بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
منتـدى آخـر الزمـان  

العودة   منتـدى آخـر الزمـان > منتدى التاريخ والحضارة > تاريخ وحضارات إنسانية

تاريخ وحضارات إنسانية
             


               
 
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-30-2018, 08:49 PM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,833
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي النظام القبلي عند العرب في الجاهلية

النظام القبلي عند العرب في الجاهلية




بقلم: أ. محمد الخطيب* دمشق، سوريا

تُعدّ القبيلة الوحدة السياسية عند العرب في الجاهلية؛ ذلك لأنّ القبيلة هي جماعة من الناس ينتمون إلى أصل واحد وينحدرون من أب واحد. والواقع أنّ الذي يجمع أفراد تلك الجماعة في ما يسمى القبيلة إنما هو الشعور بذلك الانتماء، وهذا الشعور يدعى (العصبية).

يقول ابن خلدون: "العصبية هي النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم تهلكة. وتكون العصبية بين أهل النسب الواضح (القرابة الظاهرة) ومن صاهرهم، أي تزوج من نساء منهم أو تزوجوا هم من نسائه، أو ينتسب إليهم بالولاء (دخل في حمايتهم أو أصبح رقيقًا عندهم) أو الحلف (المعاهدة)"(1).

كان مجتمع شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام ينقسم إلى (عرب) وهم سكان المدن والمراكز الحضرية، وكانوا يسمّون "أهل المدر"، أي أصحاب البيوت المبنية و(الأعراب) وهم الذين يقطنون البادية، وكان يطلق عليهم "أهل الوبر"، أي الذين يعيشون في الخيام.

وبين البداوة والحضارة فَرْق أساسيّ واحد: يكتفي البدويّ بالضروريّ من أسباب المعاش، بينما يتوسّع أهل الحضر في أسباب الترف من المطاعم والملابس والمساكن. من هذا الفَرْق الأساسيّ تتفرّع جميع خصائص البداوة وجميع خصائص الحضارة المدنية بما في البداوة وفي الحضارة البدوية من المحاسن والمساوئ(2).

لقد نظر أكثر المؤرخين إلى وضع المجتمع العربيّ في الجاهلية فوجدوه مفكَّكًا سياسيًّا ينقسم إلى وحدات متعدّدة، قائمة بذاتها، تمثّلها القبائل المختلفة، ووجدوا أنّ العصبية القبيلة هي التي قضت على فكرة الترابط السياسي(3).

ووجد آخرون أنّ سعة الأرض في الجزيرة وقسوة الطبيعة وصعوبة المواصلات وتفشّي البداوة، منعت نشوء دولة موحَّدة، وأبطلت التنظيم السياسيّ الصحيح(4).

وعاب غيرهم على العرب الجاهليين افتقاد النـزعة أو الشعور بالقومية الشاملة، وبرّر ذلك بقوله: إنّ وعيهم السياسيّ كان ضعيفًا محدودًا لا يتجاوز القبيلة أو القبائل المنتمية إلى الجد المشترك"(5).

وهناك من وجد في النظام الاقتصاديّ السبب المباشر: "...ولقد أثّر النظام الاقتصاديّ في النظام السياسيّ والاجتماعيّ. فقد كانت القبيلة هي أساس المجتمع بدلاً من الدولة. فهي المجتمع الأكبر بالنسبة لأهل البادية. فليس فوقها مجتمع عندهم، وهي في معنى شعب عندنا الآن"(6).

إنّ وجهات النظر هذه نابعة من تطبيق المفاهيم السائدة في المجتمع المعاصر ومحاولة النظر من خلالها إلى المجتمع الجاهليّ. فالترابط السياسيّ وليد عملية تطوّر تاريخية طويلة طرأت على العلاقات الاجتماعية التي ربطت فيما بين أطراف مجتمع معيّن. تلك العلاقات الاجتماعية التي كانت تتطوّر باستمرار مع تطوّر القوى المنتجة التي اقتضت في النهاية، وتحت وطأة الضرورات الاقتصادية والاستهلاكية والإنتاج، توحيد المجتمعات؛ فوجد آنذاك الترابط السياسيّ.

لقد أظهرت "شابيرا" أنّ الحقيقة الأولى والأساسية في الفكر السياسيّ في المجتمعات القبلية هي أنّ قرابة الدّم هي الأساس الوحيد للأمّة في تلك المجتمعات؛ فالذي يقول بترابط سياسيّ وينطلق أساسًا من فكرة الحيّز الجغرافيّ المحدود موغل في الوهم؛ لأنّ هذه الفكرة لم تكن معروفة بعد. والفَرْق إذن بين الجماعة البدائية والجماعة المتحضرة هو أنّ الفرد في الجماعة الأولى يتقمّص شخصية الجماعة عن طريق "النسب" و"قرابة الدّم"، في حين أنه في الثانية يجعل حدود شخصيته ضمن ارتباطه بأرض معيّنة(7).

إنّ كل تنظيم سياسيّ هو تنظيم تفرضه طبيعة المرحلة التي يمرّ بها المجتمع ودرجة تطوّرها. وكما يقول مورغان في مؤلفه "المجتمع القديم": "التنظيم الاجتماعيّ أو المجتمع موجود عند كافّة الجماعات البشرية، ولكنّ أسسه تختلف من جماعة إلى أخرى حسب درجة تطوّرها، مادّيًّا، واجتماعيًّا. فعند الجماعات البربرية والبدوية يقوم هذا التنظيم على أساس من البطون والعشائر. والسلطة في هذا النظام تتعامل مع الناس على اعتبارهم أعضاء ينتمون إلى نسب أو قرابة واحدة. أمّا في الجماعات المتحضرة فإنّ التنظيم الاجتماعيّ يرتكز على نظام عامّ هو التنظيم السياسيّ أو الدولة. ومن أهمّ أُسسها توفّر الأرض المعنية والملك أو التملّك. وتتعامل السلطة مع الناس، في إطار كهذا، كسكان في وحدة إقليمية كالبلدة أو البلد أو الدولة"(8).

العصبية القبلية:
إنّ رابطة العصبية -عند العرب في الجاهلية- هي شعور التماسك والتضامن والاندماج فيما بينهم، وهي على هذا النحو مصدر القوة السياسية والدفاعية التي تربط بين أفراد القبيلة، وتعادل في وقتنا الحاضر الشعور القوميّ عند شعب من الشعوب(9).

نستنتج مما تقدّم أنّ الجاهلية مرحلة من مراحل التطور التاريخيّ اقتضت أن تكون "القبيلة" هي وحدة التنظيم السياسيّ والاجتماعيّ في العصر الجاهليّ عند العرب في الحواضر والبوادي، يعزّز ذلك ويفرضه إيمان العرب بالنَّسب وقرابة الدّم. هذا الإيمان كان المبدأ الذي يحدّد علاقات الناس ويرسم لهم الإطار الماديّ والاجتماعيّ الذي سيعيشون داخله. فلم يكن مقبولاً اجتماعيًّا أن يبقى الفرد دون انتماء قبليّ أو خارج إطار القبيلة. وسبّب هذا الأمر مشاكل اجتماعية بالنسبة للذين كانت تخلعهم قبائلهم من عضويتها فتحوّلوا إلى "صعاليك" لا يجدون الإطار الاجتماعيّ الذي يمكنهم من العيش ضمنه. فامتهنوا قطع الطُّرُق والغزو والسلب. وكذلك كانت مشكلة "الأدعياء" الذين قبلتْ بعض القبائل التحاقهم بها، لكن استمرت النظرة الاجتماعية إليهم على اعتبار واحدهم دعيًّا، ولا يخفى ما في ذلك من مهانة وإذلال.

مجتمع شبه الجزيرة العربية كان إذن مجموعة من مجتمعات القبائل، كل منها يشكّل مجتمعًا قائمًا بذاته، مستقلاًّ في إدارة شؤونه ومعيشته وحكمه. يبد أنّ هناك جامعًا مشتركًا واحدًا بينها هو نمط تنظيمها الداخليّ. إنّ هذا التنظيم هو نفسه، يتكرّر عند كل القبائل مما يجعلها وحدات منفصلة ماديًّا فيما بينها، لكنها منسجمة التكوين الداخليّ، متشابهة الأوضاع، الحديث عن أيّ منها يسمح بالتعميم والإلمام بالوضع الاجتماعيّ في الجزيرة العربية كلها(10).

والقبيلة في البادية دولة صغيرة، تنطبق عليها مقوّمات الدولة، باستثناء الأرض الثابتة التي تحدّد منطقة نفوذها؛ فمن المعروف أنّ أهل الوبر لم تكن لهم أوطان ثابتة بسبب تنقّلهم الدائم وراء مصادر العشب والماء، وكان ضيق أسباب الحياة في الصحراء حافزًا لهذه القبائل المتبدّية على التنقّل والترحّل، كما كان سببًا في تمسّكهم بالعصبية التي أملتها الظروف الصعبة المحيطة بهم.


وبفضل العصبية أمكن لهذه القبائل أن تدافع عن كيانها، والتغلب على غيرها، لتضمن لنفسها موردًا لحياتها. ولذلك كانت حياة القبائل المتبدّية صراعًا دائمًا، والصراع هجوم ودفاع؛ فالهجوم يتمّ بقصد الحصول على مزيد من الرزق، والدفاع يقومون به للحفاظ على وجود القبيلة، والدفاع والهجوم يتطلّبان التكتّل والدخول في أحلاف مع القبائل الأخرى. ولهذا اعتُبر قانون البادية قانون الغاب، وقوامه "الحق في جانب القوة"، فمن كان سيفه أمضى وأقوى، كانت له الكلمة والغلبة وكان الحق في جانبه(11).

وكما ذكرنا، فإنّ أساس النظام القبلي هو "العصبية" سواء أكانت عصبية للأهل والعشيرة أم لسائر فروع القبيلة. ومن شروطها أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألّب لهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين، فليس له أن يتساءل أهو ظالم أم مظلوم.

وتلزم العصبية أبناء القبيلة بوجوب تحمّل التبعة والقيام بواجبها وتلبية ندائها، فهي إذن مسؤولية جماعية؛ فإذا قُتل أحد أشخاصها فعليها تقع تبعة قتل القاتل، باعتبار أنّ الدّم لا يغسله إلاّ الدّم. كما يقع عليها دفع الدِّية إذا عجز القاتل أو أهله عن دفعها، ومن هنا خضعت فردية العربيّ المتطرّفة لقانون الجماعة ولسلطان العصبية، فصار واجبًا عليه أن يضع نفسه تحت إمرة القبيلة. وتشمل العصبية كل منتمٍ إلى القبيلة من الأحرار، أي الأبناء من الخلّص الصرحاء، والموالي، وكل مملوك من الرقيق، كما تشمل كذلك أهل الولاء والجوار(12).

والعصبية عند العرب نوعان:
1- عصبية الدّم: وهي أساس القرابة في البيت الواحد، ومصدر الترابط الوثيق بين أفراد القبيلة كما لو كانت أسرة.

2- عصبية الانتماء إلى جدّ مشترك: من نسله تكوّنت القبيلة أو القبائل المنتمية إليه. وعلى هذا النحو لم تكن للمجتمع الجاهليّ نزعة قومية شاملة؛ لأنّ الوعي السياسيّ فيه كان ضيّقًا محدودًا لا يتجاوز حدود القبيلة أو حدود القبائل المنتمية إلى الجدّ، فقوميتها قومية ضعيفة، وجنسيتها جنسية النَّسب، من انتمى إليها بِنَسب كان منها، ومن لم يمتّ إلى نَسبها عُدّ غريبًا عنها، فلا تشمله العصبية(13).

وكان النظام القبليّ أيضًا دعامة الحياة السياسية في الممالك العربية والإمارات التي قامت في جنوب جزيرة العرب، وفي حواضر الحجاز، وفي الإمارات العربية على تخوم الشام والعراق، فلم تنصهر القبائل التي نزلت في هذه المدن في شعب واحد، كالشعب الروماني أو الشعب الفارسي، وإنما ظلت تحتفظ بتنظيمها القبليّ، على الرغم من اختلاط أنسابها وتداخل شعوبها، بحكم اختلاطها بغير العرب ممن لا يعتبرون المحافظة على النَّسب في بيوتهم وشعوبهم. ومع الإيقان بأنّ الشعوب القديمة قد عاشت في وحدات جنسية يجمع بين أفرادها النَّسب الواحد، فإنّ تلك الوحدات قد تخلخلت بعوامل مختلفة:

أ- بالزواج: فقد يتزوج رجل من قبيلة امرأة من قبيلة أخرى. وقد يتزوج الرجل امرأة من شعب غير عربيّ، فإنّ عمرو بن شداد اتخذ جارية حبشية أو زنجية فولدت له عنترة. ومع أنّ عمرًا لم يعترف بعنترة من الناحية الحقوقية (الحق بالزواج من عربية، والحق بنصيب من الغنائم، إلخ)، فإنّ عنترة كان عَبْسيًّا في النَّسب، ذلك لأنّ المدرك الجاهليّ النسب إنما هو الأب وحده، أمّا الأمّ فكانت عند الجاهليين وعاء للولد لا أثر لها في جنسه. فأبناء الأمهات الفارسيات من الآباء العرب عرب.

ب- بالنقلة: قد ينقل رجل نسبه من قبيلة إلى قبيلة، فقد كان ذلك جائزًا. ولم يكن نادرًا.

ج- بالاستلحاق: قد يكون لقبيلة عبد من العرب أو من غير العرب فيزوجوه امرأة من نسائهم فيصبح بعد مدة معروف النَّسب فيهم. وقد يكون لرجل عربيّ جَوارٍ غير عربيات فيلِدْن له، فربما ألحق أولاد تلك الجواري بنسبه وربما لم يلحقهم. وقد يُلحق أحدهم بنَسبه ولدًا له من غير زواج شرعيّ.

د- بالولاء: قد يحتاج رجل إلى حماية فيلجأ إلى قبيلة قويّة فتحميه فيصبح مولى لها. ثم يدخل نَسبه مع الأيام في نَسبها.

هـ- بالحلف: قد يتحالف فريقان من قبيلتين مختلفتين ويتعايشان ثم يصبحان مع الأيام كأنهما من قبيلة واحدة، ويدخل نَسب الفريق الأضعف في نَسب الفريق الأقوى(14).

وقد أشارت كتب اللغة إلى جماعة من الموالي والعبيد تعرّبت واستقرّت فصارت من العرب، وكانت من الرقيق المشترى من الخارج. وقد ضاعت أنساب جماعات كثيرة غيرهم بامتزاجها بالعرب ودخولها فيهم فصاروا في عداد العرب الصرحاء، وأوجدوا لهم نسبًا هو نسب من اختلطوا بهم وانتسبوا إليهم بالولاء. وقد نُسِّي ذلك الولاء بمرور الزمان وتقادم العهد فأصبح نسبًا وأصلاً.


من أجل ذلك كله يحسن أن نعلم أنّ النَّسب في حقيقته أمر عرفيّ أكثر منه أمرًا طبيعيًّا، وأنّ الذي يجمع بعض أفراد القبيلة إلى بعض إنما هو الشعور بالصلة وفائدة التعاون على تحصيل الرزق وردِّ العدوِّ ونيل الحكم حينما يكثر عدد أفراد القبيلة وتزداد قوّتها، هذا الشعور في سبيل هذه الأهداف يسمّى (العصبية)(15).

كان ابن القبيلة يعتزّ بنسبه اعتزازًا كبيرًا؛ إذ إنه هو الذي يحدّد هويته، فبدونه يتحوّل إلى "دعيّ" وهو من ينتسب إلى غير قبيلته أو قومه، وندر أن اعتزّت أمّة بأنسابها مثل العرب، ومن ثم يمكن الجزم بأنّ النَّسب "ملمح" عربيّ أصيل ينفرد به العرب دون سائر الناس. وقد تخصص بعض الأشخاص في هذا النوع من الفن، فن حفظ الأنساب، وكانت لهم مكانة مهابة، منهم أبو بكر الصديق  الذي اختير عضوًا في حكومة الملأ (ملأ قريش) وتولى "الأشناق"، وهي الدِّيات والمغارم، بسبب أنه كان "نسّابة" أي عالم بالأنساب، ومن ثم كان في مقدوره تحديد الدِّيات والمغارم حسب مكانة المجنيّ عليه وما إذا كان محضًا أو حليفًا أو لصيقًا أو زنيمًا...إلخ، ومعرفة الجاني ومكانه من القبيلة التي ينتمي إليها؛ وحول النسب تحلّقت الظواهر الاجتماعية مثل الخلع والولاء والحلف...إلخ، كذلك تترتب على النَّسب آثار اجتماعية لا يمكن التهوين من شأنها: منها الميراث، وتحديد مكانة الفرد في القبيلة، فإن كان لصيقًا أو زنيمًا فلا يحقّ له أن يشارك في "مجلس القبيلة" أو يتولى رئاستها، وأيضًا الكفاءة في الزواج، فالمولى لا يحقّ له الزواج من امرأة ذات نَسب صريح. ونشير هنا إلى أنّ هذه الكفاءة انتقلت إلى الفقه الإسلامي فلا يجوز لغير الهاشميّ أن يتزوج هاشمية، وكذا تحديد المهور؛ إذ إنّ مهر العربية الصريحة يفوق بما لا يقاس مهر غيرها.

ومن منظور النَّسب تضم القبيلة ثلاثة أصناف:
1- صرحاء النَّسب، وهم طبقة الأشراف، وهم يتفاوتون في الشرف بتفاوت بيوتهم في الحسب.

2- الموالي أو اللصقاء، أو الملتصقين بالقبيلة بواسطة الجوار أو الحلف أو الاصطناع.

3- العبيد المسترقّين، وهم في الغالب أسرى الحروب والغارات.

فالنَّسب الشريف الصريح إذا انضافت إليه الخلال الحميدة تحقق معنى الحسب، وكلاهما من شروط الرئاسة والسؤدد في مجتمع شبه الجزيرة العربية، وقد فطن القرشيون إلى ذلك من وقت مبكّر، فبجانب نسبهم الصريح الشريف حرصوا أشدّ ما يكون الحرص على اكتساب الخلال الحميدة والسجايا الرفيعة والأخلاق العالية والصفات الممتازة، فتحقق لهم الحسب المنيف.

وتحفظ لنا كتب السيرة الألقاب التي كانت تُطلق على مؤسسي "دولة قريش" والتي تقطع بأنهم كانوا يتمتعون بنَسب شريف وحسب منيف أهّلهم لما وصلوا إليه من مجد، فقد كان "هاشم" من أحسن الناس وأجملهم وكانت العرب تسمّيه "قدح النضار" و"البدر"، وكان أخوه "المطلب" بن مناف ذا شرف في قومه وفضل، وكانت قريش إنما تسمّيه الفضل لسماحته وفضله، وكانوا يسمّون بني عبد مناف بـ"المغيرات" مدحًا لهم وتعظيمًا.

أمّا عبد المطلب الجدّ المباشر لمحمد صلى الله عليه وسلم فقد تعدّدت ألقابه، فهو "الفياض" و"الفضل" و"مطعم الطير" و"شيبة الحمد": بنو شيبة الحمد الذي وجهه يضيء ظلام الليل كالقمر البدر.

وهكذا تكامل في قيادات قريش النَّسب الشريف والحسب الرفيع مما لم يتح لأيّ قبيلة أخرى من قبائل العرب وكان ذلك أحد الدعامات البارزة التي أسهمت في ترسيخ الدولة التي أقامها الحفيد محمد صلى الله عليه وسلم في يثرب(16).

سيّد القبيلة:
ويأتي على رأس القبيلة شيخها، وشيخ القبيلة رئيس بالعصبية، أي أنّ القبيلة هي التي تختار من أفرادها رجلاً تقدّمه للرئاسة عليها ثم تطيعه بإرادتها وتطوّعًا منها. والمفروض أن يكون شيخ القبيلة، كما تدلّ كلمة "شيخ" كبيرًا في السن. فإذا كان صغير السن ثم اتفق أن كانت له حكمة وشجاعة وثروة مضافة إلى شرف أصل قدّمته قبيلته للرئاسة. ومصداق ذلك قول الخنساء ترثي أخاها صخرًا:

طويل النجاد رفيع العماد
يحمّلـه القوم ما عالهـم سـاد عشيرته أمـردا
وإن كان أصغرهم مولدا

والواقع، كما يبدو من أبيات الخنساء أيضًا، أنّ الرئيس بالعصبية (شيخ القبيلة) لم يكن يتناول من قبيلته مالاً، بل كان هو يقوم عن المحتاجين بما كان المحتاجون يعجزون عن القيام به، يُطعم الفقراء منهم ويدفع الدِّيات عن الذين لا يملكون ما يدفعونه، إذا وجبت عليهم دية.

أمّا الامتياز الذي كان شيخ القبيلة يتمتع به فهو أنه كان حَكمًا في المنازعات وكان حُكمه نافذًا على الجميع.

والمفروض أيضًا أن يكون شيخ القبيلة قائد القبيلة في الحرب ولسانها في السلم وشاعرها، كعمرو بن كلثوم؛ ولكن قد يتفق أن يكون في القبيلة أبطال يأخذون في الحرب مكان شيخ القبيلة.

إنّ عنترة لم يكن سيّد بني عبس، ولكنه كان شاعرهم وفارسهم وبطلهم وقائدهم في الغزوات والمعارك. وكذلك يتفق أن يكون في القبيلة شعراء وخطباء يحملون عن شيخ القبيلة أعباء التغنّي بمحامدها والدفاع عنها والنطق بلسانها، كالحارث بن حِلِّزة(17).

لذلك كان للشاعر شأن كبير في حياة القبيلة ومنـزلة، وكان إذا نبغ في إحدى القبائل شاعر أتت القبائل فهنّأتها بذلك. كذلك كان للخطباء أثر كبير في الدفاع عن القبيلة، وفي تعظيمها عند غيرها، أو دفعها إلى الحرب، ففصاحة الخطيب، وقدرته على الإقناع تدفع الناس إلى الانقياد إليه والامتثال لأوامره، والناس في الجاهلية كانوا أحوج إلى ما يستنهض هممهم، ويفتح أعينهم، ويقيم قاعدهم، ويشجّع جبانهم، ويشدّ جنانهم، ويثير أشجانهم، ويستوقد نيرانهم، صيانة لعزّهم أن يستهان، وتشفِّيًا بأخذ الثأر، وتحرّزًا من عار الغلبة وذلّ الدمار، فكانوا أحوج إلى الخطيب بعد الشِّعر لتخليد مآثرهم وتأييد مفاخرهم(18).

وكان العرف يقرّ لسيِّد القبيلة ببعض الحقوق، كما كان يلقي على عاتقه بعدد من الواجبات. فمن حقوق سيِّد القبيلة من الغنائم التي تغنمها القبيلة في حروبها مع القبائل الأخرى:

1- المرباع: وهو حقّ سيِّد القبيلة في الحصول على ربع جميع الغنيمة. ولا شكّ أنّ المرباع كان يشكّل موردًا ماليًّا مهمًّا لسيِّد القبيلة، يعينه في الوفاء بالتزاماته المالية المتعددة.

2- الصفايا: وهي ما يصطفيه سيِّد القبيلة لنفسه من الغنيمة من فرس أو سلاح أو جارية أو غير ذلك من الأموال، قبل القسمة كالسيف اللهذم، والفرس العتيق، والدرع الحصينة، والشيء النادر.

3- النشيطة: وهي أنه كان للرئيس أن ينشط عند قسمة المتاع فيأخذ العلق النفيس يراده إذا استحلاه. وقيل إنّ النشيطة هي ما أصاب الرئيس في الطريق قبل أن يصير إلى بيضة القوم.



4- الفضول: وهي فضول المقاسم، فقد يتبقّى بعد القسمة شيء لا تمكن قسمته، فيؤول إلى سيِّد القبيلة. كاللؤلؤة والسيف والدرع والبيضة والجارية، وغير ذلك(19).

وقد جمع أحد شعراء الجاهلية هذه الحقوق في بيت واحد من الشعر:

لك المرباع منها والصفايا **** وحكمك والنشيطة والفضول

وإذا كان من حقّ شيخ القبيلة أن يكون حُكمه نافذًا على جميع أفراد قبيلته إلى جانب امتيازاته الأخرى التي ذكرناها فقد كان من النادر أن يستبد في حُكمه وفي رئاسته للقبيلة؛ لأنه كان مضطرَّا إلى مبايعة أهل الرأي في القبيلة. فسيِّد القبيلة لم يكن يتمتّع بسلطة إصدار قواعد قانونية ملزمة، فلم تكن له في الأغلب، سلطة تشريعية أو سلطة تنفيذية ذات بال.

وكذلك لم يكن سيِّد القبيلة يتمتّع بسلطة قضائية؛ فالقضاء كان بين يدي حكّام يختارهم الخصوم، ولم تكن قراراتهم تنفّذ بالقوة، بل كان المحكوم ضدّه يقوم بتنفيذها طواعية. وكان من الحكمة الالتجاء إلى سيِّد القبيلة بوصفه حَكَمًا، لكنه في هذه الحالة لم يكن يتمتّع بأكثر مما يتمتّع به غيره من الحكّام، فلم تكن له سلطة تنفيذ قراراته جبرًا. وكانت سلطته تعتمد، في الدرجة الأولى، على ما يتمتّع به من مكانة وما يحظى به من احترام وتبجيل.

وكانت وسيلته إلى تحقيق مشيئته هي الإقناع أكثر من الإجبار، والتأثير الشخصيّ أكثر منه القوّة المادية. وفضلاً عن ذلك فإنّ رئيس القبيلة لم يكن ينفرد باتخاذ القرارات في المسائل المهمّة أو المصيرية، بل كان ملزمًا بدعوة زعماء العشائر والشخصيات البارزة في القبيلة إلى مجلس يناقشون فيه المسائل المطروحة، ويتخذون في شأنها ما يشاؤون من قرارات، ولم يكن هذا المجلس مجرّد مجلس استشاريّ، وإنما كان مجلسًا له وزنه وثقله. ولم يكن في وسع سيِّد القبيلة تجاهل هذا المجلس، واتخاذ قرار مغاير لما استقرّ عليه الرأي فيه. بل إنّ سيِّد القبيلة لم يكن يتمتّع في هذا المجلس بأكثر مما كان يتمتّع به غيره من الأعضاء. وكان سيِّد القبيلة بوصفه رئيسًا ينوب عنها في علاقاتها بالقبائل الأخرى. فهو الذي يرسل الوفود إلى سادات القبائل الأخرى في المناسبات المختلفة لعقد حلف، أو تفاوض، أو التهديد بحرب، أو للتهنئة أو التعزية، وما شاكل ذلك من أمور(20).

الأحـلاف:
ومن الاتحادات التي كانت تجمع القبائل اتحادات "الأحلاف" ويُظنّ أنّ هذه الاتحادات لعبتْ دورًا كبيرًا في تكوين القبائل؛ إذ كانت تنضمّ العشائر الضعيفة إلى العشائر القوية الكبيرة لتحميها وتردّ العدوان عنها؛ يقول البكري: "فلمّا رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفُرقة وتنافس الناس في الماء والكلأ، والتماسهم المعاش في المتّسع، وغلبة بعضهم بعضًا على البلاد والمعاش واستصفاف القويّ الضعيف، انضمّ الذليل منهم إلى العزيز، وحالف القليل منهم الكثير، وتباين القوم في ديارهم ومحالّهم، وانتشر كل قوم فيما يليهم"(21).

وبمجرّد أن تدخل القبيلة في حلف يصبح لها على أحلافها كل الحقوق، فهم ينصرونها على أعدائها ويردّون كيدَهم عنها في نحورهم. وقد تنفصل بعض قبائل الحلف لتنضمّ إلى حلف آخر يحقِّق مصالحها، ومن ثم كنا نجد دائمًا أحلافًا تضعف، وتحلّ محلّها أحلاف أخرى. وقبائل قليلة لم تدخل في أحلاف، ولذلك سميت "جمرات العرب"، لما كان فيها من شجعان يكفونها في الحروب؛ على أنّ هذا كثيرًا ما كان يؤول بها إلى أن تنهك في المعارك. أمّا القبائل المتحالفة فكانت تُهاب لخشونة مسنِّها. وأصل الحلف والتحالف من كلمة (الحلف) بمعنى اليمين الذي كانوا يقسمونه في عهودهم، وكانوا يغمسون أيديهم في أثناء عقد أحلافهم في طِيب أو في دم، وكانوا يقولون: الدّم الدّم، والهدم الهدم، لا يزيد العهد طلوع الشمس إلاّ شدّا وطول الليالي إلاّ مدّا. وربما أوقدوا النار عند تحالفهم، ودعوا الله على من يحنث بالعهد بالحرمان من منافعها. ويقال إنّ قبائل مرّة بن عوف الذبيانيين تحالفت عند نار ودنوا منها حتى محشتهم (أحرقتهم) فسمّي حلفهم باسم المحاش. ومن الأحلاف المشهورة في مكة حلف "المطيبين"؛ وقد تعاقد فيه بنو عبد مناف وبنو زهرة وبنو تيم وبنو أسد ضد بني عبد الدار وأحلافهم، ويقال إنهم غمسوا أيديهم في جفنة مملوءة طِيبًا.

وأكرم من هذا الحلف (حلف الفضول) وفيه تحالفتْ قبائل من قريش على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا إلا نصروه وقاموا معه حتى تردّ عنه مظلمته.

ومن أحلاف العرب المشهورة (حلف الرباب)، وهم خمس قبائل: ضبة وثور وعُكل وتيم وعدي، وحلف عبس وعامر ضدّ ذبيان وأحلافها من تميم وأسد، وحلف الحُمْس بين قريش وكنانة وخزاعة.

وكان لهذه القبائل جميعًا المتحالفة وغير المتحالفة مجلس يضمّ شيوخ عشائرها، وهو ندوتهم التي ينظرون فيها شؤون قبيلتهم(22).

المـلأ والنـادي:
من المعروف أنّ مجتمع الحواضر كان ينقسم إلى قسمين:


1- القبيل أو الجماعة، وهم جمهور القبيلة وعامتها.

2- الملأ وهم علية القوم وأشراف القبيلة وكبار أعيانها، وهم السادة والكبراء؛ وهؤلاء الملأ هم الطبقة التي تكون حول الملك يأخذ الملك برأيهم ويقتدي القوم بهم أو يخضعون لنفوذهم.
والنادي والندوة والمنتدى والندي مجلس القوم الذي يجتمع فيه الملأ لتصريف شؤون البلاد أو شؤون القوم (القبيل).

وكان نادي أهل مكة يُدعى (دار الندوة)، فيما جاء في الأخبار. أمّا في القرآن الكريم فإنّ اسمه (النادي)(23).

ويبدو أنه كان لكل مدينة وكل قبيلة ناد على مثال نادي قريش في مكة. ووصول الملأ إلى النادي وتصريفهم للأمور لا يجريان على نهج مرسوم ولا على قانون موضوع. إنّ دخول النادي أمر عشائريّ: كلما عظم شأن رجل بالجاه أو الغنى أو بالبطش دخل إلى النادي وأصبح من الملأ الذين يحكمون قومهم. وطريقة الحكم في النادي عشائرية: يحكم الملأ كما يتفق لهم أن يشاؤوا، يحكمون على حسب ما يرون من المصلحة أو على هواهم. وليس من الضروريّ أن يجتمع الملأ في النادي ليتفقوا على ما يجب فعله، بل قد يفصل أحدهم في أمر ما، في النادي أو في السوق أو في بيته، ثم لا يجد من يخالفه من رفاقه لأنهم كلهم يسلكون هذا السبيل. والنادي ليس دارًا للحُكم فقط، بل لجميع الشؤون: فيها يجري إعلان الحرب، ومنها يبدأ سير المحاربين إلى المعركة، وفيها يعقد زواج كل رجل وامرأة، وفيها تدرّع الفتيات إذا بلغن سِنّ الحلُم (يشقّ عنها ثوب الطفولة ثم تُكسى ثوب النساء)(24).

كان الملأ هو الأداة الحكومية الوحيدة في مكة قبل الإسلام، وهو عبارة عن مجموع يضمّ رؤساء جميع بطون قبيلة قريش ورجال الوجاهة فيها. وسلطة هذا المجمع سلطة أدبية وليس له أيّ قوّة تنفيذية، وذلك لأنه من ناحية المبدأ كان لكل بطن استقلاله وحريته في التصرف. وبذلك لا تكون أوامر "الملأ" نافذة إلاّ إذا كانت بالإجماع وبرضى رؤساء جميع البطون بما فيهم البطن موضع المشكلة. أمّا إذا كانت أوامر الملأ غير موافق عليها جماعيًّا فإنّ تنفيذها يرجع إلى حرية البطون ومدى موافقتها على قرار الملأ. وكانت قوة مكة مستمدة إلى حدٍّ بعيدٍ من استطاعة قادتها على الاتفاق على رأي موحَّد حيال الأزمات التي تتعرّض لها، ومقدار ما يقدّمه المخالفون من تنازلات إزاء الصالح العامّ.

وإلى جانب الملأ وهو المجلس المركزيّ للقبيلة بكاملها، كانت هناك مجالس خاصة بالعشائر أو البطون، وتجتمع هذه المجالس لمناقشة القضايا الخاصة، كما حدث مثلاً حين دعا أبو طالب بني هاشم وبني المطلب ليقفوا صفًّا واحدًا في نصرة محمد  حين آذته بقيّة بطون قريش واعترضت على دعوته. ولهذه المجالس أماكن للاجتماع وتدعى بالنوادي(25).

وكان مجلس الملأ يُعقد في دار الندوة التي أنشأها قصيّ بن كلاب، قرب الكعبة، وكان يتمّ فيها البتّ في جميع الشؤون العامّة من تجارة وحرب، وعقد المعاهدات والاتفاقات وتجهيز القوافل. كذلك كان يتمّ في هذه الدار كثير من الأمور الخاصة كعقود الزواج والاحتفال ببلوغ البنات سِنّ الحلم. وما عدا أبناء قصيّ كان لا يدخل دار الندوة من قريش إلاّ من بلغ سِنّ الأربعين.


ويتفرّع عن رئاسة قريش ويتصل بها بعض الوظائف المهمة، وكانت هذه الوظائف كلها في الأساس من اختصاص قصيّ، وقد قرر قصيّ قبل أن يتوفّى أن يعهد بوظائفه كرئاسة دار الندوة واللواء والسقاية والحجابة والرفادة إلى ابنه الأكبر عبد الدار. وفعلاً فقد قام عبد الدار بهذه الوظائف كلها بعد وفاة أبيه وخلفه فيها أبناؤه. وقد نازعهم عليها أولاد عمّهم عبد مناف، وكان ينشب قتال مرير بين الطرفين اللذين تمثّلا في حلف المطيبين، ولعلاقة الدّم التي تربط بين الطرفين اللذين انتهيا إلى الاتفاق على أن تكون لبني عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء ودار الندوة إلى بني عبد الدار.

وكان عبد شمس بن عبد مناف الذي آلت إليه السقاية والرفادة فقيرًا كثير العيال فتنازل عن هاتين الوظيفتين لأخيه هاشم الذي كان موسرًا يستطيع الاضطلاع بنفقاتهما. ولم تزل دار الندوة في يد بني عبد الدار حتى باعها عكرمة ابن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ إلى معاوية دارًا للإمارة.

ويجدر بنا عند هذا الحدّ من حديثنا أن نتوقف قليلاً لنتعرّف على المهامّ المتعلقة بهذه الوظائف والواجبات الملقاة على المسؤول عنها؛ لأنها جميعًا ذات صلة بالرئاسة السياسية لمكة، ولأنها انبثقت من المركز الدينيّ المهمّ لهذه المدينة بالنسبة لعرب الحجاز(26).

1- الحجابة: كان القائم بالحجابة يمتلك مفاتيح الكعبة، فهو الذي يأذن للناس بالدخول إليها، ولا تقام شعائر دينية إلاّ بإذنه. وليس هناك من دليل على أنه كان يفترض فيمن يقوم بها أن يكون عالمًا بالشؤون الدينية أو له صفة الكهانة. وقد أخذ قصيّ الحجابة من خزاعة وسلّمها بعده لابنه عبد الدار ومن بعده لأبنائه.

2- الرفادة: ويقول عنها الطبري ما يلي: "خَرْجٌ تُخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصيّ بن كلاب، فيصنع به طعامًا للحُجّاج يأكله مَن لم تكن له سعة ولا زاد ممن يحضر الموسم؛ وذلك أنّ قصيًّا فرضه على قريش فقال لهم حين أمرهم به: يا معشر قريش، إنكم جيران الله وأهل بيته الحرام، وإنّ الحجاج ضيوف الله وزوار بيته، وهم أحقّ الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعامًا وشرابًا أيام هذا الحج حتى يصدروا عنكم. ففعلوا، فكانوا يُخرجون لذلك كل عام من أموالهم فيدفعونه إليه فيصنعه طعامًا للناس أيام منى. فجرى من أمره على قومه في الجاهلية، حتى قام الإسلام، ثم جرى في الإسلام إلى يومك هذا، فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى حتى ينقضي الحج"(27). فكان كل إنسان يدفع مقدارًا من المال من أجل طعام الرفادة يتناسب وثروته. وكانت هذه الوظيفة، كما ذكرنا، لبني عبد الدار ثم آلت إلى هاشم.

3- السقاية: وهي جمع الماء من آبار مكة المختلفة وحمله على الإبل في المزاود والقِرَب وسكبه في حياض من أدم توضع في فناء الكعبة فيراه الحجيج ويستقون منه.

وكان قصيّ قد حفر بمكة آبارًا عديدة لحلّ أزمة مياه الشرب التي كانت تشكو منها مكة، وسار على سنّته في حفر الآبار وتقصّي مواقع المياه هاشم بن عبد مناف الذي آلت إليه السقاية إلى جانب الرفادة من بعده. ولم يزل يقوم بهذه الوظيفة حتى مات، فقام بها من بعده ابنه عبد المطلب الذي حفر بئر زمزم التي أصبحت مشرب الحجاج. ولبث عبد المطلب يسقي الناس حتى توفي فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب. وكان للعباس كرْم بالطائف يأخذ زبيبه ويضيفه إلى ماء زمزم لسقاية الحجاج(28).

4- اللواء: وليس لهذه الوظيفة صبغة دينية، بل تتعلق بشؤون الحرب. واللواء هو العلم الذي يحمل في المعارك ويدافع عنه أفراد القبيلة حتى الموت. وكان اللواء لبني عبد الدار، وقد قُتل سبعة منهم وهم يدافعون عنه أثناء غزوة أحد(29).

المصدر:
https://www.harthi.org/?articles=%D8...84%D9%8A%D8%A9





رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-25-2018, 06:10 PM
بودادو
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

نذكر أيضا السجون والدور المهم التي لعبته كمؤسسات عقابية لها تاريخ قديم، ذكر السجن في القرآن الكريم في قصة النبي يوسف عليه السلام، وجاء ذكرها في الشعر الجاهلي.

عرف أهل المدر السجون في العصر الجاهلي [1] ذُكرت على لسان العديد من الشعراء الجاهليين اللذين سجنوا وقتها.

بالنسبة لمكة ، قيل أنه كان لسيد الأسرة مكانا في البيت، يعده خصيصا لحبس المخالفين وغلّهم بالسلاسل[2]، أما في اليمن فقد عرف سكانه السجون منذ القدم، وكانت هذه الأخيرة تُبنى داخل قلاع الملوك والحصون[3].

نلاحظ في الموروث التاريخي أنه كلما اقتربنا من العهد النبوي كلما زادت بدائية المعيشة في شتى المجالات ومنها السجون؛ إذ جاء ذكرها كمنشئات عقابية؛ في العصر الجاهلي وفي ''عصر الخلفاء'' وما بعده، أما في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نجد لها ذكرا، ووردت روايات عن حبس متهمين في المسجد والدهاليز وبيوت الصحابة [4] وكذلك أماكن لحبس النساء[5].

_________________

[1] السجون وأثرها على الآداب العربية من العصر الجاهلي إلى نهاية العصر الأموي- د.واضح الصمد- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- بيروت - الطبعة الأولى سنة 1415هـ-1995 م صفحة 15.
[2] نفسه صفحة 19 و 20.
[3] نفسه صفحة 20.
[4] مجلة المجمع العدد 8 - بقلم هاني أبو الرب- 1436هـ-2014م صفحة 304، و د.واضح الصمد المرجع السابق صفحة 27.
[5] د.واضح الصمد- المرجع السابق صفحة 88.



رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الجاهلية, الغرب, النظام, القبلي, عند, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
تابعونا عبر تويترتابعونا عبر فيس بوك تابعونا عبر وورد بريس


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنتدى آخر الزمان©

تابعونا عبر تويتر