#1
|
|||||||
|
|||||||
حصري: خير ثيابكم البياض
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
جرت عادة أهل بعض البلاد إلزام نساءهم بارتداء الثياب السوادء، ويرى أصحاب تلك العادة وجوب هذا اللون على النساء، مخالفة منهن للرجال، الذين يغلب عليهم ارتداء الثوب الأبيض صيفا، أي أنه لون موسمي، وإلا صارت المرأة وفق عرفهم في حكم الملعونة، لأنها من المتشبهات بالرجال. بينما لا يرون بأسا أن يشارك الرجال النساء لبس الأسود من الثياب شتاءا. من المقبول عقلا المخالفة في شكل الثوب، والتمايز بين الرجل والمرأة في الزي، فلا تلبس النساء أزياء الرجال، أما أن تكون المخالفة في الألوان فهذا شأن اختياري حسب رغبة كل إنسان، ووفق احتياجاته، فلا خصوصية في الألوان لجنس دون الآخر. فقولهم بوجوب مخالفة المرأة للرجال في اللون الأبيض، يلزم منه أنها مخيرة في ارتداء أي لون آخر خلاف الأسود، إلا أنهم يرفضون أي لون آخر خلاف الأسود، لأنه من وجهة نظرهم زينة وتبرج وملفت. فأخذ الزي الأسود للمرأة حكما شرعيا بالوجوب، ومن ثم انتشر هذا المفهوم خارج تلك البلاد على أنه جزء من الدين. وأقصى ما قد نسمع به خارج تلك البلاد هو جواز ارتداء النساء الملابس ذات الألوان القاتمة، وحجة هذا الفريق أن الألوان القاتمة أستر للمرأة، وأبعد عن لفت الأنظار إليها، وهذا (الرأي) هو اجتهاد منهم، ولا أصل له في الدين، وكما سنكتشف أن رأيهم هذا مخالف للسنة الثابتة. ولكن هذا ما انتهى إليه اجتهادهم، رغم أنهم أحرص الناس على التمسك بالسنة الشريفة، ويحضون على ذلك، فبنوا حكما شرعيا على أساس ما جرت به العادة، لا على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، رغم أنه لم يرد نص يختص الرجال باللون الأبيض حتى يحرمونه على النساء. وعليه صار لزوم النساء الأسود من الثياب فرض، ومحرم عليهن البياض، بينما في بلاد أخرى يباح ارتداء الألوان القاتمة، وعلى النقيض من هذا؛ نجد أنه في بلاد أخرى يشيع ارتداء النساء الأبيض من الثياب. وعلى فرض صحة هذا الاحتجاج بالعادات والتقاليد لبلد ما، لما صح فرض عادتهم على البلاد المسلمة الأخرى، وتصديرها على أنها عبادة وأصل في الدين، فالعادة بمقتضى هذا الحكم تحولت إلى عبادة لم ينزل بها سلطان، رغم أنه القاعدة هي: (الأصل في العبادات المنع إلا بنص، والأصل في العادات الإباحة إلا بنص). ورد نصين الأول منهما (نص عام) يفضل اللون الأبيض في الملبس على غيره من الألوان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير ثيابكم البياض البسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم) صححه الألباني. فلم يرد في هذا النص تخصيص لأي من الجنسين دون الآخر، فقوله: (أحياءكم) وقوله: (موتاكم) لفظين عامين يشملان الجنسين رجالا ونساءا، بدليل أن الرجال والنساء يكفنون في أكفان بيضاء، ولم يقل أحد أن تكفن المرأة في كفن أسود مخالفة لكفن الرجال. والثاني منهما (نص خاص) يؤكد الأمر بالخمار الأبيض، مما دل على كسوة النساء بالأبيض من الألوان، مما يؤكد على أن لزوم الأسود من الثياب للنساء، بدعة محدثة لا أصل لها في الدين، وأن تحريم الأبيض عليهن مخالف للسنة الثابتة. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبْطِيَّة كثيفة، كانت مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لك لم تلبس القبطية؟) قلت: يا رسول الله! كسوتها امرأتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرها لتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف عظامها). رواه أحمد في المسند (5/ 205). القباطي بفتح القاف وموحدة وكسر طاء مهملة وتحتية مشددة جمع قبطية، وهي على ما في النهاية ثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، كأنه منسوب إلى القبط، وهم أهل مصر، وضم القاف من تغيير النسب، وهذا في الثياب، فأما في الناس فقبطي بالكسر. والقباطي ثياب من كتان تصنع في مصر، وتميل إلى الرقة والدقة في البياض، بل الغالب على لونها شدة البياض؛ فقد جاء في حديث قتل ابن أبي حقيق يقول: ما دلنا عليه إلا بياضه في سواد الليل كأنه قبطية. كما في النهاية لابن الأثير (4 / 6). وفي رواية مشابهة يقول فيها دحية بن خليفة الكلبي: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباطي فأعطاني منها قبطية، فقال : (اصدعها صدعين؛ فاقطع أحدهما قميصا، واعط الآخر امرأتك تختمر به، وأمر امرأتك أن تجعل تحته ثوبا لا يصفها) رواه أبو داود (4/ 64- 65). وهذه رواية تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر دحية الكلبي أن يرتدي قميصا، وأن تختمر امرأته من نفس القباطي الأبيض اللون، وأنه لم يفرق بين الرجل والمرأة في اللون الأبيض. مما دل على مشروعية ارتداء الأبيض من الثياب للجنسين، أي مشروعية اختمار النساء بالبياض، مما ينفي وجوب التزام النساء باللون الأسود من الثياب فقط، وأن التزامهن الأسود من الثياب بدعة محدثة تخالف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم نساء المؤمنين. وهذين النصين في وضوحهما وجلاءهما حجة في مشروعية بياض الثياب للنساء، في مقابل نص واحد حجته واهية في بيان لبس السواد للنساء، فلا يثبت أنه فرض، وكان هذا بعد نزول آية الأمر بالحجاب. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن، فاختمرن بها. ولأن حال الصحابيات رضوان الله عليهن (من المهاجرات خاصة) كان يغلب عليه الفقر، فلم يكن لديهن أي استعدادات مسبقة قبل نزول آية الحجاب لارتداء الخمار، فلم يجدن إلا مروطهن فشققنها واختمرن بها، وهذا كما نرى (لظروف عارضة)، حيث دفعتهن ضرورات الحياة إلى الخروج من بيوتهن، مما اضطرهن إلى التعجيل بالامتثال لأمر الله تعالى بارتداء الخمار، فلم يجدن إلا مروطهن. والمرط هو كساء من خز أو صوف أو كتان يؤتزر به أو تتلفح به المرأة، فلا يلبس المرط كخمار أو ثوب، لكن ارتداء الصحابيات المروط كان لظروف عارضة امتثالا لأمر الله تعالى، هذا إلى أن يتمكن من حياكة خمار مخصوص. وعليه؛ فعلى فرض أن المروط كانت سوداء اللون، وهذا اللون لم يثبت نصا، فعليه فإن سواد اللون كان صفة عارضة للخمار، والقاعدة الفقهية تقول: (الأصل في الصفات العارضة العدم)، أي أن سواد اللون صفة عارضة، لها حكم العدم، كما أن ارتداء المروط كان أمرا عارضا، وعليه لا يقوم بهذا النص دليل يحتج به على وجوب لزوم المرأة ارتداء الأسود من الثياب، وترك ما عداه من ألوان. فإن ثبت في السنة ارتداء السواد من الثياب للنساء فدل على مشروعيته لهن، لا على وجوبه، وأنه من المباحات، بينما خص اللون الأبيض بالفضل على سائر الألوان للجنسين. المصدر: https://bahaaeddinshalaby.wordpress....D8%A7%D8%B6-2/
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
البياض, ثيابكم, حجر, حصري: |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|