#1
|
|||||||
|
|||||||
حصري: الفوارق بين أنواع الرؤى المنامية
الكاتب: بهاء الدين شلبي. أهمية الرؤى المنامية في علاج المس: اعلم أن كل ما يراه النائم في منامه، أي (في موضع نومه)( ) على ثلاثة أحوال إما رؤيا من الرحمن، وتتم بواسطة ملك موكل من الله تعالى، وربما جن مسلم صالح، هذا لما في قدرة الجن على ذلك، وحلم من الشيطان، يتم بفعل من الشيطان، وأضغاث أحلام، مما يجول ببال النائم، فعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاثة؛ فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس).( ) ولاستحالة الاطلاع على الغيب، فنأمل بالتزام المريض أن يمن الله تعالى عليه برؤية صالحة تبشر بالشفاء، ولكننا مضطرين إلى اللجوء في التشخيص لدراسة الأحلام، لأنها تتم بفعل الشيطان، وبالتالي فهي تكشف لنا عن الكثير من المعلومات المطلوبة عن شخصيته ومدى قوته، فنتعامل معها بالضد، وخاصة تلك التي تتم في حالة غيبوبة بين النوم واليقظة، وعلى كل حال فلا يمكن أن يركن المعالج إلى دراسة الأحلام والمنامات كليًا كما يفعل السحرة والكهان، لأن الشيطان يتلاعب بالنائم، وعليه فالمعالج لا يترجم (المنامات) ترجمة حرفية ولا يتأولها، ولكنه يتخذ من دلالاتها عامل مساعد في التشخيص، ففيها مؤشرات هامة لا نستطيع بحال إغفالها. فبدراسة أحلام الشيطان ولماته أي وسوساته نستطيع تبين حقيقة شخصيته، وكشف مخططاته، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ثم قرأ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) الآية،( ) بحيث نحدد صنف الجن وقوته ورتبته، ونتبين مدى تطور الحالة، ونوعه جن عادي أم جن شيطان، مارد أو عفيرت، جن طيار أم عادي، ودينه ساحر أو نصراني أو يهودي أم مجوسي، وجنسه ذكر أم أنثى، وسنه صغير أم كبير، ووظيفته خادم سحر أم ساحر، عاشق أو منتقم، وتحديد مكانته بين أقرانه ملك أو وزير أو راهب، أم شيطان وضيع، إلى آخر ما هنالك من معلومات أخرى هامة، إذا تم دراستها أمكننا الاستغناء عن سؤال الشيطان، وهذا ما يفقده هيبته، ويزعزع ثقته في نفسه، وبالتالي ثقة جنوده وأعوانه فيه، لأنه يتعامل مع معالج يعي قيمة كل كبيرة وصغيرة، ومتمكن من أدواته وعلمه. (الكابوس): من علامات المس ما يراه البعض من أشخاصٍ وأشباح، وهذا ما يسمى (الكشف البصري)، وإن جرت العادة أن يتم هذا يقظة، خصوصًا أثناء عقد الجلسات، إلا أنه يتم منامًا، فيرى النائم الجن الصارع ويتفاعل معهم، فيعتدوا عليه ويقاتلهم، فهو نائمًا في الظاهر كما يبدو له، إلا أن ما يراه حقيقة أكثر منه تخييلاً، لأن النائم يكون في حالة غيبوبة أي بين النوم واليقظة، ودرج على تصنيفه ضمن الأحلام الشيطانية ككوابيس، والكابوس في اللغة (ما يقع علـى النائم باللـيل، ويقال: هو مقدمه الصرع)،( ) أي أنه مقدمة الصرع والتخبط الروحي، وليس الصرع العضوي، لأن الصرع العضوي لا يصاحبه رؤى منامية، وليست الكوابيس مقدمة تلبس الجن وتخبطه، بل هو في الواقع حالة تلبس كاملة، فلا نستطيع أن نعده مقدمة للصرع، ولا حلمًا شيطانيًا، وإن كان يتم أثناء النوم في صورة حلم، لأنه نتاج اتصال الجن الماس بالمريض، فتتم الرؤية بحضور الجن على جسد الممسوس منامًا، فيرى المريض نفس ما يراه الجن، وحضور الجن على الجسد أثناء النوم، هو السبب في عدم قدرة النائم على فتح عينيه للتخلص من هذا الكابوس، إلا بصعوبة شديدة جدًا، حيث يحاول التنبه عنوة بمغالبة الشيطان الحاضر على جسده، فينصرف عنه نتيجة هذه المقاومة، فيستيقظ النائم فزعًا نتيجة هذا الصراع المحتدم، فهذا يعد من حالات (الكشف البصري) في أثناء النوم، وليس للشيطان أن يتلعب في مثل هذه الرؤى، إلا بنسب طفيفة، وهذا مما يساعدنا على اكتشاف التطورات التي تحدث للجن، وبالتالي نحصل على معلومات هامة عن مدى تطور الحالة، ومثل هذه الكوابيس المزعجة هي أكثر ما يهم المعالج أن يعرفه. الجلسات المنامية: وبناءًا على إدراكنا كيفية حدوث الكوابيس، ، فيجب أن نفرق بين تخييل الشيطان منامًا، وبين حضوره على الجسد، والرؤية من خلاله منامًا، فالحلم الشيطاني تفرض على النائم أحداثه وصراعاته، أما الكابوس فيتفاعل معه النائم لأنه يجمع بين نفس النائم ونفس الشيطان، فيتحكم النائم في مجريات الأحداث ويتفاعل معها، وجدير بالملاحظة أن ليس كل ما يراه النائم في مثل هذه الحالة يعد مفزعًا، ولكن أحيانًا كثيرة جدًا يتم علاج المريض نفسه منامًا ذاتيًا، حيث يقوم المريض بقتل الشياطين بنفسه، وأحيانًا يقوم المعالج بعلاج بعض مرضاه منامًا، وتحقق مثل هذه الجلسات المنامية نجاحًا كبيرًا، وليس للمعالج إرادة في مثل هذا، ولكنها تتم بفضل من الله تعالى، ونصرة للمعالج والمريض على الشيطان، مع ملاحظة أنه يتم في هذه الحالة علاج جزئي مرحلي للمس، ولا يعني هذا أنها تشفى بالكلية، حيث تكون هذه الجلسات المنامية علاجًا لأشد مراحل العلاج صعوبة، وهذا بالفعل ما نكتشفه بعد ذلك أثناء الجلسة، وأن ما تم منامًا كان حقيقة وليس خيالاً، وأننا اجتزنا المرحلة الحرجة بسهولة ويسر، وانتقلنا إلى مرحلة أخرى من مراحل العلاج، لذلك يجب أن يكون المعالج عميق الخبرة بتأويل المنامات، وقادرًا على الفصل بين الأنواع المختلفة مما يراه النائم، وهذا لا يتأتى إلا بعد خبرة مديدة في استعراض ودراسة المنامات، وسوف يكون الأمر سهلاً ميسورًا تدريجيًا، ما تجنبنا العجلة في تأويلها. ما يعتد به في العلاج من المنامات: إن أضغاث الأحلام وحديث المرء مع نفسه، مما لا حاجة لنا به بمعرفته في العلاج، فهذا يقع في مجال الطب النفسي، وإن كان للمعالج الحق في معرفة هذه المنامات ليقف على الحالة النفسية للمريض حتى يحسن معاملته، خاصة وأن الشيطان له دور كبير ورئيسي في الوصول بالمريض إلى حالة نفسية متردية، قال تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة: 10]. أما المنامات التي تعنينا فهي مرتبة حسب الأهمية الرؤى الصالحة، والتي يريها الملك أو الجن المسلم الصالح، والكوابيس التي تكون بين النوم واليقظة، وكذلك الأحلام الشيطانية، والتي يكشف لنا فيها عن حقيقة حال الجن الماس ومدى قوتهم، والتي تعد مؤشرًا يدلنا على معدل تطور حالة المريض، ومدى جدوى العلاج، فمثال ذلك قد يرى المريض آثار العذاب على الشياطين، وقد يرى الشياطين يطاردونه، وأنه يقاتلهم ويقاتلونه، وتارة يعتدون عليه، وتارة ينتصر عليهم، وقد يستجد شياطين جدد، فيكتشف المعالج حضورهم فيبدأ في التصدي لهم، لذلك يعمد الشيطان إلى أن ينسي المريض هذه المنامات، فيستيقظ ولا يذكر شيئًا من تفاصيلها، رغم أنه متأكد أنه رأى أحداثًا كثيرة أثناء النوم، لذلك أنصح المريض بأن يخصص كراس خاص به طيلة فترة العلاج، ليسجل فيه ما يراه يوميًا، على أن يضع هذا الكراس مع قلم بجوار فراشه، فإذا ما استيقظ كتب على الفور ما يذكره مختصرًا، ثم يقوم بعرضه على المعالج. تمييز الأحلام الشيطانية: وأما الأحلام التي هي من تهويل وتلعب الشيطان بالنائم، والمنهي عن قصها فلا شغف لنا بها إلى حد كبير، لكن في بعض الأحيان يتدخل الشيطان بأحلامه الشيطانية بعد الرؤية مباشرة، ويتم ذلك بمجرد انتهاء عمل الملك الموكل بالرؤية، وهنا يستمر النائم في رؤية ما يخيله الشيطان، فيحدث خلط لدى النائم بين الرؤيا والحلم، فمن الخطأ أن نعد ما أضافه الشيطان جزء من الرؤية، لذلك يجب ان نعلم كيفية تمييز الحلم الشيطاني لنطرحه من مجمل الرؤيا، لأن الشيطان يكون قد علم تأويل الرؤيا، فيتبع الرؤيا ببث حلم ضد تأويلها، وبهذا يكشف الشيطان عن عدة أمور هامة، أولها يكشف لنا عن وجوده وترصده لهذا النائم، وثانيهما يكشف لنا عن تعبيره لهذه الرؤيا وتأويلها، بقلب الضد الذي خيله بعد تمام الرؤية الرحمانية، وهذا يوضح لنا كيف يفكر الشيطان، والأمر الثالث أن الشيطان يسترق السمع، لذلك علم تأويل الرؤية، وهذا يعني أنه شيطان ساحر، وهذا له معاملة خاصة، فهو يحصل على المعلومات الغيبية ناقصة، ثم يكمل الناقص منها من خلال الرؤية التي رآها النائم، فبالجمع بينهما تكتمل المعلومة الغيبية، وفائدة ذلك أن الشيطان سوف يبدأ يعمل ضد تحقيق الرؤيا، وهكذا سوف تعلم مقدمًا الدور الذي سيقوم به الشيطان ضدك، فتبدا في أخذ الحيطة والتدابير ضده. الفروق بين الرؤى والأحلام وأضغاث الأحلام: يشكو أكثر الناس من عدم قدرتهم على التمييز بين الرؤى الرحمانية والأحلام الشيطانية، وعليه فهم بجهلهم يتكتمون رؤاهم الصالحة ظنًا منهم أنها أحلامًأ شيطانية، وعلى العكس تمامًا فقد يقصون أحيانًا أحلامهم الشيطانية باعتبارها رؤى رحمانية، فيخالفوا بهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قص الأحلام الشيطانية، فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام)،( ) ويجب على كل مسلم وكل مسلمة إدراك هذه الفروق بين الرؤية وبين الحلم، وأن يحفظوها عن ظهر قلب، لكي نتعلم كيفية تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم بالانتهاء عن قص الأحلام الشيطانية. وبالنسبة لمرضى المصابين بالأمراض الجنية فهذا الجدول سيساعدهم في التفريق بين هذه الأنواع المختلفة من المنامات، وبين نوع آخر ليس منها، وهو ما يسمى (الكشف البصري المنامي)، ويكون في حالة بين النوم واليقظة، حيث يكشف للمريض أحداثا تتم في عالم الجن، وصراعات تتم بينه وبينهم، وهذا الكشف البصري المنامي يهم المعالج كثيرا التعرف عليه وتحليله، ليقف على المستجدات في مسيرة تطور العلاج. جدول المقارنات بين أنواع الرؤى المنامية الرؤى الرحمانيـة…………………..….. الأحلام الشيطانيـة ……………..………. أضغاث الأحـلام ============================================== 1_ رمزية الأحداث. ……………….…… مباشرة الأحداث…………………مختلطة بين الرمزية والمباشرة. 2_ لها تأويل وتعبير……………..………… لا تأويل لها…………………………..لا تأويل لها. 3_ منطقية ومرتبة في تسلسلها………..…..عشوائية ومتناقضة………………….منطقية مختلطة الأحداث. 4_ محددة المواضيع، مختصرة الأحداث.. محددة المواضيع، طويلة الأحداث.. مختلطة المواضيع، وكثيرة الأحداث. 5_ لا تستغرق أكثر من نصف الساعة……. تطول مدتها في كثير من الأحيان……….طويلة وتستيقظ وتعود لتكملها. 6_ طبيعية ويؤتنس إليها……………….. غريبة فيها تهويل وتلعب…………..طبيعية وفيها التهويل معًا. 7_ تبدو وكأنها حقيقة. ………………. تبدو وكأنها خيالات…………………تبدو بين الحقيقية والخيالية معًا. 8_ يغلب عليها الألوان والبياض……..…… يغلب عليها السواد والظلمة…………..مختلطة فيها الألوان والسواد. 9_ لا تتفاعل معها، فلا تتغبر المواقف……..…تتفاعل معها، فلا تتغير…………………..تتفاعل معها وتغيرها. 10_ عفيفة لا تخدش الحياء…….…جنسية وشاذة في كثير من الأحيان.……حسب طباع النائم وميوله الجنسية. 11_ لا يحدث احتلام……………….….. قد يحدث احتلام………………………..قد يحدث احتلام. 12_ ترى في جميع الأوقات…….………. ترى في جميع الأوقات………………ترى في جميع الأوقات. 13_ يتذكرها النائم مفصلة. ……………ينساها وتختلط عليه تفاصيلها……….يتذكرها وتختلط عليه تفاصيلها. 14_ في المس تشعر بغيظ. ………….. في المس تشعر بفرحة أو حزن……….تتغير الأحاسيس بتغير الموقف. 15_ تستيقظ مطمئنًا مرتاح النفس……..…تستيقظ خائف ومضطرب…………..تستيقظ مطمئن أو مضطرب. 16_ تستيقظ منشرح الصدر. ………..……تستيقظ منقبض الصدر…………….تستيقظ مضطرب النفس. 17_ تسيقظ نشيطًا عالي الهمة..………….. تستيقظ خبيث النفس كسلانًا……………..تستيقظ حسب مارأيت. 18_ تستيقظ بغير صداع. …………..تستيقظ مثقل الرأس بصداع………..تستيقظ مثقل الرأس بلا صداع. 19_ يصورها الملك، أو جن مسلم………يصورها الشيطان، أو جن كافر……..يتخيل المرء ما يحدث به نفسه. 20_ من نسخة أم الكتاب……………………من استراق السمع والتنجيم………………من حديث النفس. 21_ يتنتفع بها الرائي………………………قد تضر إن لم يستعذ بالله منها………….لا تنفع ولا تضر. 22_ مبشرة، منذرة، زاجرة، آمر ونهي………..تلعب وخداع وأوهام…………….خيالات حالمة وأوهام نفسية. 23_ لا تقص إلا لمعبر ومعالج وحبيب……… لا تقص، إلا للمعالج فقط……….تقص للطبيب النفسي والمعالج. 24_ تتحقق كما أولت…………………..قد يتحقق منها شيء…………………لا يتحقق منها شيء. 25_ لا تتحق كما رأها إلا الأنبياء……………تتحقق كما رآها…………………….لا يتحقق منها شيء. 26_ لا يؤخذ منها تشريع إلا للأنبياء……….لا يؤخذ منها أحكام شرعية…………..لا يؤخذ منها أحكام شرعية. 27_ يرى النبي على صورت……………لا يرى النبي على صورته…………قد يرى النبي على صورته. 28_ تفضح وجود الأسحار…………….تستر وجود أسحار…………….أعراض نفسية لوجود السحر. 29_لا يصنع من خلالها أسحار……………يصنع الشيطان من خلالها أسحارًا………لا يصنع من خلالها أسحار. 30_ يعالج الممسوس من خلالها………..قد يعالج الممسوس من خلالها……….قد يعالج الممسوس من خلالها. =============================================== وهذا الجدول ملف وورد اضغط على الرابط http://drr.cc/up12/gadwal.doc شرح الفارق الأول الرؤى الرحمانيـة: (رمزية الأحداث والدلالات) تتكون أي رؤية من مفردات وعناصر، وتتصف مفردات الرؤية الرحمانية بأنها رمزية الأحداث والدلالات، بحيث يكون الرمز فيها قابل للتأويل، ذات دلالة على مفهوم معين، وتتصف رموزها ودلالتها بالانسجام والتوافق مع المضمون العام للرؤية. مثال: في رؤيا ملك مصر رأى سبع بقرات عجاف وسبع سمان، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، توافق بين جنس البقر، وبين جنس سنابل القمح، فالبقر يتغذى على السنابل الخضر، إذا فالعلاقة بين البقر والسنابل منسجمة بل ومتوافقة أيضا، وهذا خلال المضمون العام للروئيا تنبيه إلى خير قد اقترب، وتحذير من شر يليه.الأحلام الشيطانية: (مباشرة الأحداث والدلالات) تفتقد مكونات الأحلام الشيطانية إلى وجود الرموز والدلالات، وبالتالي تكون أحداثها مباشرة ومتوافقة مع أهداف الشيطان من تصوير هذه الرؤيا. مثال: أن تحلم امرأة بأن زوجها يخونها مع امرأة أخرى، لا يوجد هنا رموز، سواء أحداث أو عناصر أخرى، فالله رؤوف بعباده، فلا يروع امرأة على زوجها، فإذا كان زوجها يخونها بالفعل جاءت الرؤية برمز غير مباشر، بحيث لا تصدم أمة الله بحقيقة محزنة فتروع، ولكن الشيطان هنا هدفه الفتنة والتفريق والترويع، وهذا هدف مباشر، لا التفاف حوله، وهذا يخالف رمزية الرؤية الرحمانية من حيث يأتي تأويلها بصيغة تحذير لا بصيغة ترويع مباشرة. أضغاث الأحـلام: (مختلطة بين الرمزية والمباشرة) أما مكونات أضغاث الأحلام فهي مختلطة بين الرمزية المرتبطة بالحالة النفسية للنائم، وبين الأحداث المباشرة التي تواجه الإنسان في واقع حياته. مثال: كأن يعمل (قصاب) في ذبح الأنعام، فيرى دائما البقر والأنعام وكأنه يسوقها ويرعاها، أو يذبحها وفق عادته اليومية، فالبقر هنا عنصر من العناصر يمكن تأويله، لكنه يخرج عن نطاق المضمون العام للرؤيا، هذا بسبب تكرار الرؤيا وتوافقها المباشر مع المألوف من أحداث حياة الرائي اليومية، فجاءت أحادثها مباشرة من جهة تعلقها بنفسية الرائي المرتبطة بطبيعة عمله، وبالتالي يفقد تأويل الرمز ارتباطه بالمضمون العام للرؤيا بسبب تعلق الرمز بالمألوف من حياة الرائي. تنبيه: لا يكفي ما ذكرناه لفض الاشتباك بين هذه الأنواع المختلفة من المنامات، ولكن يجب أن يكون هناك فوارق أخرى تتحد فيما بينها لتحدد نوع هذا المنام، فلا يأتي أحد فيحكم على المنام بسبب فارق واحد من الفوارق، بل يجب أن يكون هناك عدة فروق مجتمعة حتى يصدر بصددها حكما ما، وإلا فهذا المنام مشتبه، والمشتبه لا يصح تأويله من المعبر إلا بعد أن يتأكد من طرح عدة أسئلة على الرائي، يستوضح بها صنف هذه الرؤيا المنامية، أسئلة تتعلق بحياته اليومية وعمله وطبيعته وشخصيته، وجنسه ذكرا كان أو أنثى، وعمره، وزمن رؤية المنام، إلى غير ذلك من الأسئلة المرتبطة بعناصر الرؤية، وبعد غربلة العناصر والأحداث، وفض الاشتباك والنزاع، يبدأ المعبر في دراسة الرؤية بهدف تأويلها. شرح الفارق الثاني الرؤيا الرحمانيـة: (لها تأويل وتعبير) أي فك مفرداتها ورموزها، وكشف دلالاتها، وذلك لأنها من علم الغيب فهي صادقة وبحاجة لتوضيح غموض معانيها في عالم الشهادة، وهذا يعني العبور بها من عالم المثل الذي يضربه الملك إلى عالم الحقيقة، وإسقاطها في واقع الحياة، وذلك لأن الرؤيا الرحمانية في الغالب لا تأتي مباشرة للحدث المقصود بيانه إلا للأنبياء، ولكن تأتي مرموزة ومشفرة. مثال: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ). أخرجه: مسلم (4215). وهذه الرؤيا ذكرتها من باب ضرب المثل، فهي تحوي رموزا ودلالات كثيرة جدا، فأول (دار عقبة بن رافع) فرمز (دار) بالدار الدنيا، ودلالة اسم (عقبة) كناية عن الآخرة، ودلالة اسم (رفعة) كناية عن الرفعة، وأول في (رطب ابن طاب) جمع بين رمز (الرطب) وأوله بالدين، ودلالة اسم (طاب) كناية على اكتمال الدين. وهذا التأويل له أصول وقواعد كثيرة، ولأننا لسنا هنا بصدد التصنيف لقواعد التأويل، فسأحيل القارئ إلى كتاب قيم أعجبني كثيرا جدا، وانصح كب طالب علم باقتنائه، وهو باسم (القواعد الحسنى في تأويل الرؤى – أربعون قاعدة في تعليم التأويل) لعبد الله بن محمد السدحاني، وقدم له فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين، مكتبة الرشد _ الرياض، وهو كتاب صغير في حجمه، موجز في مادته، عظيم في فائدته، مجدد في أسلوبه وطريقة تناوله للتأويل. الأحلام الشيطانية: (لا تأويل لها): فلأنها من تلعب الشيطان بالنائم فالأصل فيها الكذب، وهذا لا يمنع صدق بعض ما فيها في بعض الأحيان، لذلك فهي مباشرة الأحداث، وتفتقد للرمز والدلالة وضرب المثل، وبالتالي ليس لها تأويلها، لأن الهدف منها وقوع ضرر نفسي، فيصاب الرائي بالحزن، ولأنها تحزين من الشيطان. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا من تحزين الشيطان، والرؤيا مما يحدث بها الرجل نفسه، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليتفل، ولا يحدث بها الناس) قال: (وأحب القيد في النوم وأكره الغل القيد ثبات في الدين). أخرجه: الترمذي (2196). قال وهذا حديث حسن صحيح. تنبيه: والحالات التي قد يصدق الشيطان فيها في الأحلام مثل أن يفضح الناس بعضهم لبعض في مناماتهم، ليوقع بينهم الفتن، وقد يصور خبرا صادقا ليفتن الرائي في نفسه، فيظن بها التقوى والصلاح، فيقع في فتنة الغرور، وكذلك ما يريه الشيطان للسحرة والكهان من أحلام يبث لهم من خلالها الغيبيات، وحصيلة استراق السمع، وهناك الكثير من هذه الضروب التي قد يصدق فيها الشيطان لغرض إيقاع الرائي في الفتنة، فليتنبه الغافل عن هذا، فليست كل رؤية طيبة تغتر بها. مثال: هذا كما في قصة برصيصا الراهب وهي قصة مشهورة ذكرها المفسرون في تفسير قوله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِىءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ) [الحشر: 16: 17]، قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ): (كان راهب في الفترة يقال له برصيصا، قد تعبد في صومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طرفة عين، حتى أعيا إبليس، فجمع إبليس مردة الشياطين، فقال: ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال (أي أحدهم): أنا أكفيكه. فانطلق فتزيا بزي الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه، وكان لا ينفتل من صلاته، فلما رأى أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا من صلاته، رآه يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان، فندم حين لم يجبه، فقال برصيصا: ما حاجتك؟ فقال له الشيطان: عندي دعوات يشفي الله بها السقيم و المبتلى والمجنون، فعلمه إياها. ثم جاء _ أي الشيطان _ إلى إبليس، فقال: قد والله أهلكت الرجل. ثم تعرض لرجل فخنقه، ثم قال لأهله، وقد تصور في صورة الآدميين: إن بصاحبكم جنونًا أفأطبه؟ قالوا: نعم. فقال: لا أقوى على جِنيَّته، ولكن اذهبوا به إلى برصيصا، فإن عنده اسم الله الأعظم، فجاءوه فدعا برصيصا بتلك الدعوات، فذهب عنه الشيطان. ثم جعل الشيطان الذي صاحب برصيصا يفعل بالناس ذلك ويرشدهم إلى برصيصا فيعافون، فانطلق إلى جارية من بنات الملوك بين ثلاثة إخوة، وكان أبوهم مالكًا فمات واستخلف أخاه، وكان عمها ملكًا من بني إسرائيل فعذبها وخنقها. ثم جاء إليهم في صورة متطبب ليعالجها، فقال: إن شيطانها مارد لا يطاق، ولكن اذهبوا بها إلى برصيصا، فدعوها عنده، فإذا جاء شيطانها، دعا فبرئت، فقالوا: لا يجبنا إلى هذا، قال فابنوا صومعة في جانب صومعته ثم ضعوها فيها، وقولوا، هي أمانة عندك احتسب فيها، فسألوه ذلك فأبى، فبنوا صومعة ووضعوا فيها الجارية. فلما انفتل من صلاته عاين الجارية وما بها من الجمال، فأسقط في يده، فجاءها الشيطان فخنقها فانفتل من صلاته، ودعا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقبل على صلاته، فجاءها الشيطان فخنقها فانفتل من صلاته، ودعا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها، وكان يكشف عنها ويتعرض بها لبرصيصا، ثم جاء الشيطان فقال: ويحك! واقعها، فما تجد مثلها ثم تتوب يعد ذلك، فلم يزل به حتى واقعها فحملت وظهر حملها، فقال له الشيطان: ويحك! قد افتضحت، فهل لك أن تقتلها ثم تتوب فلا تفتضح؟ فإن جاءوك وسألوك فقل: جاءها شيطانها فذهب بها. فقتلها برصيصا ودفنها ليلاً، فأخذ الشيطان طرف ثوبها حتى بقي خارجًا من التراب، ورجع برصيصا إلى صلاته. ثم جاء الشيطان إلى أخوتها في المنام، فقال، إن برصيصا، فعل بأختكم كذا وكذا، وقتلها ودفنها في جبل كذا وكذا، فاستعظموا ذلك وقالوا لبرصيصا: ما فعلت بأختنا؟ فقال: ذهب بها شيطانها، فصدقوه وانصرفوا، ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال: إنها مدفونة في موضع كذا وكذا، وإن طرف ردائها خارج من التراب، فانطلقوا فوجدوها، فهدموا صومعته وأنزلوه وخنقوه، وحملوه إلى الملك فأقر على نفسه فأمر بقتله، فلما صلب قال الشيطان: أتعرفني؟ قال: لا والله. قال أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، أما اتقيت الله؟ أما استحييت وأنت أعبد بني إسرائيل؟ ثم لم يكفك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس، فإن مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك. فقال: كيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة واحدة وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم. قال: وما ذاك؟ قال: تسجد لي سجدة واحدة. فقال: أنا أفعل، فسجد له من دون الله. فقال: يا برصيصا، هذا ما أردت منك، كان عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين).((تفسير القرطبي) (18/36: 37). ) تنبيه: وهنا يجب أن نضع في اعتبارنا التفريق بين ثلاثة أنواع من المنامات وثيقة الصلة بالجن، منها ما هو قابل للتأويل، ومنها ما هو قابل للتفسير، ومنها مردود لا يقبل فيها شيء من التأويل، ويجب عدم قصها لأنها تلعب وتهويل وكذب صريح من الشيطان. الأول: وهو الرؤى الرحمانية مما يريه الجن المسلم، وهذا خلاف ما يريه الملك، وسوف نشرحه مفصلا في مكانه بإذن الله تعالى، وهنا ينبه الجن المسلم الرائي إلى شيء ما، ويبلغه رسالة ما، أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومثل هذه الرؤى لها تأويل. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانًّا فَأُتِيَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فَقِيلَ لَهَا: أَمَا وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلْت مُسْلِمًا، قَالَتْ: فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: مَا تَدْخُلُ عَلَيْك إلَّا وَعَلَيْك ثِيَابُك، فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً وَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (منصف أبن أبي شيبة / كتاب الإيمان والرؤيا / رُؤْيَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) حدثنا روح بن عبادة ثنا حاتم بن أبي صغيرة ثنا عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة بنت طلحة حدثته أن عائشة أم المؤمنين قتلت جنانا فأريت فيما يرى النائم فقيل لها والله لقد قتلت مسلما فقالت والله لو كان مسلما ما دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها: وهل كان يدخل عليك إلا وأنت متجلببة أو مخمرة؟! فأصبحت وهي فزعة فأمرت باثني عشر ألفا فجعلتها في سبيل الله عز وجل. (مسند الحارث بن أبي أسامة كتاب الصيد والذبائح وما أمر بقتله باب في جنان البيوت). فهذه رؤية مباشرة تفاعلت معها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، تسأل وتجاب، وأخذتها بعين الجد فأمرت باثني عشر ألفا في سبيل الله، وهذا من طبيعة ما يصوره الجن لا من طبيعة ما يصوره الملك، وواضح بكل تأكيد أنهم جن مسلم من عمار بيتها نبهوها إلى قتلها جن مسلم منهم. الثاني: (الكشف البصري المنامي) وهو موازي (للكشف البصري اليقظي)، والذي يحدث للمرضى أثناء الرقية وعقد الجلسات، وفيها يرى المريض عالم الجن وما يحدث فيه من أحداث. ومنها يعلم المعالج تطور حالة المريض، وكل التفاصيل المطلوب معرفتها عن الحالة، وهذا يحصل منه المعالج على استنباطات ومعلومات كثيرة جدا تفيد في سلامة التشخيص، وتحديد مسار العلاج. مثال: وهذا نموذج (للكشف البصري اليقظي)، فقد رأى ابن صائد يقظة وهو في الجزيرة العربية عرش إبليس على الماء، رغم بعد المسافة، وهذا لا يتم إلا عن طريق جن حضر على عينيه، فرأى بعين الجن ما لا يراه الإنس، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: (ما ترى؟) قال: أرى عرشًا على الماء أو قال: على البحر حوله حيات، قال صلى الله عليه وسلم: (ذاك عرش إبليس). أخرجه: مسلم (5031) (5208). وقس على هذا ما يراه المصابون بالأمراض الجنية من أحداث تتم بينه مبين الشياطين، سواء مطاردات أو معارك، وحيات وعقارب ووحوش وطيور، وغير ذلك مما يراه يقظة في أثناء الجلسات، أو مناما. الثالث: هو الأحلام الشيطانية، وهذا غير القابل للتأويل هو الحلم الشيطاني، وهذه يقوم بتصويرها الشيطان، ليتلعب بالنائم ويروعه. والأحداث المباشرة في تصوير المنام للناس (باستثناء ما يراه الأنبياء) هو في الأصل من طبيعة ما يصوره الجن، خصوصا الكافر منهم، لا من طبيعة ما يصوره الملك، وإن كان الجن المسلم يصورون كثير من المنامات بنفس طريقة الملك، إلا أن الحلم الشيطاني يختلف عن تصوير الجن المسلم من جهة التهويل والتلعب في أحداث الرؤية. مثال: وها هو نموذج من أسلوب الشيطان المباشر في تصوير المنامات، فهذا رجل رأى أن رأسه قطع فتتدحرج أمامه، وهذا تصوير مباشر لا رمز فيه، وفيه ترويع للنائم، وهو مما يتعارض مع أصول الرؤى الرحمانية، فأين الرحمة في قطع الرأس وتدحرجها؟ ومثل هذا لا تأويل له، فعن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك). وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد يخطب فقال: (لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه). أخرجه: مسلم (4212). أضغاث الأحـلام: لا تأويل لها فلأنها لا أصل لها في ضرب الأمثلة، ولأن عناصرها ورموزها ودلالاتها متضاربة، مثل أن يرى النائم عناصر متضادة في التأويل، وغير متفقة مع بعضها البعض، إلا ما يحدث المرء به نفسه إذًا فلا تأويل لها، لكن من الممكن للمحلل النفسي أن يستقرئ منها الحالة النفسية للإنسان، ويكتشف تكوين وملامح شخصيته، ودوافعه وانفعالاته. مثال: كأن يرى أنه يلعق العسل من كأس خمر مثلا، فالعسل هو القرآن، والكاس الزجاجي كناية عن النساء، واستخدام الكأس في شرب الخمر أصلا كناية عن فساد هذه المرأة، وأنها تستخدم فيما حرم الله، وهذه عناصر متضاربة مع بعضها، فإذا أولناها قلنا بأن هذا الشخص سيتعلم القرآن من امرأة سكيرة أو ما جنة، وهذا تعارض في التأويل، فامرأة كهذه ليست ممن يحفظ القرآن، وإن حفظته القرآن وكان الرائي رجلا، وكانت امرأة أجنبية عنه، ما صح أن تعلمه القرآن وهناك من الشيوخ كم موفور أولى بتعليمه منها، فهذه عناصر متضاربة في التأويل، وبالتالي لا يصح تأويلها. ولكن يقوم الأطباء والمحللون النفسيون بالتعرف عليها لتحليل شخصة الإنسان من خلال عناصرها، وهذا له تفصيل في علومهم الخاصة. تنبيه: بالنسبة للرؤى الرحمانية قد تأتي في بعض الأحيان مباشرة وتأول كما رآها النائم، لكن هذا الحال على الاستثناء وليس على الأصل، وعلى المعبر أن ينظر في عناصر الرؤية، وصفاتها، فإن وجد ما ينفي وجود حديث نفس أو تلعب من الشيطان أولها كما رآها النائم. مثال: ومن هذا رؤى الأنبياء، كرؤيا إبراهيم عليه السلام عندما رأى في المنام أنه يذبح ولده، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: 102)، مع التنبيه بعدم جواز القياس على رؤية الأنبياء بالنسبة لغيرهم، ولكن ذكرته هنا من باب البيان والتوضيح فقط، فرؤيا الأنبياء تشريع. لذلك فرؤيا غيرهم من البشر هي من (القدر الكوني)، فيقدر الله تعالى أن تقع الرؤيا على ما تحمله من معنى ودلالة، ولا تقع كما رآها من تصوير، ولا تقع في (القدر التشريعي) كما للأنبياء والرسل فلا يؤخذ منها تشريع، لأن التشريع كمل وتمت نعمة الإسلام، وهذا له مبحثه في موضع آخر بإذن الله هنا. فأن تقع الرؤيا كما رآها مصورة فهذا غالبا من تلعب الشيطان، أو نادرا جدا ما تكون من جن مؤمن، ولا يفعلوه إلا لأهداف ومصالح عامة، وليس لمصلحة شخصية أو فردية، لأن هذا قد يفضي إلى فتنة للرائي، كأن يرى في منامه أن يزوره قريب له، فيراه قادما عليه في زي كذا بلون كذا، فمثل هذا إن حدث فهو من تلعب الشيطان، فيعلم الشيطان بقدوم هذا الآتي فيصور للنائم قدومه فيحسب انه شيخ مبروك وفيه شيء له، وما أكثر ما يحدث هذا لكثير من الناس. أما بالنسبة للجن المؤمن فعلى سبي المثال قد يأتي لقائد المسلمين في معركة ما فيصوروا له ثغرة من الثغور ويكشفوا له مخطط العدو، فيستيقظ فيجد كما رأى، أو عالم حار في مسألة فقهية حاسمة دلوه على مفتاح الوصول إليها، فهذه مصلحة عامة، أما أن رؤية صديق أو عروس قادم فهذه مصالح فردية وشخصية، والجن المؤمن لا يفعل مثل هذا، فتنبه. شرح الفارق الثالث الرؤيا الرحمانيـة: منطقية ومرتبة في تسلسلها فهي منطقية في خصوصية أحداثها، فرغم غرابة الحدث المصور فيها، إلا أنها متوافقة في عناصرها ودلالات رموزها، ومرتبة في تسلسل أحداثها وفق سياق المثل المضروب في الرؤيا. مثال: قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) (يوسف: 43)، كأن يرى النائم سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، أن تأكل العجفاء السمينة أيضا منطقي لعوزها، فالسمينة ممتلئة تشعر بالشبع، خلاف العجاف نحيفة تشعر بالجوع، فرغم غرابة الحدث نفسه، إلا أنه منطقي ومتسلسل بغير تعارض أو تناقض. تنبيه: يجب أن نفرق بين مخالفة الرؤية للواقع بخيال جامح، وبين منطقية أحداث الرؤية نفسها، فنحن لا نتكلم عن مطابقة الرؤيا للواقع، ولكن نتكلم عن أحداث الرؤية ذاتها، فتتصف الرؤى الرحمانية بأن أحداثها تتسلسل مرتبة ومنظمة ومتوافقة مع بعضها البعض حسبما يجري فيها من أحداث، وبلا تناقض أو تعارض فيما بينها، وبالتالي لا يدخل فيها عنصر التهويل أو التهوين من قيمة الحدث نفسه المشاهد في الرؤية. فهي منطقية في خصوصية أحداثها، فرغم غرابة الحدث المصور فيها، إلا أنها متوافقة في عناصرها ودلالات رموزها، ومرتبة في تسلسل أحداثها وفق سياق المثل المضروب في الرؤيا. الأحلام الشيطانية: عشوائية ومتناقضة تفتقد إلى منطقية الأحداث رغم محالفتها الواقع وجموحها، فهي متناقضة في موضوعاتها، وعشوائية في ترتيب أحداثها، ويصورها الشيطان وفقا لهدفه من التلعب والتهويل. مثال: فعن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك). وقال سمعت صلى الله عليه وسلم بعد يخطب فقال: (لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه). أخرجه: مسلم (4212). فأن يقطع رأس الرجل ويجري وراء رأسه يتبعه، فهذا غير منطقي بالمرة، فبقطع رأسه يموت وتتوقف حركته، وهذا تهويل في الرؤية وتلعب، فالميت لا يجري ويكون له إرادة في تتبع رأسه بعد موته، فهذا تناقض في الأحداث، وعشوائية في تسلسل الحدث، فلو أنه حدث عكس هذا التسلسل السابق بأن رأس الرجل قطع ثم عاد إليه رأسه ثم قام يسعى، لجاز كونها رؤية وأمكن تعبيرها، لأنه تسلسل منطقي، ولكن حدث هنا العكس تماما. تنبيه: من الممكن أن يرى النائم وكأنه ميت ويبعث يوم القيامة، وهذا شائع كثيرا جدا، فبداية الرؤية منطقي ومتفق في تسلسل الحدث مع البعث يوم القيامة، لكن في الحلم الشيطاني هنا الرجل مات داخل الرؤية وقام يجري فهذا تناقض وعشوائية لا تسلس منطقي فيها، فتنبه لهذا الفارق الهام حتى لا تشت أيها المعبر الحاذق. تنبيه: لا يمكن أن يجتمع الضدين إلا فيما هو باطل، ففي بعض الأحيان يتدخل الشيطان بأحلامه الشيطانية بعد الرؤية مباشرة، ويتم ذلك بمجرد انتهاء عمل الملك أو الجن المسلم الصالح الموكل بالرؤية، وهنا يستمر النائم يرى في منامه أحداثا جديدة منقطعة عن الحدث الأول، فيحدث خلط لدى النائم بين الرؤية والحلم، ولكن الأمر ليس بالعسير، فستجد أن الرؤيا تسير منتظمة وفقًا لصفات الرؤيا الرحمانية، وفجأة تنتقل الأحداث إلى الضد لتظهر عليها صفات الأحلام الشيطانية، وربما أحاديث النفس، لذلك فخذ المعتبر به في التأويل، وهو دائما يكون أول ما رأى النائم ثم يليه عمل الشيطان أو التفس مباشرة، ثم اطرح من الرؤيا المخالف لشطرها الأول، ولا يعتد بما تراه بعد ذلك من خلط وتلعب من الشيطان أو من أضغاث الأحلام، مهما بلغت الرؤيا من الصدق والصلاح فلا تغتر أيها المعبر بما تبعها من باطل، فلا تخلط الحق بالباطل، فتنبه لهذا تربت يمينك. أضغاث الأحـلام: منطقية مختلطة الأحداث فهي مزيج بين ما هو منطقي وبين ما هو خيالي، فتكون مختلطة الأحداث، فهي منطقية من جهة أن العقل الباطن يصورها للنائم، وخيالية من جهة أن الحالة النفسية للنائم تؤثر في مسار الأحداث وتسلسلها تبعا للشطط في هوى النفس وما تحمله من أمنيات وكبت. مثال: كأن يرى النائم أنه يرتدي ثيابه صباحا للذهاب إلى عمله، وبعد انتهاءه وخروجه من البيت، فجأة يتذكر أنه نسي ارتداء الجوارب، أو أن الجورب ممزق، فيقول لنفسه سأسير في اتجاه أحد المحلات لشراء جورب جديد، هذا بدلا من يعود إلى البيت لارتدائه أو استبداله بآخر سليم، ثم يذهب إلى المحل وبدلا من شراء جورب إذا به يطلب من صاحب المحل تناول كوب من العصير المثلج أو اللبن. فهذه على سبيل المثال أحداث منطقية، لكن ترتيبها وتسلسلها غير منظم، حيث أن شخصية النائم المتكاسل، وحالته النفسية النافرة من البيت تحركان الأحداث تبعا لهذا الشعور المتبطن في داخله، فبدلا من أن يعود إلى البيت لارتداء الجورب أو استبداله بآخر سليم، يمضي في طريقه ربما رغبة منه في الفرار من البيت، وعدم رغبته في العودة إليه، مهما كانت الأسباب ملحة، وهذا التسلسل العشوائي تحركه نفسية المريض، ولكن بشكل منطقي، فالجورب ارتداؤه ضرورة ملحة لراحة القدمين، ولك الحالة النفسية للنائم تحركه بعيدا عن البيت مهما كانت الظروف ملحة. وطلبه العصير بدلا من شراء الجورب هو تغير في تسلسل الأحداث، وتفسيره قد يكون محاولة منه للشعور بالاستجمام بعيدا عن جو البيت الكئيب الذي يشعر معه بالعطش والجفاف في العلاقة الأسرية، فيعوض عطشه بكوب مثلج من العصير، وقد يوهم النائم نفسه بأن هذه رؤية صالحة وأن الله عوضه عن معاناته في بيته بشرب كوب اللبن كناية عن الفطرة ولجوءه إلى الله، فالنائم هنا هو صانع لأحداث الرؤية حسب مخيلته وتبعا لحالته النفسية. تنبيه: وقس على هذا أن بعض الناس من شدة انشغاله بموضوع ما خاصة من المواضيع العامة، كظهور المهدي، والحرب الصليبية المعاصرة، وتعلقه بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه الأطهار، فقد يتخيل النائم أحداثا تجري بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، أو بينه وبين صحابته الكرام، فكما أنه هناك أحلام يقظة وهي من حديث النفس، فنفس ما يحدث في أحلام اليقظة يتصوره النائم في حديث النفس، فيظن الرائي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعلا، ولكن رآه تبعا لمخيلته هو، لا تبعا لصورة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها، ولو أنك طلبت منه أن يصفه لك لاختلفت الأوصاف ولما تطابقت، خاصة في الرؤى المفصلة لا الرؤى المجازية. أو يرى النائم أنه يشارك في هذه الصراعات الآن على الساحة العسكرية، رغم أنه في الواقع بعيدا عنها كل البعد، والصلة التي تجمعه بهذه الأحداث مجرد ما تنشره الصحف وتبثه الفضائيات، وما يتكلم فيه العامة من الناس، فيتخيل أنه يشارك في رد عدوان هذه الحروب، وأن الصحابة معه ينصرونه ويؤيدونه، وكأنه القائد المغوار الذي سيفتح الله العالم على يديه، فهذا أمر منطقي ولكنه يتعارض مع واقع الرائي، وواقع حاله، وبالتالي يصنف كحديث نفس لا كرؤية صالحة، بحيث أن الرؤيا لا تتفق وحال الرائي، ولا تليق به، كأحداث وتأويل. فمن جهة واقع الأمة اليوم فلا يظهر على الساحة الإسلامية من يصلح لقيادتها في مواجهة أعداء الله، لا من جهة الصلاح والتقوى، ولا من جهة الكفاءة في قيادة الأمة، فلابد من اجتماع التقوى والكفاءة معا، وهناك فارق بين الخبرة والكفاءة، فليس كل من خاض غمار الجهاد وصار لديه خبرة فيها يصلح قائدا، بل الكفاءة ومهارة القيادة هي المعول الأساسي بعد الخبرة، وللأسف أن كل النماذج ذات الخبرة على الساحة اليوم أفل نجمها، وللأسف لم تحقق إنجازا تستحق معه أن يشار إليها بالبنان، فهما شرطان غير مجتمعان في أي شخص على الساحة الإسلامية الآن، لذلك يجب أن نقيس الرؤية على واقع الأمة من جهة، وعلى واقع المريض نفسه من جهة أخرى. وهذا الخلط بين أنوا ع المنامات المختلفة والخطأ في التأويل من الأخطاء الشائعة اليوم، والتي وقع فيها كثير من المعبرين في زماننا، لأن هذه المنامات كثرت بشكل غزير جدا، واستفحل أمرها مع الضغوط النفسية التي يتعرض لها المسلمون، حتى أن البعض يجزم بأن المهدي موجود الآن حي يرزق، وهم في انتظار ظهوره في أي لحظة، ويتتبعون الفضائيات ليل نهار أملا أن تذيع خبر ظهوره!! وهذا يجعل الناس تعيش في وهم يخالف واقع حياتهم والوضع الراهن الذي عليه حال الأمة اليوم، وهذا بكل تأكيد له ضرره على المجتمعات فكريا وعقائديا، هذا بخلاف أنه تأويل للرؤى بخلاف أصولها المعتبر بها بين المعبرين، وهذا يعد تلعب بالنبوة. شرح الفارق الرابع الرؤيا الرحمانيـة: محددة المواضيع، ومختصرة الأحداث
فتتميز الرؤية الصادقة بأنها رسالة محددة الملامح والأهداف، واضحة الرموز والدلالات، مختصرة في تصوير أحداثها، بلا إسراف فيها ولا تطويل ولا تشتيت لذهن الرائي، لذلك يستيقظ وهو متذكر لأحداثها كاملة، ويرويها بدقة متناهية. مثال: كما في رؤيا يوسف عليه السلام، قال تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف: 4). رؤية مختصرة في تصوير أحداثها، محددة الهدف وهو تبشير يوسف عليه السلام، والرموز هنا وهما الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا، واضحة لا لبس فيها، والسجود دلالته صريحة على أنه سيصير من الملوك الذي يسجد لهم، وقد كان مشروع السجود للملوك فيما سبقنا من الأمم، ونسخ السجود هذا من حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه). تنبيه: ليس شرطا على الدوام أن تكون الرؤية مختصرة، فمن الممكن أن تكون هناك رؤية مطولة بعض الشيء، بشرط أن تكون عناصرها متحدة في اتجاه هدف محدد بعينه، فلا يوجد رؤية متعددة الأهداف، فلا يمكن أن تبشر وتنذر في وقت واحد، فهذا تعارض يخالف وحدة التصوير، وأن تخلوا من التعارض بين وحدة عناصرها، وهذا خلط يدخلها في أنواع المنامات الأخرى، خاصة أضغاث الأحلام، فتنبه لهذا الفرق وذاك الشرط. فمن الممكن أن تبشر الرؤية الواحدة ببشريات متعددة ومختلفة، ولكن بشرط أن يستدل هذا من وحدة عناصرها لا من تداخل عناصر متضاربة في الرؤية، وإلا خرجت هذا المنام عن شروط الرؤية الصحيحة. عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟) قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ: (مَا شَاءَ اللَّهُ) فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟) قُلْنَا: لَا قَالَ: (لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ) قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى: (إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ) قَالَ يَزِيدُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ: (وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ). أخرجه: البخاري (1297). هذا نموذج لرؤيا طويلة الأحداث، وهي رؤيا صادقة لأنها رؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي وحي من الله، وقد ذكرتها ضربا للمثل، لا للقياس عليها، فتنبه أيها اللبيب إلى أن رؤى الأنبياء لا يقاس عليها رؤى غيرهم من البشر، لأنها وحي من الله، فرغم تعدد أحداثها المتسلسلة، وطولها، لكنها رؤية متحدة في هدفها وهو كشف جزء من عالم غيبي، فهي تبشير ونذير من الله إلى عباده بوحي منه إلى نبي مرسل. تنبيه: في هذه الرؤية الصادقة سيلفت انتباهك شيء مهم جدا، أن بعض الرؤى الصالحة يتم تأويلها وتعبريها وتفسيرها داخل الرؤيا نفسها، وعلى هذا نخلص إلى أن الرؤى الصالحة قد تأتي أحيانا مفسرة، وليست بحاجة إلى تأويل معبر لها. الأحلام الشيطانية: محددة المواضيع، طويلة الأحداث فهدف الشيطان من الإنسان محدد ولا يتغير، وهو التلعب به وتحطيم معنوياته بشتى السبل، مهما اختلفت مواضيع الأحلام الشيطانية، فهي لن تخرج من دائرة التلعب والتأثير النفسي، وهذا هدف مشترك في جميع الأحلام الشيطانية، وبالتالي فإن الحلم الشيطاني تكون أحداثه طويلة ممتدة، وتتسم بسمة أساسية وهي التدرج في تسلسل الأحداث المطولة، قال تعالى: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 168). وكذلك تسويل المعاصي للنائم كما في الأحلام الجنسية، وإعطاء النائم الأمل المكذوب في أثناء المنام فتجد النائم يتنقل من هنا إلى هناك ويسعى سعيا حثيثا، وفي نهاية المنام لا يصل إلى شيء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) (محمد: 25). مثال: فعن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت على أثره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك). وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد يخطب فقال: (لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه). أخرجه: مسلم (4212). ففي مثل هذا الحلم الشيطاني يرى النائم أنه يتبع رأسه من هنا إلى هناك، ويصعد جبالا، وينزل وديانا، ويطير وراء رأسه في الهواء، ويغطس خلفه في الماء، وفي النهاية لا يصل إلى شيء، ولا يحقق هدفا. تنبيه: يجب أن ضع في اعتبارنا عند استعراض المنام مدى صلة أحداثه بملامح الشخصية الشيطانية، فالإناء ينضح بما فيه، عسى أن تجد تطابقا بين الأحداث المذكورة وبين صفات إبليس وجنوده، فإذا وجدت تطابقا ملحوظا بينهما فاجزم بأنه حلم شيطاني، وربما كان (كشف بصري منامي)، فتنبه إلى أن (الكشف البصري المنامي) يتم من خلال الشيطان المستحوذ على جسد النائم، فهو يرى بعيني الجن ما لا يراه بعينيه كإنسي، لذلك فهناك تقارب كبير بين الأحلام الشيطانية وبين (الكشف البصري المنامي) وما يحويه كل منهما من خصائص وصفات إبليس وجنوده، لذلك يجب على المعبر أن يكون ملما بعلاج الأمراض الجنية وأعراضها، وكذلك على المعالج أن يكون ملما إلماما كبيرا جدا بعمل المعبر، فكل معالج معبر، وليس كل معبر معالج. أضغاث الأحـلام: مختلطة المواضيع، وكثيرة الأحداث فهي مختلطة المواضيع وكثيرة الأحداث، فما تكاد تنتهي من حدث حتى تدخل في حدث آخر، ومن موضوع إلى موضوع مختلف، مما ينتج عنه رؤية أحداث كثيرة لا حصر لها. حيث تخلط فيها الدوافع النفسية، وتتحرك فيها الأحداث تبعا لطبيعة النائم وملامح شخصيته، فهو الذي يصوغ الأحداث بنفسه، وهو أيضا الذي يحركها، ويتأثر هنا بالحالة العضوية والنفسية، فإذا كان جائعا حلم بآلام الجوع وما يتبعه من أوهام، وإن كان ثائرا جنسيا حلم بما يوافق إرضاء شهوته، هذا من الناحية العضوية، وإن كان حزينا مهموما أرقه حزنه، وإن كان فرحا سعيدا انخرط في خيالات وردية تبعا لدرجة سعادته، وطبيعة شخصيته الحالمة. مثال: أن يرى النائم أنه في عمله، ثم فجأة ينتقل إلى مسرح كبير لعرض السيرك وتقديم عروض للحيوانات المفترسة مثلا، ويتخيل أنه مروض للأسود، وفجأة يهاجمه أسد، فيفر منه بحيلة ذكية، ليدخل في مطعم ويتناول الطعام الشهي واللذيذ كقطة لحم مثلا. كل هذه مواضيع مختلفة تماما عن بعضها البعض، فالنائم يرى أنها في عمله، ولأن حياته في العمل مليئة بالصراعات والمشاحنات فتخيل أنه يهرب من هذا الوقع البئيس، وانه استبدله بالمسرح وترويض الأسود الذين هم أعداؤه، ولكن لعدم شعوره بالأمان يقوم أحدهم بمطاردته، ولكن لأن المنام حديث نفس فإن النائم يغير من مسار المنام فيفر من الأسد الذي يطارده، وذلك بحيلة يخطط لها في منامه، ثم يحل مشكلته الأساسية في العمل وهي السعي على لقمة العيش، فيتخيل أنه استطاع الفرار والتخلص من أعداءه، وصار الآن الحال مرضيا فدخل مطعما ليتناول وجبة شهية ترمز إلى انتصاره في الحصول على لقمة العيش، ويتخيل نه بتناول قطعة من اللحم كناية عن شدة الجذب والشد الذي يلاقيه في حياته من أجل الحصول على لقمة العيش. هذا المنام مثلا هو حديث نفس، ولكن تحليله كما سبق يتفق والشعوب النامية، وبكل تأكيد سيختلف تفسيره إذا كان الرائي من الشعوب المتقدمة والثرية، ولكن بأي حال لا نستطيع تصنيفه ضمن الرؤى الرحمانية، لأنه منام مشتت الأحداث مطول مختلف المواضيع مفتقد لوحدة المضمون المعتاد في الرؤى الرحمانية.
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|