافِرُ) الراوي: أبو هريرة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 15/80 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح ولا أرى حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه إلا نص محرف عن الدابة .. فهي المثبت في نصوص أخرى أنها صاحبة العصا تصنع بها الآيات والمعجزات .. ولكن التحريف في النص يشير إلى أن العصا لرجل وليست لامرأة .. فلا أحد من الرجال يقبل أن يختار الله امرأة عليهم .. واستخفاف بالمرأة جعلوا من الدابة بهيمة رغم أن صفاتها في الآية تشير إلى بشريتها وأنها امرأة وليست بهيمة ولا رجل عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ( لا تقومُ الساعةُ، حتى يَخرُجَ رجلٌ من قَحطانَ، يَسوقُ الناسَ بعَصاه ) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3517 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] إن آيات الله تبارك وتعالى خاضعة لعلمه عز وجل وعلمه معجز على الخلائق إدراكه والإحاطة به إلا بما شاء لقوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) [البقرة: 255] .. فعلم الله تبارك وتعالى [علم كوني] يقول للشيء كن فيكون قال تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل: 40] .. وإن آية واحدة من آياته لتطيش لها علوم الخلائق أجمعين وإن اجتمعت .. فلما ركب موسى مع الخضر عليهما السلام في السفينة (.. قال : ووقع عصفور على حرف السفينة ، فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى : ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله ، إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره .. ) الراوي: أبي بن كعب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4727 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] أما علم الخلائق فهو [علم إجرائي] يلزمه إعدادت وترتيبات .. فسحر الدجال يتم بعلم إجرائي فيعجز أن يقول للشيء كن فيكون .. بينما علم الله عز وجل خاضع لأمره فلا يحتاج إجراءات .. بدليل أنه قادر على تكرار الإحياء والإماتة عدة مرات قال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 104] .. وكذلك فالله تعالى قادر على أن يبدل جلود المعذبين في جهنم كلما نضجت يعيدها للحياة كما كانت قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 56].. وهذا لا يمكن لعلوم السحر ولا علم هاروت وماروت ولا علم الخلائق مجتمعين أن يأتوا به أبدا لأنها علوم إجرائية خاضعة للإعدادت والتجهيز والبحث والتجريب وعرضة للخطأ بين النظرية والتطبيق لذلك محال على العلم أن يعيد تكرار أي تطبيق عدة مرات متتالية .. فيمكن للعلم تصنيع سيارة مثلا .. ثم بالعلم يتم تحطيمها .. لكن بعد تحطيمها يستحيل على العلم إعادة تدويرها وإرجاعها إلى سيرتها الأولى نفس السيارة السابقة تماما .. لذلك قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) [طه: 17؛ 21] .. فبقدرة الله عز وجل وعلمه جعل العصا حية تسعى .. ثم بقدرته وعلمه أعادها إلى سيرتها الأولى .. كما أنه يأتي بالشمس من المشرق فهو قادر على أن يأتي بها من المغرب وسيحدث هذا حين يأذن الله عز وجل .. لكن علوم الخلائق كلها مجتمعة تعجز تماما عن فعل هذا أو مواكبة علم الله عز وجل لذلك يعجز الدجال عن الإتيان بآية حقيقية بدون إجراءات وإعدادات مسبقة ولو طلب منه أن يعيد تكراره نفس الآية لأخفق وفشل .. فهو يقتل رجلا ثم يحييه الله عز وجل فيزعم كذبا أنه من أحياه .. فيكفر به هذا الرجل ويشهد على أنه الدجال .. ثم يريد الدجال قتله مرة أخرى فلا يسلط عليه .. رغم أن إجراءات القتل ممكنة فهو عمل غير معجز مقارنة بالإحياء .. إلا أن الدجال سيعجز عن قتله مرة أخرى .. مما يفضح كذبه فعجزه عن الإحياء أولى من القتل .. مما يثبت أن الذي أحياه هو الله تبارك وتعالى وليس الدجال فيمنى بفضيحة نكراء تسود لها الوجوه حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا حديثًا طويلًا عنِ الدجالِ ، فكان فيما يُحَدِّثُنا به أنه قال: ( يأتي الدجالُ ، وهو مُحَرَّمٌ عليه أن يَدخُلَ نِقابَ المدينةِ ، فيَنزِلُ بعضُ السِّباخِ التي تلي المدينةَ ، فيَخرُجُ إليه يومئذٍ رجلٌ ، وهو خيرُ الناسِ ، أو من خيارِ الناسِ ، فيقولُ : أشهَدُ أنك الدجالُ الذي حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثَه ، فيقولُ الدجالُ : أرأيتُم إن قتَلتُ هذا ثم أحيَيتُه ، هل تَشُّكونَ في الأمرِ ؟ فيقولونَ : لا ، فيَقتُلُه ، ثم يُحيِيه ، فيقولُ : واللهِ ما كنتُ فيك أشدَّ بصيرةٍ مني اليومَ ، فيريدُ الدجالُ أن يقتُلَه فلا يُسَلَّطُ عليه ) . الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7132 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] إن فتنة السحر تأتي من إحساس الساحر بأنه قادر بعلمه السحري على فعل كل ما يريد .. فتتعاظم عليه نفسه فيستغني بحوله وقوته عن الله تعالى فيكفر .. ومن إحساس المسحور بالعجز وشكه أن الله عز وجل قادر على إبطاله فيترك الأخذ بالأسباب ويركن إلى اليأس .. فتتصاغر إليه نفسه فيفتر عن الاستعانة بالله عز وجل .. وهكذا يكون قد حقق الشيطان مراده من الساحر والمسحور .. فالسحر كما أنه يكسب الساحر قوة فإنه يسلب المسحور قوته .. وفي الحقيقة أن القوة المكتسبة من السحر تدمر الساحر وتقضي عليه ذاتيا .. لذلك فالسحر ضرر محض لا نفع فيه ولا خير منه يرتجى .. وهذه القاعدة رسخ القرآن الكريم قواعدها في قوله تعالى: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ) [البقرة: 102] .. وهذه حقيقة يعلمها كل ساحر وعلى رأسهم الدجال .. أما القوة المسلوبة من المسحور فقد انتزعت منه بقدر الله تبارك وتعالى وبمشيئته .. وما السحر إلا مجرد سبب لتحقيق مشيئة الله عز وجل لقوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102] فكلا من الساحر والمسحور تعرض عليه الشياطين فتنة السحر .. فالساحر تغريه الشياطين بعجائب السحر فإن فتن بها تعلمه وأفسد في الأرض .. فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه .. والشياطين تتسلط بالسحر على المسحور فإن فتن كفر بربه .. فمن فتن منهما فقد خسر خسرانا مبينا قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة: 102] .. ومن ثبت وصبر لم تضره فتنة السحر بإذن الله ما دامت السماوات والأرض قالَ حُذَيفةُ : سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقولُ (تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ) الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 144 خلاصة حكم المحدث: صحيح فمن الواضح أن فتنة السحر عرضت على الدجال فأشربها قلبه .. لذلك صار قلبه (أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ) .. وإن بلغ سحره من القوة فبإذن الله فالفتنة تزداد شدة بزيادة افتتان الساحر حتى إذا أخذه الله لم يفلته .. لذلك فمن المستبعد تماما تصور سحر الدجال بدون أن يكون مدعوما بعلم الملكين هاروت وماروت .. فعلمهما فتنة لمن تعلمه وقلبه يحمل خفايا الخبث .. قال تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) [البقرة: 102] ومن خبث قلبه لن يصبر على فتنة القوة التي يكتسبها من علم الملكين هاروت وماروت فيفسد في الأرض .. وهذا هو حال الدجال عليه لعائن الله كما أن العلم نعمة فإنه فتنة خاصة إذا تجاوز الإنسان حد الإحساس بالعجز وظن أنه قادر بعلمه على فعل ما يريد وهنا تبدأ نهايته .. حتى إذا بلغ الإنسان قمة الافتتان بقوته وعلمه أتاه أمر الله فيمحق حصاده .. قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس: 24] فإن كان من المتيسر جني ما زرعته بالأمس فلا تأمن على حصادك أن يدوم لغد .. لذلك أتوقع أن تكون نهاية الدجال وهو في أوج تعاليه وقمة سلطانه .. لتكون خاتمته آية مبهرة من الله عز وجل مخزية لأتباع الدجال ومعزة لأولياء الله تبارك وتعالى لذلك فإن نقطة ضعف الساحر تكمن في عجزه عن الحفاظ على مكتسباته السحرية .. أما الآيات الربانية فلها صفة الدوام إلى ما شاء الله فلا تغيرها المؤثرات .. لذلك فإن عصا موسى عليه السلام التهمت كل حبال وعصي السحرة فلما فشلوا في الحفاظ على مصنوعاتهم السحرية وعجزوا عن استعادة حبالهم عصيهم وفقدوا غطاءهم السحري خروا سجدا لله تعالى من حينهم لقوله تعالى: (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ* فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) [الشعراء: 44؛ 46] فنقطة ضعف المسيح الدجال أو أي ساحر هي عجزه عن الحفاظ على مكتسباته السحرية .. فهو يقتل الرجل الصالح ثم يحييه الله عز وجل ثم يريد قتله مرة أخرى فلا يمكن من ذلك .. بل وفي رواية صححها العلماء يقول صلى الله عليه وسلم ( .. ثم لا يسلط على غيرها .. ) أي أن الدجال سيمنعه الله عز وجل من أن يسلط بعد عجزه عن إعادة قتل هذا الرجل من قتل أي نفس أخرى بعد ذلك .. فما أقدر عليه الدجال بسحره من قبل سيعجز عن تكراره من بعد وهذا مما سيفضح حقيقته للناس جميعا قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنذرتكم المسيح _ قالها ثلاثا _ ألا إنه لم يكن قبلي نبي إلا أنذر أمته وخافه عليها ألا وإنه فيكم أيتها الأمة ألا وإنه آدم جعد ممسوح عينه اليسرى ألا إن معه جنة ونارا ألا وإن جنته نار وناره جنة وإن معه جبلا من خبز ونهرا من ماء ألا وإنه يمطر ولا ينبت الأرض ألا وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحيها ثم لا يسلط على غيرها ألا وإنه يمكث فيكم أربعين صباحا). الراوي: رجل من الصحابة المحدث: الطحاوي - المصدر: شرح مشكل الآثار - الصفحة أو الرقم: 14/379 خلاصة حكم المحدث: صحيح فالحفاظ على المكتسبات السحرية تستهلك من رصيد الساحر وقوته أكثر بكثير جدا مما يبذله في صنع سحره .. وإن أدخله المعالج الحاذق في هذه الدائرة فلن يخرج الساحر منها إلا بموته .. ومن هنا تأتي أهمية رقية [حبس الساحر] والتي صنفتها لتدخل الساحر في دوامة الدفاع عن نفسه .. فبدلا من أن كان الساحر في موضع الهجوم الدائم والمستمر على المريض فإذا به يستنفذ مخزونه السحري لحماية نفسه إلى أن تقضي عليه شياطينه بقتله السحر علم وتقنية وصناعة قال تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ) [طه: 69] وتتعدد وتتنوع صور التقنيات وصناعة السحر إلى ما لا نهاية .. وأغلبها صور خفية عن أعين البشر العاديين .. لأن السحر يتم تطبيقه وتنفيذه في عالم الجن .. ثم تظهر تأثيراته في عالم الإنس .. فحبال السحرة وعصيهم جمادات لا روح فيها لتتحرك .. لكن بعلم السحر يمكن للشياطين تحريكها لتبدوا الجمادات وكأنها تحولت إلى كائنات حية تنبض بالحياة .. لكن السحر لا يحول الجمادات إلى كائنات حية .. فالسحر إفك وكذب والساحر أفاك وكذاب قال تعالى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الشعراء: 45] .. وقال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117] فالساحر دجال وكذاب .. والمسيح الدجال في حقيقته مجرد ساحر لأنه لا يملك شيئا مما يدعيه لنفسه من ألوهية وربوبية .. وإنجازاته المزعومة كلها إفك لا يملك الحفاظ عليها يجب أن نعي تماما؛ أن علم السحر متشعب الفروع ومتداخل في كل أمور الحياة خاصة العلوم والتقنيات الحديثة .. فمن العسير فهم طريقة عمل أغلب التقنية الحديثة بالغة التعقيد فهي في واقع الأمر خاضعة لعلوم وضعية أغلب من وضعها هم سحرة من أعوان الشيطان .. فأغلبهم يتبعون منظمات مشبوهة وذات انتماءات شيطانية .. لذلك فأغلب إن لم يكن كل التقنيات الحديثة ما هي إلا جزء من عمل الشيطان أوحى بأفكارها إلى أولياءه ومن ثم خرجت للعالم وانتشرت حتى صارت جزء من حياة البشر اليومية فلا يمكنهم الاستغناء عنها بحال من الأحوال إن كانت تلك التقنيات من وحي الشيطان وعمله فحتما ولابد أن السحر كان هو وسيلة تسريب تلك الاختراعات من عالم الشياطين إلى عالم الإنس من خلال الوحي الشيطاني قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 112] .. وكانت النتيجة خضوع البشر للتقنية الحديثة وتحكمها في مسار حياتهم ومن هنا تمكنت الشياطين من اقتحام حياة البشر والسيطرة على كل جزء منها .. وعليه فالعلوم الحديثة ونتاجها ما هو إلا جزء من علوم السحر .. فالسحر لا يُوْجِد شيئا من عدم إنما السحر هو علم إعادة تشكيل الموجودات فبواسطة التقنيات الحديثة من تلفاز وفضائيات وهواتف متطورة وحواسيب استطاعت الشياطين وتمكن أعوان الدجال من اختراق كل بيت وكل إنسان على وجه الأرض في بضع سنين .. مشكلة الناس أنهم يجهلون بأمر السحر وكل يفسره من منظوره الشخصي لا من رؤية معالج وشخص احتك بالسحر والسحرة وتصدى لهم سنين طوال .. لذلك فكل من يظهر على الفضائيات والتلفاز بغير استثناء شخص واحد منهم ما هم في حقيقة الأمر إلا أعوان للمسيح الدجال ومن جنوده وينفذون مخططاته كاملة وبمنتهى الدقة .. سواءا عليهم أدركوا هذا أم لم يدركوه .. وسواء أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر .. أو أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف .. فالإعلام لا يقدم الحق إلا مشوها وفي قوالب تم إعدادها مسبقا وفق معايير وضوابط تخدم مصالح خاصة .. فالظهور الإعلامي له فتنته التي تعمي القلوب وتغور الصدور فما ظهر في الإعلام عالم إلا وفتن وضرب قلبه وفتنت به الناس .. وما تنحى عنه عالم إلا حفظ الله عليه قلبه وإن غفل عنه الناس .. وبكل أسف صارت الناس لا تصغي إلا لذائعي الصيت والمشاهير فلا يميزوا حق من باطل وصاروا أتباع كل ناعق .. فلن يشنفوا آذانهم إلا لأئمة الضلالة حين خروج الدجال فإن كانت السماء تمطر بإذن الله حيث يشاء .. فإنها بالتقنية الحديثة يمكن أن تمطر كذلك بإذن الله حيث يشاء البشر .. والفارق هو الأسباب فهناك أسباب ربانية لنزول المطر لا دخل لمخلوق بها .. وهناك أسباب شيطانية لنزول المطر خاضعة لإرادة الشيطان وأولياءه .. وكلاهما يتمان بإذن الله ومشيئته فلو شاء الله ما أمطرت السماء مهما فعلوا .. إذن فهناك علوم ربانية وعلوم شيطانية خاضعة لقوانين السحر ويتحكم فيها الشيطان .. وما مع الدجال ما هو إلا علوم وتقنيات غاية في التقدم ويجهلها البشرفيظنونها بجهلهم بها معجزات .. ولو علم الناس سر تنفيذها لانتفى لديهم أدنى شك في كونها معجزات ولاستيقنوا من كونها مجرد سحر إذا كان علم السحر وعلم هاروت وماروت له حدود ينتهي عندها فإن العلم وحده غير كفيل بدحض أكاذيب الدجال وتدليساته .. فأشباه الآيات الكاذبة الميسرة من الله عز وجل لأراذل خلقه لا تدحض إلا بالآيات الصادقة المعجزة من الله عز وجل للمصطفين من أخيار خلقه .. وهذا ما تم بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون .. وهذا يلزم منه وجود شخصية يصطفيها الله تبارك وتعالى لتتصدى لفتن الدجال بالآيات الربانية فتبهته وتفضح كذبه .. فيتزامن ظهور هذه الشخصية المصطفاة مع زمن ظهور الدجال تخرج قبله وينتهي دورها بعده .. ومن حين خروجها إلى نهاية الدجال صراع مرير بينهما .. وإن كانت الدابة أولى علامات الساعة الكبرى فحتما ولا بد لن يظهر الدجال قبلها .. وإن كانت الدابة صاحبة آيات فهي بدون شك من ستتصدى لفتنة الدجال بما آتاها الله تعالى من آيات .. ورغم هذا لن يستيقن الناس بما معها من آيات بسبب مخالفتها لأهواءهم فيكفرون بها ويتبعون عدوها الدجال (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82] فسيكفر الناس بآيات الله تعالى ويؤمنون بأشباه الآيات لأن عقولهم وقلوبهم تعلقت بالدنيويات والحسيات التي أشبعهم بها الدجال حتى أتخمتهم الدنيا من المستبعد أن يفتن الدجال أهل الأرض جميعا في حين لا يجد من يرد فتنته .. فلا يجوز بحال؛ القول في حق الله عز وجل أن يذر خلقه فريسة سائغة للدجال يضلهم دون أن يرسل من يتصدى له ولفتنته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور .. على الأقل رحمة من الله بعباده المؤمنين وتثبيتا منه لهم مصداقا لقوله تبارك وتعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: 15] .. وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) [القصص: 59] .. فليس هناك أعز على الخلق من إيمانهم بالله عز وجل فإن هم فقدوه فقد هلكوا هلاكا بَيِّنًا .. فتكفل الله عز وجل بإرسال الرسل في أزمنة الفتن لينقذهم من الهلاك قبل أن يقعوا فيه .. في الحقيقة أن الله عز وجل (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 9] فهذا لا يتعارض مع أن الله عز وجل بشر بإخراجه امرأة دابَّة تكلم الناس في آخر الزمان (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82] هذا إذا وقع قول الله عليهم وظهرت الفتن وإن كانت أعظم فتنة هي فتنة الدجال فإن الدابة عليها السلام هي أعظم وأجدر من يتصدى لفتنة الدجال .. امرأة مؤمنة ضد رجل كافر .. صادقة ضد كذاب .. مهدية بوحي من ربها ضد ضال مدعي الألوهية .. مرسلة بآيات من ربها ضد ساحر بآيات شيطانية .. فلو أخرج الله للسحرة رجلا رسولا يقضي عليهم وعلى سحرهم لهان الأمر عليهم وخفت المذلة في قلوبهم .. لكن عظم عليهم أن يرسل الله عليهم امرأة لتكون نهايتهم على يد أنثى .. وهم الذين كانوا يتعالون على المرأة بذكوريتهم فأذاقوها ويلات العذاب والمهانة .. بداية من إخراج حواء من سعادة الجنة بنعيمها وبهجتها بسحر إبليس ووساوسه .. وحتى إخراج الدابة من شقاء السحر ووساوسه بنقمته وآلامه على سبيل المثال لا الحصر آية طلوع الشمس من مغربها .. وقد تحدى إبراهيم عليه السلام رجلا أتاه الله الملك فركبه الغرور كما ركب أهل زماننا .. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258] وعلى ما يبدو أن هذا الرجل الذي آتاه الله عز وجل الملك كان ساحرا يميت الناس بالسحر بإذن الله ويحيي الموتى بالسحر بإذن الله ... وهذا مطابق تماما لما سيفعله الدجال .. فزعم لنفسه مثل ما هو منسوب فعله إلى الله تبارك وتعالى كما قال إبراهيم عليه السلام له: (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) وهنا لم يجاريه إبراهيم عليه السلام في إدعاءه الكاذب .. إنما ألجمه بحجة أشد إبهاتا له مما قبلها .. ولا يمكن للسحر أن يأتي بآية مثل التحكم في حركة الشمس لأنها مسخرة بأمر ربها وتسير وفق نظام رباني محكم فلا يمكن للسحر تغير مسارها أبدا .. فقال له إبراهيم: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) لذلك فطلوع الشمس من مغربها آية من الله تبارك وتعالى يقف أمامها السحرة عاجزين بسحرهم حتى وإن كان معهم علم هاروت وماروت .. نفهم من هذا أن علم الملكين له حدود يقف عندها ولا يمكنه تجاوزها بحال من الأحوال ويساورني الشك كباحث أن (الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) المذكور في الآية السابقة هو نفسه المسيح الدجال .. ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام (غيرُ الدجالِ أخوفُني عليكم . إن يخرج ، وأنا فيكم ، فأنا حَجيجُه دونَكم . وإن يخرج ، ولستُ فيكم ، فامرؤ حجيجٌ نفسَه . واللهُ خليفتي على كلِّ مسلمٍ ... ) إذن فمحاججة الدجال أي إقامة الحجة عليه أقامها عليه الرسل من قبل كما فعل إبراهيم عليه السلام (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) .. ولو خرج في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاججه وأقام عليه البينة .. ولكنه سيخرج آخر الزمان ليكون كل امرئ حجيج نفسه فمن الممكن للدجال أن يظهر في كل زمن بشخصية مختلفة .. فهو سيظهر في آخر الزمان كملك وإله يعبد من دون الله عز وجل .. كيف نستبعد هذا الاحتمال وكل الأنبياء عليهم السلام حذروا أمتهم الدجال .. وكيف يحذر كل نبي أمته من الدجال إن كان موعد خروجه آخر الزمان فقط إلا أن يخرج الدجال فيهم؟! .. وهذا مما يرجح أن الدجال خرج في كل أمة قبلنا ليفتنها معاداة منه لله عز وجل وتكذيبا لرسله وإضلال لمن آمنوا من بعد هدى (يا أَيُّها الناسُ ! إنها لم تكن فتنةٌ على وجهِ الأرضِ ، منذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدمَ أَعْظَمَ من فتنةِ الدَّجَّالِ ، وإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يَبْعَثْ نبيًّا إلا حَذَّرَ أُمَّتَه الدَّجَّالَ ، وأنا آخِرُ الأنبياءِ ، وأنتم آخِرُ الأُمَمِ ، وهو خارجٌ فيكم لا مَحالةَ ... ) الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح يتحرى الباحثون عن الدجال في نصوص القرآن الكريم فلا يجدوا لكلمة الدجال معنا في كتاب الله تعالى حتى شك البعض في وجود الدجال .. ولن يجدوا له ذكر بهذا اللفظ في كتاب الله تعالى .. لأن طريقتهم في البحث خاطئة تماما .. فكلمة دجال لفظ عام أجمل صفات عديدة يتميز بها المسيح الدجال .. لذلك فالصواب أن نجد الدجال مذكورا بصفاته المختلفة لا بصفته المجملة .. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الدجال معه ملكين .. ونجد أن الملائكة على أنقاب مكة والمدينة .. إذت فالدجال يبصر ما لا يبصره البشر من الملائكة والشواهد كثيرة منها (.. وإني مُخبرُكم عني . إني أنا المسيحُ . وإني أوشك أن يُؤذَنَ لي في الخروجِ . فأخرج فأسيرُ في الأرضِ فلا أدَعُ قريةً إلا هبطتُها في أربعين ليلةً . غيرَ مكةَ وطَيبةَ . فهما مُحرَّمتانِ عليَّ . كلتاهما . كلما أردتُ أن أدخل واحدةً ، أو واحدًا منهما ، استقبلَني ملَكٌ بيدِه السَّيفُ صَلْتًا . يَصدُّني عنها . وإنَّ على كل نَقبٍ منها ملائكةً يحرسونها ..) الراوي: فاطمة بنت قيس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2942 خلاصة حكم المحدث: صحيح (ليس من بلدٍ إلا سيطؤُه الدَّجَّالُ، إلا مكةَ والمدينةَ، ليس له من نقابِها نَقبٌ إلا عليه الملائكةُ صافِّين يحرسونَها، ثم ترجفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رجفاتٍ، فيُخرِجُ اللهُ كلَّ كافرٍ ومنافقٍ). الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1881 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] (وإنه لا يَبْقَى شيءٌ من الأرضِ إلا وَطِئَه وظَهَر عليه ، إلا مكةَ والمدينةَ ، لا يأتِيهِما من نَقَب من أنقابِهِما إلا لَقِيَتْهُ الملائكةُ بالسيوفِ صَلْتَةً ..) الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح دخَل بريدةُ المسجدَ ، ومحجنٌ على بابِ المسجدِ ، فقال بريدةُ - وكان فيه مزاحٌ - : يا محجنُ ألا تصلِّي كما يصلِّي سكبةُ ؟ فقال محجنٌ : إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذ بيدي ، فصعِد أُحُدًا ، فأشرَف على المدينةِ ، فقال : (ويلُ أمِّها مدينةٌ يدعُها أهلُها ، وهي أخيرُ ما كانتْ - أو أعمرُ - يأتيها الدجالُ فيجِدُ على كلِّ بابٍ مِن أبوابِها ملَكًا مصلتًا بجَناحَيه ، فلا يدخُلُها ) .. الراوي: محجن بن الأدرع المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم: 1/112 خلاصة حكم المحدث: صحيح إذن فلن يتمكن الدجال من دخول مكة والمدينة بعد أن أنهى طوافه بكل أرجاء الأرض وفتن العالم كله .. والذي سيمنعه من دخولهما هو ما يبصره من الملائكة فترده عنها .. وحين يعجز عن اقتحام المدينة بجيوشه فمحال أن يقر لأتباعه وجيشه بأن الملائكة تمنعه من دخولها .. وخروجا من هذا المأزق الحرج سيضطر مرغما لحصارها .. مما يشير إلى أن المدينة هي عاصمة الخلافة يومئذ لا في مكة ولا في دمشق حيث ذكرت بعض الروايات أن المسيح عليه السلام سينزل هناك ولا في القدس ولا في أي بلد آخر .. لأن كل هذه البلدان ستسقط تحت حكم الدجال وتتعبه فيما عدا مكة والمدينة .. نخلص من هذا أن للدجال صفة يتميز بها عن سائر البشر وهي قدرته على إبصار بما لا يبصره سائر البشر خاصة الملائكة .. ولو أننا تحرينا عن شخصية تحمل تلك الصفة في كتاب الله تعالى سنجد أنه السامري متوافق مع الدجال في تلك الصفة قال تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه: 95، 96] إذن فإن علاج هذه الأسحار قد يحتاج علما لإبطاله ... ولكن هذا العلم وهو إلهام من الله عز وجل حتما ولا بد سيتوقف عند حد معين ولا يمكنه استمرار التصدي لهذا الخضم الكمي والكيفي من الأسحار .. لتأتي الآيات والمعجزات على يد الدابة لتنسف عصر العلم والتقنية الحديثة وتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الله عز وجل قادر على إبطال الأسحار بغير علم .. ولكن العلم في حقيقته سنة من سنن الله عز وجل في خلقه .. ولكنهم جحدوا نعمة الله هذه واغتروا بالعلم الذي لم ولن يغني عنهم شيئا .. وزعموا كذبا أن عصر العلم قضى على عصر المعجزات وأنها صارت مجرد ذكريات في ذمة التاريخ .. بل ركبهم الغرور حتى تطاولوا على المعجزات فبدؤوا يخضعونها للتفسيرات العلمية وهذا كفر بآيات الله العظيم لأن آيات الله تبارك وتعالى يعجز العقل البشري عن إدراك أسبابها وبالتالي سيفشل الإنسان في وضع تفسيرات لها .. وإلا فقدت الآيات صفة الإعجاز لذلك فمن المنتظر ظهور شخصية تمتلك علم إبطال السحر وهذا له حدود يقف عندها .. إلى جانب شخصية أخرى تمتلك الآيات من الله عز وجل ولا أراها إلا الدابة عليها السلام .. وقد يجتمع لديها العلم والآيات معا .. بل أرجح إن كانت محبوسة بالسحر فسيقيض الله عز وجل لها صاحب علم يعالجها بما وهبه الله تبارك وتعالى من علم فيجتمعان معا لعلاج كل تلك الأسحار .. ولا أراه إلا الخليفة الراشد الذي سيبايع مكرها بين الركن والمقام .. فلا يوافيهما الأجل بعد ظهور آخر علامات الساعة المقترنة بخروج الدابة إلا وقد أبادت الدابة بإذن ربها كل تلك الأسحار وتطهرت الأرض من أسحار عصر الظلام والجور .. ليعمل من يأتوا بعدها في عصر النور والعدل على إعادة إعمار الأرض وفق ضوابط ربانية تؤسس لها الدابة ليكملوا نشر ما بدأته .. والله أعلم
التعديل الأخير تم بواسطة سيوا ; 03-19-2014 الساعة 04:26 PM |
#9
|
|||||||
|
|||||||
علم الملكين هاروت وماروت والدجال الكاتب: بهاء الدين شلبي. إن كان الدجال سيجتاح العالم بسحره مدعوما بعلم الملكين هاروت وماروت مسخرا هذه العلوم الخفية في صناعة أشباه الآيات أو صناعة الآيات الكاذبة المضلة إلا أنه لن يعتمد في غزوه لأهل الأرض على العلم وحده وإنما سيركن بشكل أكبر على عقلية أهل زمن أقصوا الدين من قلوبهم فأصيبوا بالخواء العقائدي .. بينما أقوام آخرين تعطنت مفاهيم الدين في عقولهم .. وآخرين ترسخت لديهم رواسب مفاهيم بائدة ومعتقدات فاسدة فيتمسكون بما يعتقدونه ثوابت لا يمكن التزحزح عنها وهي مجرد مغالطات يتمسكون بها .. وهذا الجمود الفكري والافتقار إلى ليونة العقل يمنح الدجال فرصة استغلال الثبات الذهني لديهم فيقدم لهم براهينه المصطنعة وفق مفاهيمهم المغلوطة ونصوصهم المحرفة والتي غالبا من وضعها هم أعوانه وأنصاره من السحرة فمثل هذه العقليات هي الأمثل لتقبل ضلالات الدجال وإلا فإن أشباه الآيات لن تروج على مؤمن يغربل ما يتلقاه من مفاهيم ويجددها أولا بأول ويحرص على ملازمة الحق ما أمكنه .. لذلك يخرج الدجال حين يخرج في زمن يستخف أهله بالدين .. اللهم إلا الإتيان ببعض المظاهر الدينية دون الحفاظ على الجوهر تبعا لأهواءهم .. ويركنون إلى ما وافق أهواءهم من أقوال العلماء أصابوا أم أخطؤوا .. ويتركون ترسيخ العلم الشرعي لديهم ويهملون تصحيح مفاهيمهم ليتنافسوا على تحصيل العلوم الوضعية وينشغلوا بها لمجرد الوجاهة الاجتماعية ونيل المناصب القيادية وتحصيل المنافع الدنيوية .. حتى من ينشغل منهم بتلقي العلوم الشرعية فإنه لا يعي شيئا من مضمون ما يحفظه .. والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (يخرجُ الدجالُ في خفْقَةٍ مِنَ الدينِ وإدْبَارٍ من العلمِ ...) الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 7/346 خلاصة حكم المحدث: [روي] بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح وخفة الدين لا يفهم منها تفريط الناس في دينهم بل على العكس هم متمسكون به وبشدة تبلغ حد التعصب ولكنه تعصب أعمى .. وإنما المقصود من خفة دينهم فساد ما يتمسكون به من مفاهيم تخالف مقاصد الدين .. أي أن مفاهيمهم للدين مغلوطة ويشوبها الجهل بسبب إدبارهم عن العلم وترك التدبر الواجب والركون إلى فهم البشر وتأويلاتهم الباطلة وترك ظاهر دلالة النصوص وتوافقها مع بعضها البعض .. ففهمهم للدين ليس بالثقل الذي يمنحهم الثبات على الحق .. فعلمهم غير راسخ لأنه يستند إلى مفاهيم متغيرة أقحمت في الدين وليست منه .. وما أسهل أن تعصف الشبهات بأمثال هؤلاء .. فمن يملك القدرة على توظيف الشبهات يسهل عليه إعادة توجيههم وتسييرهم حيث يشاء إن ركن الدجال إلى فساد أهل زمن خروجه إلا أن الدافع لخروجه ليس خفة الدين وحدها وإدبار العلم .. خاصة وأن هذه الصفات يتكرر ظهورها في كل زمان ومكان .. وهذا لا يعني إدبار من العلم على إطلاقه .. إنما المقصد من النص هو الإدبار من العلم الشرعي وافتتان كل ذي رأي برأيه .. وفي المقابل سيصاب الناس بالهوس العلمي الدنيوي على حساب العلم الشرعي جراء خفة الدين لديهم .. لكن سيخرج الدجال في زمن تتحطم فيه أسطورة العلم بآيات الله تبارك وتعالى لينهار أعظم قناع في تاريخ البشرية ستر الفساد في صورة العلم الحديث البراقة المبهرة .. وهو الزمن الذي تزول فيه فتنة العلم وتعلو آيات الله تبارك وتعالى .. وإن كانت الآيات تقترن بالمرسلين لتأييدهم فإن زمن خروج الدجال سيقترن بخروج رسول أخبر به الله تعالى وهو الدابة المهدية بوحي من الله تبارك وتعالى مما ذكره نعيم بن حماد عن أبي سعيد الخدري قال: "مع الدجال امرأة يقال لها لئيبة لا يؤم قرية إلا سبقته إليها فتقول: هذا الرجل داخل عليكم فاحذروه". [كنز العمال 39691] أخرجه نعيم بن حماد فى الفتن (2/520، رقم 1457). بينما ذكر عبد الغني المقدسي في "أخبار الدجال" بإسناد ضغيف جدا ما نصه: عيسى الخياط عن محمد بن يحيى بن حبان سمعت أبا سعيد الخدري يقول: مع الدجال امرأة يقال لها طيبة لا يقدم قرية إلا سبقت إليها تقول هذا الدجال دخل عليكم فاحذروه. رقم (29) صفحة 30 على فرض صحة المتن رغم ضعف الإسناد فالسلف لا ينقلون رواية خاصة بعلامات الساعة والمستقبل إلا أن تكون وحيا سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مع ملاحظة الاختلاف بين كلمة (طيبة) وكلمة (لئيبة) في الرواتين .. إلا أن كلمة [لئيبة] أرجح وأدل .. وهو لفظ له دلالته في زمن النبوة يفهمه أهل زمانه ولا يشترط أن هذه المرأة تلقب بهذا في زمن خروجها .. وإنما قد تلقب بلقب موافق في المعنى لنفس اللفظ المستخدم في الرواية في واقع الأمر لم أجد لكلمة [لئيبة] بهذا التركيب وجود في كتب اللغة .. إلا أن أقرب كلمة لجذرها [لاب] هي كلمة "لائبة" تأنيث لكلمة "لائب" من لاب يلوب لوبا فهو لائب ولائبة .. وفي لسان العرب: "اللَّوْبُ واللُّوبُ واللُّـؤُوبُ واللُّوَابُ: العَطَش، وقيل: هو استدارةُ الـحَائِم حَوْلَ الماءِ، وهو عَطشان، لا يَصِل إِليه. وقد لاب يَلُوبُ لَوْباً ولُوباً ولُوَاباً ولَوَباناً أَي عَطِشَ، فهو لائِبٌ؛ والجمع، لُـؤُوب، مثل: شاهدٍ وشُهُود؛ قال أَبو محمد الفَقْعَسِـيّ: حتى إِذا ما اشْتَدَّ لُوبانُ النَّجَرْ، * ولاحَ للعَيْنِ سُهَيْل بسَحَرْ والنَّجَرُ: عَطَشٌ يُصيب الإِبلَ من أَكْلِ الـحِبَّة، وهي بُزُور الصَّحْراء؛ قال الأَصمعي: إِذا طافت الإِبل على الحوض، ولم تقدر على الماءِ، لكثرة الزحام، فذلك اللَّوْبُ. يُقال: تَرَكْتُها لَوَائِبَ على الحوض، وإِبِل لُوبٌ، ونخلٌ لَوَائِبُ، ولُوبٌ: عِطاشٌ، بعيدة من الماءِ. ابن السكيت: لابَ يَلُوبُ إِذا حامَ حول الماء من العطش؛ وأَنشد: بأَلذَّ مِنكِ مُقَبَّلاً لِـمُحَـَّلإٍ * عَطشَانَ، دَاغَشَ ثم عادَ يَلُوبُ وأَلابَ الرجلُ، فهو مُلِـيبٌ إِذا حامَتْ إِبلُه حولَ الماءِ من العطش. ابن الأَعرابي: يُقال ما وَجَدَ لَياباً أَي قَدْرَ لُعْقَةٍ من الطَّعام يَلُوكُها؛ قال: واللَّيابُ أَقل من مِلْءِ الفم.". وإضافة الياء بعد الهمزة تفيد المبالغة .. وعليه فإن [لئيبة] لفظ يفيد المبالغة من [لائبة] وهو كناية عن كثرة طواف هذه المرأة في الأرض فتكون أسرع من الدجال فتسبقه حيث يقصد قبل أن يصل .. فاللئيبة حالها فرط الدب أي التنقل من مكان إلى مكان وهذا موافق لحال الدابة عليها السلام لكثرة تنقلها من كل مكان إلى كل مكان .. وكذلك في اللفظ كناية عن تعطشها لتصديق الناس لها واتباعهم لدعوتها إلى الحق وتعطشها يفيد انصراف الناس عنها وتكذيبها وهذا مما يوافق قوله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82] ولنتأمل معا إلى سرعة تنقل الدجال وسياحته في الأرض ففي الحديث قلنا : يا رسولَ اللهِ ! وما إسراعُه في الأرضِ ؟ قال " كالغيثِ استدبرتْه الريحُ . فيأتي على القومِ فيدعوهم ، فيؤمنون به ويستجيبون له ...) الراوي: النواس بن سمعان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2937 خلاصة حكم المحدث: صحيح وخروجا عن منهجي وهو الاستشهاد بالنصوص الصحيحة فإن هذا النص رغم عدم ثبوته إلا أن مضمونه يتفق وما أحدثكم به عن الدابة عليها السلام .. وهذا ما يجعلني أرجح صحة متنه والله أعلم فإن كانت سرعة الدجال كالغيث استدبرته الريح فبحسب النص فإن "اللائبة" أو بحسب لفظ القرآن الكريم "الدابة" هي امرأة تدب أي تتنقل في الأرض أسرع من تنقل الدجال .. ولا يمكن لامرأة أن تكون أسرع من الرجال حركة وأسرع من الدجال تنقلا إلا أن يأتيها الله تبارك وتعالى آىية كبرى ويمنحها قوة منه تمكنها من التنقل بسرعة تفوق سرعة تنقل الدجال .. هذا فضلا عن كونها تعلم وجهة الدجال قبل أن يقصدها فتسبقه إليها .. وفي هذا دليل يؤكد على أنها امرأة مهدية يوحى إليها بوحي من الله تبارك وتعالى .. وكونها تحذر الناس من اتباع الدجال فهي امرأة مؤمنة صالحة وعلى يقين من حقيقة الدجال يؤتيها الله عز وجل آياته ووحيه ويؤيدها بقوة منه تتصدى بها لفتنة الدجال .. نخلص من هذا إلى أن الدافع لخروج الدجال هو إخراج هذه المرأة الصالحة التي بما منحها الله عز وجل من آيات ستقلب كل الموازين في زمن خروج الدجال .. فتكون الآيات الربانية ضد العلوم الوضعية لتفند بطلانها وكذبها وخداعها .. وهذا مما يهدد سلطان الدجال فيخرج بآياته الكاذبة والمصطنعة في محاولة منه لتكذيب الآيات الربانية .. فينطلق الدجال بالسحر مدعوما بعلم الملكين هاروت وماروت في محاولات مضادة للآيات الربانية للتلبيس على الناس فلا يدرى ما هو آية صادقة وما هو كاذب فيقع الناس في حيرة من أمرهم فيتبعوا الدجال إلا من ثبته الله عز وجل على الحق ورزقه البصيرة في حقيقة الأمر أن آيات الله تبارك وتعالى بينات واضحات جليات لا يلتبس أمرها إلا على جاحد .. ولكن الجاحدين للحق سرعان ما يطعنون في آيات الله فينسبونها إلى السحر تكذيبا منهم لها .. والسحر يتخذونه آيات كاذبة لتأييد الباطل ويستنكروون أنها سحرا كما يحدث مع الصوفية والدجال .. لقوله تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 12؛ 14].. ولقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) [القمر: 1؛ 3] .. وأمثال هؤلاء ممن انتكست فطرتهم وانقلبت موازينهم واختلطت معاييرهم لا يخفى عليهم حقيقة السحر لاقترانه بالكفر والضلال .. على خلاف الآيات الربانية التي تقترن بالإيمان والحق لنصرته وتأييده .. فآيات الله لا تحتاج دليلا لإثبات حقيقتها بل آيات الله عز وجل مبصرة تنطق بالحق غنية عن الحاجة لحجة وبرهان وليست بعمياء صماء بكماء .. وفي لسان العرب: "والبَصِيرَةُ: الحجةُ والاستبصار في الشيء" فالآية لا تحتاج آية أخرى لتؤكد صحتها وإلا فليست بآية مبصرة طالما افتقدت للحجة والبرهان .. لأن آيات الله هي حجة وبرهان في ذاتها تغلب كل باطل .. فالناس كانوا على علم أن ما مع موسى عليه السلام آيات بينات .. ورغم هذا كانوا يتمنون أن يغلب السحرة ليتبعونهم لقوله تعالى: (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ *وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) [الشعراء: 39، 40] .. ولأن الآية جاءت غالبة فإن السحرة غلبوا وسارعوا في السجود لله مؤمنين به قال تعالى: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: 118؛ 122] .. بينما فرعون جحد بالآية رغم أنها مبصرة واستكبر وكذب وتوعد السحرة بعد أن أسلموا لله رب العالمين .. بل واتهم موسى عليه ليس بممارسة السحر فقط! وإنما اتهمه بأنه كبير السحرة وأنه من علمهم السحر .. فقال تعالى: (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) [طه: 71] .. وهذا هو نفس ما سيحدث مع الدابة حين خروجها ولا شك في هذا .. فسيكذبها المسلمون قبل الكافرين ويحاربونها وسيسعون لقتلها وسيكيلون لها التهم .. وتهمة السحر من جملة التهم والفرى التي اتهم بها المرسلون من قبل .. في حين أنهم سينساقون خلف الدجال رغم استيقانهم أنه دجال وساحر وكذاب وله من العلامات ما لا يخفى أمرها على أحد وقد أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأكبر آية تثبت كذب الدجال ادعاءه الربوبية لقوله صلى الله عليه وسلم: (.. يقولُ : أنا ربُّكم ، ولا تَرَوْنَ ربَّكم حتى تَمُوتُوا .. ) الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح وهذا لا يعني خروج الدجال في زمن تفشي الأمية الدينية أو انصراف الناس عن الدين بل على العكس تماما .. سنجد أن مظاهر التدين غلبت على الناس وقلوبهم أنتن من جيفة .. فقد يحجون ويعتمرون نزهة وسياحة .. ويجاهدون تحت رايات عمية لعصبية وحمية فيموتون ميتة جاهلية .. ويتوافدون على المساجد أفواجا من كل حدب وصوب ويتزاحمون خلف المقرئين للصلاة يطربون لصوت المقرئ وتنهمر دموعهم فتخضب لحاهم ولا يعون مما يسمعون شيئا .. فسيخرج الدجال في بقية أقوام يقرؤون القرآن لكنه لا يلج قلوبهم منه شيء .. يقرؤونه ولا يفقهون منه شيئا إلا ما وافق هواهم .. فهم يتبعون أقوال شيوخهم وعلماءهم دون أن يتدبروا سلامة ما يقال لهم .. فجعلوا من أئمتهم أوصياء على عقولهم .. لقوله صلى الله عليه وسلم: (... سيَخرجُ أُناسٌ من أمَّتي من قِبَلِ المشرِقِ يَقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوزُ تراقيَهُم كلَّما خرجَ منهم قرنٌ قُطِعَ كلَّما خَرجَ منهم قرنٌ قُطِعَ - حتَّى عدَّها زيادةً على عَشرةِ مرَّاتٍ - كلَّما خرجَ منهم قرنٌ قُطِعَ حتَّى يخرُجَ الدَّجَّالُ في بقيَّتِهِم). الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 11/88 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح في زمن خروج الدجال سنجد الأئمة موفورن على المنابر والمساجد عامرة بالمصلين لكنهم سينشغلون عن ذكر الدجال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَخرُجُ الدَّجَّالُ حتى يَذهَلَ الناسُ عن ذِكرِه، وحتى يَترُكَ الأئمَّةُ ذِكرَه على المنابِرِ). الراوي: الصعب بن جثامة المحدث: ابن السكن - المصدر: تهذيب التهذيب - الصفحة أو الرقم: 4/421 خلاصة حكم المحدث: صالح الإسناد وهذا يعني أن الناس سيحتشدون في المساجد ويجتمعون حول أئمتهم .. ويقبلون على الصلاة في المساجد فتصير عامرة بالمصلين .. لكن بحسب النص يتبين لنا أن الناس والأئمة سيشغلهم شاغل عن ذكر الدجال فيتركون عن عمد سيرته بحر إرادتهم لا عن غفلة منهم بخطورته وأهميته .. لأن معنى قوله (يَذهَلَ الناسُ عن ذِكرِه) جاء في لسان العرب "الذَّهْل: تَرْكُكَ الشيءَ تَناساه على عَمْد أَو يَشْغَلك عنه شُغْلٌ، تقول: ذَهَلْت عنه وذَهِلْتُ وأَذْهَلَني كذا وكذا عنه؛ وأَنشد: أَذْهَلَ خِلِّي عن فِراشِي مَسْجَدُهْ وفي التنزيل العزيز: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)؛ أَي تَسْلُو عن ولدها". ولا مانع أن يكون هذا الحدث الجلل الذي سوف يشغل الناس عن ذكر الدجال هو نفسه المتسبب في إثارة غضبه ... خاصة إذا تنامت أهميته وطغى ذكره بين الناس وتشاغلوا بذكره حتى على المنابر .. فهو سيخرج من غضبة يغضبها كما ورد في الحديث (إِنَّما يَخرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ غَضْبَةٍ يغْضَبُها). الراوي: حفصة بنت عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2380 خلاصة حكم المحدث: صحيح يفهم من النص بدلالة التضمن وقوع أحداث كثيرة كلها ستتسبب في تكرار إثارة غضب الدجال .. لكن إحدى تلك الأحداث ستغضبه غضبة شديدة تستفزة مما يدفعه للخروج .. أي أنه سيخرج مستفزا مدفوعا بغضبه ولن يخرج عن رغبة منه وبحر إرادته .. مما يؤكد على تردد الدجال في الخروج حتى يستفزه حدث عظيم جلل يغلب على كل الأحداث الشاغلة للناس في ذاك الوقت .. وتردد الدجال في الخروج دليل على وجود مصالح يحرص عليها ويتمسك بها ومخاوف تمنعه من هذا .. فإذا كان يعتمد على السحر في فتنة الناس فإن أشد ما يثير رعبه ويؤجج مخاوفه هو الآيات الربانية لأنها الفاضحة لكذبه والكاشفة لدجله والهادمة لأسطورة العلم الحديث .. فكلما ظهر على يد الدابة آيات عظيمة كلما تراجع الدجال عن الخروج .. لأن ما معه من آيات مصطنعة عمياء ستفضحها الآيات المبصرة وتكشف كذبها .. مما يؤكد أن الدجال يفتن الناس بآياته الكاذبة قبل خروجه وإن لم تنسب إليه .. وخروجه سيكشف أن كل ماكان الناس مفتونون به كان سحرا ويحسبونه انجازات علمية خارقة فهي فتن يجريها الدجال على يد أولياءه ليفتنهم بها من العلماء والمخترعين والساسة الذين يديرون مؤسسة الحكم العالمية .. فجميع ما نراه اليوم من مخترعات حديثة وتقنيات معقدة ما هي إلا نوع من أنواع السحر وأصنافه تسمى (سحر الآلات) .. لا يشترط في السحر تلاوة العزائم فخفة اليد مثلا تصنف كأحد روافد السحر .. رغم أنها لا تتم بتدخل شياطين الجن .. فكما أن هناك سحر يجري على يد الجن فقط فهناك سحر كذلك يجري على يد البشر بدون تدخل الجن فيه .. وهناك أسحار مشتركة يتداخل فيها دور الجن والإنس معا .. فلو تعطلت شبكة المعلومات بقطع الطاقة عنها لتعطلت كل الأجهزة في العالم بكامله ولسقطت الحضارة المعاصرة برمتها فلن تعمل الهواتف ولا الحواسيب ولن تقلع الطائرت من مطاراتها وستتعطل الأقمار الصناعية عن عملها وسينقطع الاتصال بها فتتحول إلى مجرد علب من الخردة تسبح في الفضاء الخارجي .. وستسقط حينها هيبة الدول العظمى التي تحكم العالم .. لأن هذا يعتبر تهديد لمصالح الدجال داخل عالم البشر .. وهذا وحده كفيل باستفزازه وإثارة غضبه وإن لم يخرج حينها للناس فستضيع كل إنجازاته هباءا بسبب عزلة الناس عن مصادر المعلومات وعدم خضوعهم للسيطرة على عقولهم تعطيل الطاقة العالمية أمر قد نرى حدوثه ضرب من المستحيل .. إذن فهو أمر معجز خارج حدود قدرات البشر .. ويستلزم حدوث آية من الله عز وجل حتى تتعطل الطاقة أو الكهرباء أو الاتصالات .. والنص التالي "مع الدجال امرأة يقال لها لئيبة لا يؤم قرية إلا سبقته إليها فتقول: هذا الرجل داخل عليكم فاحذروه" هذا دليل على تعطل الاتصالات في ذاك الزمان .. مما يستلزم أن يكون لدى هذه المرأة الصالحة القدرة على التنقل والدب من مكان إلى مكان بسرعة تفوق سرعة الدجال .. لتبلغ الناس وتحذرهم منه قبل وصوله .. ولو كانت وسائل الاتصالات تعمل حينها فكان من الممكن أن تبلغهم تحذيرها عن طريق وسائل الإعلام الحديثة فيصل تحذيرها للعالم كله من خلال وكالات الأنباء .. ولما لزم الأمر أن تتكبد مشقة الانتقال من قرية إلى قرية لتحذرهم من قدوم الدجال عليهم .. وإلا لوصل كل أهل قرية أخبار الدجال عن طريق الإعلام ولما احتاجوا لتحذير إن كانت الآيات يجريها الله عز وجل على يد المرسلين فهذا يؤكد على حتمية خروج شخصية مرسلة من ربها عز وجل يجري على يديها الآيات والمعجزات .. ولا أحسبها إلا الدابة المهدية أولى علامات الكبرى فحتما ستخرج قبل الدجال ولابد .. فيهمل الناس والأئمة ذكر الدجال وينشغلوا بالتشكيك في صدق المهدية وما معها من آيات والطعن فيما يجريه الله عز وجل على يديها من معجزات ستشغل بال البشرية وتحيرهم في ذلك الوقت لتكون محور اهتمام الناس .. وكل الآيات الثابتة عن الدابة ستثير غضب الدجال ولا شك لأن الناس سترهبها وقد يؤمن بها البعض ويصدقها في زماننا سنجد أن المرأة تعرضت من قبل الرجل لتهميش اجتماعي وديني بدليل تفشي الفساد بينهن .. فالرجل هو المسؤول الأكبر عما تعرضت له المرأة من حالة ضعف ووهن ديني .. فرجل مفلس دينيا يقود زمام امرأة لا حول لها ولا قوة .. يجب أن لا نغتر بما وصلت إليه المرأة من مكانة اجتماعة وسياسية في الغرب .. ليس هذا من أهداف المسلم في الحياة الدنيا .. فكما أنها ارتقت هناك أعلى المناصب فإنها لم تصل إلى تلك المناصب إلا وقد جردت من كل حقوقها الآدمية كأنثى والتي أتاحها لها الإسلام وسلبها منها الرجل المسلم بتسلطه عليها .. وبذلك تساوى دور الرجل المسلم مع دور الرجل الغربي في إفساد المرأة .. فالرجل المسلم أفرط في التضييق عليها بينما الرجل الغربي فرط الحفاظ عليها .. وعلى هذا فالمرأة تعرضت لجريمة عظمى على مدار تاريخ البشرية وبلغ أوج هذا في زمننا المعاصر زمن التمهيد لخروج الدجال لذلك لن ينجو من فتنة الدجال إلا قلة معدودة يحاصرهم الدجال في المدينة المنورة .. ففي الأثر عن حسانِ بنِ عطيةَ قال: (لا ينجو من فتنةِ الدجالِ إلا اثنا عشرَ ألف رجلٍ وسبعةَ آلافِ امرأةٍ). الراوي: - المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 13/98/ خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن صحيح وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعاً أرسله ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب حيث سترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج للدجال كل منافق ومنافقة وكل فاسق وفاسقة حتى تطهر وتخلص منهم .. ولن يبقى إلا المخلصين فقط ( .... وإنه لا يَبْقَى شيءٌ من الأرضِ إلا وَطِئَه وظَهَر عليه ، إلا مكةَ والمدينةَ ، لا يأتِيهِما من نَقَب من أنقابِهِما إلا لَقِيَتْهُ الملائكةُ بالسيوفِ صَلْتَةً ، حتى يَنْزِلَ عند الضَّرِيبِ الأحمرِ ، عند مُنْقَطَعِ السَّبَخةِ ، فتَرْجُفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رَجْفاتٍ ، فلا يَبْقَى فيها منافقٌ ولا منافقةٌ إلا خرج إليه ، فتَنْفِي الخبيثَ منها ، كما يَنْفِي الكيرُ خَبَثَ الحديدِ ، ويُدْعَى ذلك اليومُ يومَ الخَلَاصِ ... ). الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875 خلاصة حكم المحدث: صحيح وفي الحديث أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ خطبَ النَّاسَ فقالَ: (يومُ الخلاصِ وما يومُ الخلاصِ ثلاثَ مرَّاتٍ فقيلَ يا رسولَ اللَّهِ ما يومُ الخلاصِ فقالَ يجيءُ الدَّجَّالُ فيصعَدُ أُحُدًا فيطَّلِعُ فينظرُ إلى المدينةِ فيقولُ لأصحابِهِ ألا ترونَ إلى هذا القصرِ الأبيضِ هذا مسجدُ أحمدَ ثمَّ يأتي المدينةَ فيجِدُ بكلِّ ثُقبٍ من ثِقابِها ملكًا مصلتًا فيأتي سَبخَةَ الجُرفِ فيضرِبُ رواقَهُ ثمَّ ترتَجِفُ المدينةُ ثلاثَ رجفاتٍ فلا يبقى منافقٌ ولا منافِقةٌ ولا فاسقٌ ولا فاسِقةٌ إلَّا خرجَ إليهِ فتخلُصُ المدينةُ وذلكَ يومُ الخلاصِ). الراوي: محجن بن الأدرع المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1111 خلاصة حكم المحدث: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه من الملاحظ أن أول ما يخرج الدجال في أعراض الناس .. يفهم من هذا أنه سيخرج أول ما يخرج في النساء .. فأكثر من سيتبعه هم النساء .. مما يعني أن المرأة هي المستهدف الأول من فتنة الدجال .. فإن كانت الدابة امرأة فستخرج لترد للمرأة حقوقها .. وهذا يعني أنه سينشب صراع بين النساء في العالم ما بين مؤيدات لقضية الدابة وما بين مستنكرات لما تقوله من مستجدات .. لذلك فالنساء هنا مستهدفات ليس لخفة في عقولهن أو لفتنة الجنس كما قد يتوهم (يَكونُ للمسلِمينَ ثلاثةُ أمصارٍ : مصرٌ بِمُلتقَى البحرَينِ ، ومصرٌ بالحيرةِ ، ومصرٌ بالشَّامِ . ففزعَ النَّاسُ ثلاثَ فزعاتٍ ، فيخرجُ الدَّجَّالُ في أعراضِ النَّاسِ ، فيُهْزمُ من قبلِ المشرقِ ، فأوَّلُ مصرٍ يرِدُهُ المصرُ الَّذي بملتَقى البحرينِ ، فيصيرُ أَهْلُهُم ثلاثَ فرقٍ : فرقةٌ تقيم تقولُ : نُشامُّهُ ننظرُ ما هوَ ؟ وفرقةٌ تلحقُ بالأعرابِ ، وفرقةٌ تلحقُ بالمصرِ الَّذي يَليهم . ومعَ الدَّجَّالِ سَبعونَ ألفًا عليهمُ السِّيجانُ وأَكْثرُ من معَهُ اليَهودُ والنِّساءُ ...). الراوي: عثمان بن أبي العاص المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/603 خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة إلى صحته] ولكن لاجتماع النساء حول القضايا التي ستثيرها الدابة وتحفز نساء العالم للخروج على الرجال .. وهذا يستلزم من الدجال التصدي للنساء واختراق صفوفهن .. فمنهن من يؤيدن الدجال ومنهن من يؤذونه ويرفضون فكره الذي ينتقص من حقوقهن التي كشفتها الدابة عليها السلام .. وهذا مما يثير غضب الدجال وحنقه فيرجع عنهم غضبان آسفا (لا ينزلُ الدجالُ المدينَةُ ولكنَّهُ بينَ الخندَقِ وعلَى كلِّ نَقْبٍ منْها مَلَائِكَةٌ يَحْرُسونَها فَأَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ النساءُ فيؤْذِينَهُ فيَرْجِعُ غَضْبَانُ حتى ينزلَ الخندَقَ فعندَ ذلِكَ ينزلُ عيسى بنُ مريَمَ) الراوي: أبو هريرة المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 7/352 خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح غير عقبة بن مكرم بن عقبة الضبي وهو ثقة في واقع الأمر أنه ستحدث فتنة عارمة ما بين مؤيدات للدابة عليها السلام في نصرة المرأة وخروجها عن طاعة الرجل في معصية الله تبارك وتعالى .. .. وثورة من النساء على الرجال .. وما بين مؤيدات للدجال مع استمرار وضع المرأة كما هي خاضعة خانعة لجور الرجل عليها .. وجحود من النساء للدابة وكفر بها .. وهذا ما يؤكده حديث متعلق بنساء المدينة المنورة .. فأكثر نساء المدينة سيخرجن للدجال اللائي تربين على الفكر الذكوري العنصري الذي ينتهك كل حقوق المرأة .. وقلة منهن فقط سيقفن في صف الدابة عليها السلام (ينزلُ الدجالُ في هذهِ السبخةِ بمرقناةٍ فيكونُ أكثرَ من يخرجُ إليه النساءُ حتى إن الرجلَ ليرجعَ إلى حميمِه وإلى أمِّه وإلى ابنتِه وأختِه وعمَّتِه فيوثقُها رباطًا مخافةَ أن تخرجَ إليه ثم يسلطُ اللهُ المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلونَ شيعتَه حتى إن اليهوديَّ ليختبئَ تحتَ الشجرةِ أو الحجرِ فيقولُ الحجرُ أو الشجرةُ للمسلمِ هذا يهوديٌّ تحتي فاقتلْه). الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 7/190 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|