بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
منتـدى آخـر الزمـان  

العودة   منتـدى آخـر الزمـان > منتدى مقارنة الأديان > الحوارات والمناظرات الدينية > الرد على الشبهات

الرد على الشبهات
الرد على الشبهات وتصحيح المفاهيم والمعتقدات

               
 
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-04-2020, 08:47 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي رفع الله المسيح إليه فلم يقل عرج به إلى السماء

يستشهد العلماء على انتقال المسيح من الأرض إلى السماء بقوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 157، 158] وبقوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) [آل عمران: 55].

مع أن معنى الرفع في قوله (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)، وفي قوله (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) نقيض الوضع والخفض، كما في لسان العرب: "والرَّفْعُ ضدّ الوَضْع، رَفَعْته فارْتَفَع فهو نَقيض الخَفْض في كل شيء ...". ومنه الرفعة ضد الوضاعة، فيقال فلان رفيع المقام في قومه، وفلان وضيع بين قومه. أي رفع قدره، بأن شرفه، وكرمه، أي قربه إليه، قرب تشريف وتكريم. كما في قوه تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 4]

وفي قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]

وفي قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) [الزخرف: 32]

وفي قوله تعالى: (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ) [يوسف: 76]

وفي قوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف: 176]

وفي قوله تعالى: (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) [الأنعام: 165]

وفي قوله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ) [الأنعام: 83]

بينما (العروج) هو اللفظ الوارد في كتاب الله للتعبير عن الارتقاء إلى السماء، بمعني الصعود فيها، ونقيضه النزول منها كما في قوله تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) [الحجر: 14].

وفي قوله تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة: 5].

وفي قوله تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج: 4].

فإن كان الصعود في السماء يقال له العروج، وضده النزولل منها، بينما الدخول في جوف الأرض يقال له الولوج فيها، وضده الخروج منها، كما في قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 2]، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد: 4]، فإن ذكر رفع المسيح، ونقيضه الخفض، فإنه لم يرد لفظ العروج للتعبير عن صعوده في السماء، وإن عرج به إلى السماء، فإن لفظ نزوله منها لم يرد له إدنى ذكر في القرآن الكريم.

فضلاً عن أن لفظ الرفع لم يقترن بظرف المكان [إلى السماء]، وهذا لا يثبت رفعه إلى السماء. وإنما اقترن الرفع باسم الله عز وجل، كما في قوله تعالى: (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)، أو بالضمير العائد عليه عز وجل، كما في قوله تعالى: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ). إذن فالله عز وجل رفع المسيح إليه، ولم يعرج به إلى السماء.

إذن فالحكم بصحة النصوص المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تذكر نزول المسيح آخر الزمان، اتركز على فهم مخالف للغة القرآن الكريم، والذي يثبت رفع المسيح إلى الله عز وجل، بمعنى رفع درجته، وعلو مقامه، وتقريبه إلى ربه عز وجل. فإن بطل عروج المسيح إلى السماء، فإن نزوله آخر الزمان باطل. وإنما هذه عقيدة الصليبيين سربت من خلال طائفة من علماء المسلمين، حتى صارت من ثوابت العقيدة.





رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-06-2020, 01:01 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

إن كان دافع اليهود لقتل المسيح عليه السلام وصلبه حسدهم على نبوته، وما أجراه الله علي يديه من الآيات، فإن هدفهم من قتله منعه من إكمال رسالته، وتبليغ ما أنزل إليه من ربه من الإنجيل، قال تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) [النساء: 157]، واقتران ادعاءهم قتله بإقرارهم أنه (رَسُولَ اللَّهِ) شاهد على أن الهدف من القتل منعه من إكمال رسالته، وإلا فلن يفيدهم قتله إن كان قد أتم تبليغ الإنجيل كاملا، إذن فشبهة قتله وصلبه وقعت قبل إكتمال نزول الإنجيل، ولا يمكن أن تكون قد تمت بعد اكتماله. أي أن المسيح عليه السلام بعدما نجاه الله عز وجل من القتل، عاش بين قومه زمنا حتى أتم تبليغ الإنجيل كاملا.

والدليل على حياة المسيح عليه السلام بعد مسألة القتل والصلب؛ أنه في بداية الوحي أحل لليهود بعض الذي حرم عليهم من قبل، لقوله تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ) [آل عمران: 50]، فلما ظلموا بمحاولة قتله الفاشلة، لم تمر جريمتهم دون عقوبات، فحرم الله عليهم طيبات أحلت لهم عقوبة على ما اقترفوه في حق عيسى عليه السلام، لذلك قال تعالى بعد نفي مسألة القتل والصلب: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) [النساء: 160]، وهذا يعني أن الوحي لم يتوقف بعد مسألة الصلب، وإنما استمر المسيح حيا يرزق بعدها، وأكمل تبليغ الإنجيل، فحرم عليهم بعدها بعض ما أحل لهم عقابا لهم على محاولة قتله، كما أحل لهم بعض ما حرم عليهم أول نبوته، أي لم يعرج به إلى السماء حتى توفاه الله عز وجل. وهذا يبطل الاعتقاد بأنه رفع إلى السماء، خاصة مع غياب أي نص قرآني يفيد بأنه رفع إلى السماء، كما ينفي عروجه إلى السماء.

بل من غير المستبعد تكرار محاولاتهم قتل المسيح عليه السلام عدة مرات، فباءت جميعها بالفشل، فسلمه الله منهم، وعصمه من القتل حتى تم تبليغ الكتاب، كما عصم الله النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 67]، فمن الواضح أن المسيح عليه السلام تعرض لمحاولات قتل عديدة، لذلك ثبته الله عز وجل، وعصمه من القتل كما عصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران: 55]، والطهارة هنا بمعنى العصمة من أن تناله أيدي الذين كفروا بالسوء والأذى، فقوله (مُطَهِّرُكَ) أي أنه [مُطَهِّرٌ] كما أن الملائكة [مُطَهَّرُونَ]، كما أخبر الله تعالى عن الملائكة فقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 77؛ 79] وطهارة الملائكة هنا عصمتهم، فلا يمس القرآن الكريم ولا يصل إليه إلا الملائكة المعصومون من أن تصلهم مسترقوا السمع من شياطين الجن، قبل أن يقضى وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن: 26؛ 28]. أي أن عصمة الأنبياء من القتل سنة خاصة بهم، مقيدة بتبليغ الوحي عن رب العالمين، فإذا قضي وحي الكتاب وتم تبليغه رفعت عنهم العصمة، ليرزقوا بعدها الشهادة، فهم أحق بها وأولى من غيرهم.



رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-06-2020, 07:09 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

لم تظهر عقيدة التثليث، وعقيدة تأليه المسيح وأمه عليهما السلام إبان حياته، وإنما هي معتقدات أحدثت بعد وفاته، والشاهد قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 116، 117]، فلم تكن عقيدة تأليه المسيح وأمه مطروحة في حياته، ولا بعد رفعه إلى السماء بحسب القائلين بذلك، وإلا لعلم بها وردها عليهم، وإنما تم تأليهه بعد وفاته، لقوله تعالى: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)، فلم يكن له علم بذك قبل بعثه يوم القيامة.

وبما أن عقيدة تأليه المسيح عليه السلام ظهرت في وقت سابق على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ)، خاصة وأن الله دفع تلك الفرية عن المسيح عليه السلام، فكفر من قالوا بألوهيته في موضعين من سورة المائدة؛

فقال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 17].

ثم قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72].

أي أن المسيح لم يقل بهذا الادعاء، خاصة أنه سينكر هذا عليهم يوم القيامة كما في قوله تعالى: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ). فأخبرنا الله عز وجل بإنكار المسيح عليه السلام يوم القيامة، فلو صح القول بنزوله قبل يوم القيامة لتكفل بدفع تلك الفرية عن نفسه في الدنيا، وما لزم أن يردها الله عنه في أكثر من موضع من القرآن الكريم،

فهذا يلزم منه أن المسيح عليه السلام توفي قبل نزول القرآن الكريم بزمن قل أو كثر، كما أنه لو صح أنه حي الآن، وسينزل آخر الزمان، فسوف يعلم بما قيل عنه بعد رفعه، وينكره عليهم في الدنيا، لا أن ينكره عليهم في الآخرة، إلا أن يكون قد مات، وانقطع عمله. لكن هذا المعتقد قيل عنه بعد وفاته، وليس بعد رفعه، وهذا ينفي أنه الآن حي يرزق، وأنه سينزل آخر الزمان، ثم يموت.



رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-06-2020, 09:18 PM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

يلزم من القول بنزول المسيح، أن يجري الله على يديه الآيات لإثبات أنه المسيح الحق، وللتمييز بينه وبين المدعين الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (... وإنَّهُ سيَكونُ في أمَّتي ثلاثونَ كذَّابونَ كلُّهم يزعمُ؛ أنَّهُ نبيٌّ، وأَنا خاتمُ النَّبيِّينَ، لاَ نبيَّ بَعدي). [1] فلا يحل لنا أن نصدق كل من يزعم أنه عيسى بن مريم، مالم يأتينا بآية مؤيدة له تثبت أنه المسيح فعلا. وهذا يعني أنه سينزل بصفته [نبي] مؤيد بالآيات، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وأَنا خاتمُ النَّبيِّينَ، لاَ نبيَّ بَعدي). فليس لدينا نص يذكر أن المسيح سينزل بآيات نتثبت بها أنه عيسى عليه السلام فعلا، وليس شخص آخر مدعي. بينما لم يرد أن مع المسيح آيات مؤيدة، وإنما إماما مقسطا، وحكما عدلا كما ورد في نص: (والذي نَفْسُ أبي القَاسِمِ بيدِهِ لَيَنْزِلَنَّ عِيسَى بنُ مريمَ إِمامًا مُقْسِطًا، وحكمًا عَدْلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، ولَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، ولَيُصْلِحَنَّ ذاتَ البَيْنِ، ولَيُذْهِبَنَّ الشَّحْناءَ، ولَيُعْرَضَنَّ عليهِ المالُ فلا يَقْبَلُهُ. ثُمَّ لَئِنْ قامَ على قبرِي فقال: يا محمدُ! لَأَجَبْتُهُ). [2]

فإن فرضنا؛ جاءنا عدة أشخاص كل منهم يزعم أنه عيسى بن مريم، وأنه نزل توا من السماء في دمشق، كيف نتبين الصادق منهم من الكاذب؟ سيرد علينا بأن له أوصاف سنعرفه به، بدلالة بالنص التالي: (... فإذا رأيتموه فاعرِفوه، فإنه رجلٌ مربوعُ الخَلْقِ إلى الحُمرةِ والبياضِ، سَبِطُ الشَّعْرِ، كأنَّ شَعْرَه يقطُرُ، وإنْ لم يُصبْه بللٌ، بين ممصرتين ...) [3] وما رواه النواس بن سمعان الأنصاري قال: (... فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ،[4] بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ...). [5] في واقع الأمر هذه الصفات رغم قلتها، وعدم دقتها، تنطبق على ما لا حصر له من البشر.

وعلى فرض نزل في دمشق رجل من السماء، (وكأنه بين ملكين واضعا كفيه على أجنحتهما)، ورآى هذا المشهد عددا غفيرا من البشر، فيهم خليط من المؤمن والكافر والمنافق والفاسق، فلا ضمان لعدالتهم وأمانتهم حتى نصدقهم. وعلى فرض صدقهم، فقبولهم الخديعة أمر وارد في حقهم كبشر، فتحليق السحرة في السماء مشاهد اليوم، تارة بالحيل والخداع، وتارة تحملهم شياطينهم. والملفت أن الراوي يذكر نزول المسيح في مدينة دمشق، مع أنه من الأولى والأجدر أن ينزل في المسجد الحرام قبلة المسلمين، أثناء طواف المعتمرين بالكعبة، أو لنقل ينزل على الناس حين خروجهم من الصلاة في المسجد النبوي، ليكونوا شهودا على الواقعة. فإن كان نزول المسيح آخر الزمان آية للناس، فإن أحق من ينزل فيهم وبينهم هم المسلمون، لأنهم آمنوا بمحمد صلوا الله عليه وسلم واتبعوه، وصدقوا بنزول المسيح، فحينها سيدركوا أن نزوله اية من الله. بينما من كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يمكن أن يصدقوا المسيح إن نزل، وسيقولوا هذا سحر مبين، فمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم سيكذب بنوءته إن تحققت. وكأن من وضع هذه الرواية على هذا النحو أراد صرف القلوب والأنظار بعيدا عن الحرمين، صوب دمشق عاصمة الدولة الأموية، لتحقيق أهداف سياسية، وهذه أطروحة تحتاج لبحث وتحقيق. وهناك أهداف أخرى خفية لها بحثها الخاص متعلقة بمصالح الشياطين والسحرة وأعوانهم.

وهذا من جملة الثغرات في الروايات التي ذكرت نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان، والتي لم تسدها النصوص، ويعد نقص وقصور في النصوص، يتعارض مع طبيعة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أوتي جوامع الكلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي |الصفحة أو الرقم: 2219 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

[2] الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم: 2733 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
[3] الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن جرير الطبري | المصدر : تفسير الطبري | الصفحة أو الرقم: 3/1/373 | خلاصة حكم المحدث : متواتر | انظر شرح الحديث رقم 130496 التخريج : أخرجه أبو داود (4324)، وأحمد (9630) باختلاف يسير، والطبري في ((تفسيره)) (6/459) واللفظ له
[4] تعليق: وأما قول الراوي (فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ) فهذا يحتاج لبحث علمي واستقصاء عن حقيقة هذه المنارة، وتاريخها. مع العلم أن المنارات من المشيدات الكنسية، وظيفتها تعليق جرس الكنيسة في أعلاها. وقد اتخذت منارة الكاتدرائية البيزنطية في عام 706 م بدمشق أول مئذنة في تاريخ المسلمين، ومنها اقتبس المسلمون فكرة بناء المآذن تشبها بالصليبيين، وذلك بعد تحويل الكاتدرائية إلى مسجد، بأمر الوليد بن عبد الملك (705–715م).
[5] الراوي : النواس بن سمعان الأنصاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2937 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-09-2020, 12:17 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

رفع الله درجة المسيح إليه بإنزال الإنجيل عليه، فعصمه من القتل، وأظهره على عدوه، قال تعالى: (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) فنجاه الله تعالى من الذين حاولوا قتله بهدف منعه من إكمال تبليغ الإنجيل، وهذه نعمة من الله العزيز الحكيم عليه. فقوله تعالي: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [النساء: 159] يحمل على أهل الكتاب المعاصرين لزمن نزول الإنجيل إلى ما قبل موت المسيح عليه السلام، وليس على أحد من أهل الأزمنة التاليه، وبالتالي يبطل الاحتجاج بالآية على أنهم سيؤمنون به بعد نزوله آخر الزمان.

كما لا يصح مقارنة إيمان أهل الكتاب بالمسيح زمن تنزيل الإنجيل، بالإيمان به حين نزوله آخر الزمان، فحين آمنوا به كإنسان يعيش بينهم كسائر البشر، كما في قوله تعالى: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ)، لم يكن بحاجة أن يثبت لهم بشريته، لأنهم لمسوا هذا فيه منذ مولده، فلم تظهر فكرة تأليهه إلا بعد موته. بينما من سيلتقون به آخر الزمان فإنهم ينتطرون نزول مسيح مؤله، وليس المسيح الإنسان، فهم يستنكرون النبوءة المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم بنزول المسيح (كإنسان)، وليس كإله، وهذا الخلاف سيتسبب في تكذيبه بدلا من أن يؤمنوا به، بدليل أنهم كفروا بالقرآن، وكذبوا بما جاء فيه من بشرية المسيح، ونفي إلوهيته.

لو رأى أهل الكتاب المسيح نازلا عليهم من السماء، فسيترسخ يقينهم بإلوهيته، وسيزدادوا تمسكا بكتبهم المحرفة، فإن ألهوه لما سمعوا بآية إحيائه الموتى بإذن الله، فكيف بهم إن رأوا آية نزوله من السماء واضعا يديه على أجنحة ملكين؟ حينها سيخرون له سجدا. فإن قال لهم: إنما أنا عبد الله، وبشر ممن خلق، ولست إلاها! فسيستنكرون أنه المسيح، ويتهمونه بالسحر والهرطقة، لأنه يزعم خلاف ما تقول به كتبهم المحرفة، وما يؤمنون به. فمن الوهم الظن بأنهم سيتقبلون فكرة أنه إنسان، هذا إن لم يحاولوا الفتك به وقتله، باعتباره مجدف، وضد المسيح بحسب تعبيرهم، أو المسيح الدجال بحسب تعبيرنا كمسلمين، وسينكرون أنه المسيح الحق بصفاته التي يؤمنون بها.

في المقابل إن رآى المسلمون تحقق نبؤة النبي صلى الله عليه وسلم، فسيرون نزول المسيح آية من الله عز وجل، وستعدها كل طائفة منحرفة من طوائف المسلمين دليلا على صحة ما هم عليه من ضلالات، وستزيدهم يقينا وتمسكا بمعتقداتهم الباطلة. فالآيات تزيد المؤمنين إيمانا، بينما هي فتنة للمنافقين، فتزيد أصحاب القلوب المريضة رجسا إلى رجسهم قال تعالى: (وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقولُ أَيُّكُم زادَتهُ هـذِهِ إيمانًا فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَزادَتهُم إيمانًا وَهُم يَستَبشِرونَ * وَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ فَزادَتهُم رِجسًا إِلى رِجسِهِم وَماتوا وَهُم كافِرونَ * أَوَلا يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لا يَتوبونَ وَلا هُم يَذَّكَّرونَ) [التوبة: 124، 126]. وفي المقابل فمن غير المتوقع أن يؤمن أهل الكتاب بنفس ما يؤمن به المسلمون، وإنما سيزدادوا كفرا وعداوة للمسلمين، وتكذيبا بما معهم، كما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم حين نفى إلوهية المسيح، وأثبت أنه بشر، فإن كذبوا ما في القرآن من حجج عقلية، واتبعوا ما تهوى أنفسهم، فحتما سيزدادوا تكذيبا إن رأوا آية نزوله، قال تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء: 59]، فالعقلية الصوفية بطبيعتها تتعلق بالخوارق والمعجزات، لا لتعدل وتقوم من مفاهيمها، والآيات لا تزيدها إلا ثباتا على معتقداتها الباطلة، فتتأولها بحسب أهواءها، فنزول المسيح بهذا المشهد الإسطوري هو آية من الله بكل المقاييس، ستزيد أهل الكتاب يقينا بإلوهييته.

طبيعة الشخصية الصوفية خرافية، وأصحابها متعلقون بالخوارق التي تؤجج أهواءهم، وتلبي ما تستكين له أنفسهم، ليطمئنوا بذلك أنهم على الحق، فعقولهم ذات طابع اتكالي، فلا يعملونها إلا لإثبات صحة ضلالاتهم، بدلا من أن يعملوها في التحري عن الحق، سواء كانت صوفية يهودية، أم مسيحية، أم إسلامية، فالتصوف شرك متسرب في جميع الملل والأديان. ولأن رجال الكنيسة يدركون طبيعة التصوف في شخصية أتباعهم، فقد عززوها في أنفسهم، واستغلوها فيهم، فابتكروا لهم خدع وحيل ما يعرف باسم (ظهورات العذراء)، باستخدام سحر الخداع البصري، والموثرات الضوئية المبتكرة، فيصورون لهم من حين إلى الآخر، نزول العذراء على قباب هذه الكنيسة وتلك، لحشد الجموع حولها، ولترسيخ معتقداتهم في قلوبهم، ليزداد أتباعهم يقينا بما هم عليه من باطل، لتنهال الأموال على صناديق النذور في الكنيسة، ومن ثم تتحول إلى مزار مقدس يحجون إليه من أنحاء العالم. فقبل أن نسرف في التفاؤل بإسلام أهل الكتاب، فمن باب أولى أن نفهم شخصيتهم على نحو واقعي. لذلك فإن إيمانهم بالمسيح قبل موته في قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)؛ وقع زمن تنزيل الإنجيل بعد اختلافهم في قتله وصلبه، وشكهم فيمن صلبوه، فليس في الآية ما يفيد أنهم سيؤمنون به بعد نزوله آخر الزمان، وإنما تم لي عنق الآية لتوافق النصوص القائلة بنزول المسيح آخر الزمان.



رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-09-2020, 07:20 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

في واقع الأمر؛ أن عقيدة تأليه المسيح ظهرت منذ زمن طويل، وبموته جهل ما أحدثه الناس بعده من تأليه له، وهذا يعنى أن وفاة المسيح عليه السلام قد تحققت في الماضي قبل نزول القرآن الكريم، إذن فهو الآن ميت، وليس من الأحياء، ولن يبعث من موته إلا يوم القيامة. لذلك قال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) بمعنى أنه كان شهيدا على قومه من أهل الكتاب زمن نزول الإنجيل، وليس آخر الزمان، بدليل أن الله عز وجل سيسأله يوم القيامة: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ) [المائدة: 116] فينكر المسيح عليه السلام أنه قال لهم هذا فقال: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة: 116]، فلو أنهم قالوا بألوهيته إبان حياته، لكان شهيدا على قولهم هذا، فما لزمه أن يرجع الشهادة إلى الله عز وجل القائل: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 117]، أي أنهم قالوا بإلوهيته بعد موته، فيأتي يوم القيامة لا يعلم بما أحدثوا بعده، فلو نزل آخر الزمان لتحقق له العلم بقولهم، ولصار شهيدا عليهم.

قال المسيح عليه السلام من قوله تعالى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم: 33]، إذن فهو لن يموت إلا مرة واحدة، لا مرتين، كما أنه ولد مرة واحدة، وسيبعث مرة واحدة لا مرتين. فإن قبل أن الله توفاه ثم رفعه إلى السماء، ثم يبعث من موته قبل يوم القيامة لينزل به إلى الأرض، ثم يموت مرة أخرى، ليبعث مرة أخرى يوم القيامة، هو آية من الله عز وجل لا ننكر قدرته عليها، لكن زعم وفاته مرتين، وبعثه مرتين يعارض نص القرآن الكريم.

وإن كان المسيح حي يرزق في السماء، وعلم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ما وسعه إلا أن ينزل حينها لاتباعه وتلقي القرآن عنه، والعمل به، ومبايعته، ونصرته من أن ينزل آخر الزمان، لقولله صلى الله عليه وسلم، القائل: (والَّذي نفسي بيدِهِ، لو أنَّ موسَى كان حيًّا ما وسِعَهُ إلَّا اتِّباعي). [1] وقال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نفسي بيدِه لا يسمعُ بي رجلٌ من هذه الأمَّةِ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثمَّ لم يؤمِنْ بي إلَّا كان من أهلِ النَّارِ). [2]

فمن لوازم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم الذي أنزل عليه، فإما أن المسيح عليه السلام تعلم القرآن في السماء الثانية، وإما سيتعلمه بعدما ينزل منها إلى الأرض آخر الزمان، فلا يصح إقامة الدين والعمل به بدون تلقي الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن العمل بالدين من لوازم الإيمان، فإن كان المسيح حي في السماء الثانية فلن تصح عباداته بدون تلقي الوحي والقرآن من النبي صلى الله عليه وسلم.

بشرت الملائكة مريم بمولد عيسى عليهما السلام فقال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ) [آل عمران: 48]، فمما بشرت به في الآية أن الله سيعلمه (التَّوْرَاةَ)، وقد أنزلت قبل مولده، وسيعلمه (الْإِنجِيلَ) الذي لم يكن قد أنزل بعد، لأن المسيح لم يكن قد ولد بعد، فهذه بشارة ونبوءة مستقبلية. وإن كان سينزل المسيح آخر الزمان، وسيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يلزم منه أن يتعلم القرآن الكريم، إلا أن القرآن لم يذكر ضمن الكتب التي سيتعلمها المسيح عليه السلام. فإن تناولت الآية نبوءة تعليمه التوراة والإنجيل، فإنها لم تخبر بتعليمه القرآن الكريم، وطالما أنه لن يتعلم القرآن، فهذا مما يطعن في مسألة نزوله آخر الزمان، وينفي عقيدة الرفع إلى السماء ثم إنزاله منها، ويثبت أن الله عز وجل توفاه، ولن يبعثه للحياة مرة أخرى إلا يوم القيامة.

كما أن المسيح يأتي يوم القيامة شهيدا على أمته لقوله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)، أي شهيدا على الذين عاصروه أثناء تنزيل الإنجيل لقول المسيح نفسه: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ)، لا شهيدا على الذين جاؤوا من بعده، فهؤلاء الله رقيب عليهم يوم القيامة لقوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ). لأن سنة الله تبارك وتعالى أن كل نبي شهيد على أمته خاصة لقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ) [النحل: 89]. فالنبي صلى الله عليه وسلم سيكون شهيدا على أمته، وأمته سيكونوا شهداء على الأمم كلها يوم القيامة لقوله تعالى: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج: 78]، وقال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].

بل إن معضلة نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان لا تقف عن حد إثبات بشريته، ونفي معتقد إلوهيته عند أهل الكتاب، وإنما سيواجه معهم معضلة إظهار الإنجيل الحقيقي، وتعريفهم به، أي سينكر ما في أناجيلهم من تحريفات، ويصدق ما في القرآن الكريم، لذلك فمطالعة كتبهم المحرفة والاستشهاد بما فيها من تحريفات يعد من التهوك المحرم والمنهي عنه لما ورد عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حينَ أتاهُ عمرُ رضي اللهُ عنه فقالَ: إنَّا نسمَعُ أحاديثَ مِن يَهودَ تعجبُنا، أفترى أن نَكتُبَ بعضَها؟ فقالَ: (أمتَهوِّكونَ أنتُم كما تَهوَّكتِ اليَهودُ والنَّصارى؟ لقد جئتُكم بِها بيضاءَ نقيَّةً، ولو كانَ موسى حيًّا ما وسِعَه إلَّا اتِّباعي). [1] فعندما يقول تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ) [المائدة: 3] لا يشير مطلقا إلى الاحتكام للأناجيل المحرفة التي بين أيديهم، وإنما يريد منهم الاحتكام إلى الإنجييل الذي أنزله على المسيح عليه السلام، ولن يستطيعوا أن يفعلوا، لأنهم لا يملكون في أيديهم الإنجيل الحق، لذلك قال تعالى بعدها في نفس الآية: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أي من لم يحكم بما أنزل الله في الإنجيل الحق، فإن لم يجده فليحكم بما أنزل الله في القرآن الكريم، لأن بعضه يصدق بعض، ويؤيد هذا قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 68]. ولأن كتبهم السليمة من التحريف ليست معهم، فإن ما أنزل على النبي سيزيد كثيرا منهم طغيانا وكفرا لأنه بخالف ما معهم من كتب محرفة. كذلك إن جاءهم المسيح بالإنجيل الحق فلن يؤمنوا به لمخالفته ما معهم من أناجيل، وأنى يصدقوه وقد كذبوا النبي صلىى الله عليه وسلم عندما كشف تحريفاتهم، وأبطل معتقداتهم، فكذلك لن يؤمنوا لبشر يدعي أنه المسيح، فهم ينتظرون إلاها لا بشرا، وسينكروا ما معه من الإنجيل لمخالفته أناجيلهم المحرفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الراوي : - | المحدث : الألباني | المصدر : تحريم آلات الطرب الصفحة أو الرقم: 158 | خلاصة حكم المحدث : حسن
[2] الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم: 157 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح



رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02-13-2020, 04:40 PM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

الموضوع لم يثير اهتمام الأعضاء؟ لا أجد تفاعلا



رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-15-2020, 12:56 PM
عضو
 Saudi Arabia
 Male
 
تاريخ التسجيل: 13-02-2020
الدولة: أرض الله
المشاركات: 240
معدل تقييم المستوى: 5
محمد عبد الوكيل is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عدم علم المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام بما أحدث الناس بعده، وعدم ورود القرآن الكريم مع الكتب التي سيُعلمها الله عز وجل له كما جاء في سورة آل عمران، وحقيقة أنه سيموت مرة واحدة بنص القرآن الكريم؛ هذه الأدلة التي ذكرتموها حاسمة، إنما يلتبس الفهم في قوله تعالى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) خاصة وأن قوله (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) التي قد يُفهَم أنها تدل على ظرف المكان.

يتغير معنى الرفع بحسب السياق، وقد نجده أحيانا بمعنى الصعود كاستثناء وأغلب ما نجد في لسان العرب بخصوص هذا اللفظ يفيد التشريف والرِفعة.

من لسان العرب:

ويقال : ارْتَفَعَ الشيءُ ارْتِفاعاً بنفسه إِذا عَلا.

ومن القرآن الكريم آيات اقترن فيها الرفع مع ظرف مكان واختُلِف في تبيان معانيها إذ لا نجد فيها قولا فصلا:

قال عز وجل (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يوسف:100]

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:63]

ومن الحديث متون ذكرت اللفظ بالمعنيين:

( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَتَبَ إلى أهلِ اليَمنِ بكِتابٍ فيه الفرائضُ والسُّننُ والدِّيَاتُ، وبَعَثَ به مع عَمرِو بنِ حَزْمٍ، وقُرِئَتْ على أهلِ اليَمنِ، وهذه نُسخَتُها: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، مِن محمَّدٍ النَّبيِّ، إلى شُرَحْبيلَ بنِ عَبدِ كُلالٍ، ونُعَيمِ بنِ عبدِ كُلالٍ، والحارثِ بنِ عبدِ كُلالٍ- قِيلِ ذي رُعَيْنٍ ومُعافِرَ وهَمْدانَ-، أمَّا بَعدُ، فقد رُفِعَ رسولُكُم، وأَعطَيْتُم مِنَ الغَنائمِ خُمُسَ اللهِ وما كَتَبَ اللهُ على المؤْمِنينَ مِنَ العُشْرِ في العَقارِ، وما سَقَتِ السَّماءُ وكان سَيحًا أو بَعلًا ففيه العُشرُ إذا بَلَغَ خمسةَ أَوسُقٍ، وما يُسقى بالرِّشاءِ وَالدَّاليةِ ففيه نِصفُ العُشرِ إذا بَلَغَ خمسةَ أَوسُقٍ، وفي كلِّ خَمسٍ مِنَ الإبلِ سائمةُ شاةٍ إلى أنْ تَبلُغَ أربعًا وعِشرينَ، فإذا زادَتْ واحدةً على أَربعٍ وعِشرينَ ففيها ابنةُ مَخاضٍ، فإنْ لمْ توجَدِ ابنةُ مَخاضٍ فابنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلى أنْ تَبلُغَ خَمسًا وثلاثينَ، فإذا زادَتْ على خَمسٍ وثلاثينَ واحدةً ففيها ابنةُ لَبُونٍ، إلى أنْ تَبلُغَ خَمسًا وأربعينَ، فإنْ زادَتْ واحدةً على خَمسٍ وأربعينَ ففيها حِقَّةٌ طَروقةُ الجَمَلِ، إلى أنْ تَبلُغَ سِتِّينَ، فإذا زادَتْ على سِتِّينَ واحدةً ففيها جَذَعةٌ، إلى أنْ تَبلُغَ خَمسًا وسَبعينَ، فإنْ زادَتْ واحدةً على خَمسٍ وسَبعينَ ففيها ابنَتَا لَبُونٍ، إلى أنْ تَبلُغَ تِسعينَ، فإنْ زادَتْ واحدةً ففيها حِقَّتانِ طَروقَتَا الجَمَلِ، إلى أنْ تَبلُغَ عِشرينَ ومِئةً، فما زادَ على عِشرينَ ومِئةٍ ففي كلِّ أربعينَ بنتُ لَبُونٍ وفي كلِّ خمسينَ حِقَّةٌ طَروقةُ الجَمَلِ. وفي كلِّ ثلاثينَ باقورةً تَبِيعٌ جَذَعٌ أو جَذَعةٌ، وفي كلِّ أربعينَ باقورةً بقرةٌ. وفي كلِّ أربعينَ شاةً سائمةُ شاةٍ، إلى أنْ تَبلُغَ عِشرينَ ومِئةً، فإنْ زادَتْ على عِشرينَ ومِئةً واحدةً ففيها شاتانِ، إلى أنْ تَبلُغَ مائتَينِ، فإنْ زادَتْ واحدةً ففيها ثَلاثٌ إلى أنْ تَبلُغَ ثَلاثَ مئةٍ، فإنْ زادَتْ ففي كل مِئةِ شاةٍ شاةٌ. ولا تؤْخَذُ في الصَّدقةِ هَرِمَةٌ، ولا عَجْفاءُ، ولا ذاتُ عَوارٍ، ولا تَيْسُ الغَنَمِ، ولا يُجمَعُ بيْن مُتفرِّقٍ، ولا يُفرَّقُ بيْن مُجتمِعٍ خَشيةَ الصَّدقةِ، وما أُخِذَ مِنَ الخَليطَينِ فإنَّهُما يَتراجَعانِ بيْنهُما بالسَّويَّةِ. وفي كلِّ خَمسِ أَواقٍ مِنَ الوَرِقِ خمسةُ دَراهمَ، وما زادَ ففي كلِّ أربعينَ دِرهمًا دِرهمٌ، وليس فيما دُونَ خَمسِ أَواقٍ شيءٌ. وفي كلِّ أَربعينَ دينارًا دينارٌ. وإنَّ الصَّدقةَ لا تَحِلُّ لمحمَّدٍ وأهْلِ بَيتِه، إنَّما هي الزَّكاةُ، تُزكَّى بها أَنفُسُهُم، ولفُقراءِ المؤْمِنينَ، وفي سبيلِ اللهِ، وابنِ السَّبيلِ. وليس في رَقيقٍ ولا مَزرعةٍ ولا عُمَّالِها شَيءٌ إذا كانتْ تؤَدِّي صدَقَتَها مِنَ العُشرِ. وإنَّه ليس في عبْدٍ مُسلِمٍ ولا في فَرَسِه شيءٌ. قال يحيى: أَفْضَلُ، ثم قال: كان في الكِتابِ: إنَّ أَكبَرَ الكَبائرِ عِندَ اللهِ يَومَ القيامةِ: إشراكٌ باللهِ، وقتْلُ النَّفْسِ المؤْمِنةِ بغَيرِ حقٍّ، والفِرارُ يَومَ الزَّحفِ في سبيلِ اللهِ، وعُقوقُ الوالدَينِ، ورَميُ المُحْصَنةِ، وتَعلُّمُ السِّحرِ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليتيمِ. وأنَّ العُمرةَ الحجُّ الأَصغرُ. ولا يَمَسُّ القُرآنَ إلَّا طاهرٌ. ولا طَلاقَ قَبلَ إملاكٍ. ولا عَتاقَ حتَّى يُبتاعَ. ولا يُصلِّيَنَّ أحدُكُم في ثَوبٍ واحدٍ وشِقُّه بادٍ، ولا يُصلِّيَنَّ أحدُكُم في ثَوبٍ واحدٍ وشِقُّه بادٍ، ولا يُصلِّيَنَّ أحدٌ منكُم عاقِصًا شَعرَه. وأنَّ مَنِ اعتَبَطَ مؤْمِنا قَتْلًا عن بَيِّنةٍ فإنَّه قَوَدٌ إلَّا أنْ يَرضى أولياءُ المَقتولِ، وأنَّ في النَّفْسِ الدِّيَةَ مِئةً مِنَ الإبلِ، وفي الأَنْفِ إذا أُوعِبَ جَدْعُه الدِّيَةُ، وفي اللِّسانِ الدِّيَةُ، وفي البَيضتَينِ الدِّيَةُ، وفي الشَّفتَينِ الدِّيَةُ، وفي الذَّكرِ الدِّيَةُ، وفي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وفي العَينَينِ الدِّيَةُ، وفي الرِّجْلِ الواحدةِ نِصفُ الدِّيَةِ، وفي المَأمُومةِ ثُلُثُ الدِّيةِ، وفي الجائِفةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وفي المُنقِّلةِ خَمْسَ عشْرةَ مِنَ الإبلِ، وفي كلِّ أُصبُعٍ مِنَ الأصابعِ مِنَ اليَدِ والرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإبلِ، وفي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبلِ، وفي المُوضِحةِ خَمْسٌ مِنَ الإبلِ، وأنَّ الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمرأةِ، وعلى أهلِ الذَّهَبِ ألْفُ دينارٍ.) [1]

(لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ عَظِيمَتانِ، يَكونُ بيْنَهُما مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُما واحِدَةٌ، وحتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذّابُونَ، قَرِيبٌ مِن ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنَّه رَسولُ اللَّهِ، وحتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ: وهو القَتْلُ، وحتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المالُ فَيَفِيضَ حتَّى يُهِمَّ رَبَّ المالِ مَن يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وحتَّى يَعْرِضَهُ عليه، فَيَقُولَ الذي يَعْرِضُهُ عليه: لا أرَبَ لي به، وحتَّى يَتَطاوَلَ النَّاسُ في البُنْيانِ، وحتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بقَبْرِ الرَّجُلِ فيَقولُ: يا لَيْتَنِي مَكانَهُ، وحتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فإذا طَلَعَتْ ورَآها النَّاسُ - يَعْنِي آمَنُوا - أجْمَعُونَ، فَذلكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُما بيْنَهُما، فلا يَتَبايَعانِهِ ولا يَطْوِيانِهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بلَبَنِ لِقْحَتِهِ فلا يَطْعَمُهُ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وهو يُلِيطُ حَوْضَهُ فلا يَسْقِي فِيهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إلى فيه فلا يَطْعَمُها.) [2]

ولكن بجمع الأدلة يزول اللبس.

سبق لفظ الرفع حقيقة وفاته عليه السلام والتي حاول بعض المفسرين الالتفاف حول دلالتها بقولهم أنها وفاة نوم وليس موت[3] نسبة لما جاء في قوله عز وجل (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الزمر:42] ونذكر أن منهم من نفى ذلك استنادا للدلالة اللغوية للوفاة[4]

في كلتا الحالتين؛ وبحسب المتعارف عليه عندما يموت الإنسان لا يصعد جسده إلى السماء سواء توفاه الملك في اليقضة أو في المنام والقول أن ذلك حدث على وجه الاستثناء يحتاج لدليل، لو فرضنا أن الرفع جاء بمعنى العروج أو الصعود كما يدعون، مالذي صعد ؟ الله عز وجل يقول (يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) وعيسى عليه السلام روح وجسد، والقول بأنهما انفصلا عن بعضهما فصعد أحدهما دون الثاني شطط لا يخفى على عاقل.

ثم كيف ستنزل هذه الروح مرة أخرى ويراها البشر وجسدها في الأرض ؟ وكيف ستتفاعل مع مادة العالم الإنسي ؟ لو صح خبر عودته آخر الزمان لجاء بمعنى بعثه عليه السلام من الأرض لا أن ينزل من السماء والله أعلم.
_____________

[1] الراوي : عمرو بن حزم | المحدث : الإمام أحمد | المصدر : السنن الكبرى للبيهقي، الصفحة أو الرقم: 4/89 | خلاصة حكم المحدث : أرجو أن يكون صحيحاً |
[2] الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 7121 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] |
[3] انظر على سبيل المثال جامع البيان للطبري والأقوال التي أوردها هنا
[4] انظر قول إبن عاشور في التحرير والتنوير هنا



رد مع اقتباس
  #9  
قديم 02-15-2020, 05:06 PM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

قوله صلى الله عليه وسلم: (فقد رُفِعَ رسولُكُم) تشير إلى رفعه من درجة رسول إلى درجة نبي، وذلك بإنزال الكتاب عليه. كذلك المسيح عليه السلام رفعه الله عز وجل إليه فأنزل عليه الكتاب، بعد أن نجاه ممن حاولوا قتله. خاصة وأنهم حين ظنوا أنهم قتلوه قالوا: (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) فلم يقولوا [نبي الله] أي أنه لم يكن قد أنزل عليه الكتاب بعد.

وهذا النص يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم مارس مهامه كرسول قبل أن ينزل عليه القرآن، فبنزول القرآن عليه رفع لدرجة نبي، مما يفيد أن تاريخ مرحلة الرسول تم حذفه من كتب المؤرخين، وأن هناك إشارات في القرآن الكريم تذكر بعضا مما تحمله وهو رسول، وأحسب قوله تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40] يشير إلى مرحلة كان النبي صلى الله عليه وسلم رسولا، فنجاه من الكافرين، ونصره بنزول القرآن عليه، وأيده بالوحي والملائكة، وجعل كلمة الله هي العليا أي القرآن الكريم. فمن يتدبر النص ويدقق فيه يتبين له أنه لا يمكن أن ينتمي إلى عهد ما بعد نزول القرآن، بل إلى قبله، ولا علاقة له بعبد الله بن أبي قحافة على الإطلاق.

والله أعلم



رد مع اقتباس
  #10  
قديم 09-13-2020, 07:54 PM
عضو
 Saudi Arabia
 Male
 
تاريخ التسجيل: 13-02-2020
الدولة: أرض الله
المشاركات: 240
معدل تقييم المستوى: 5
محمد عبد الوكيل is on a distinguished road
افتراضي

استوقفني قوله تعالى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ)[الصف: 14]

في الآية إشارة لوجود طرفين متعاديين؛ طائفة مؤمنة من بني إسرائيل في صف المسيح عليه السلام وطائفة كافرة، ووقوع التأييد والظهور -ومعناه الغلبة-[1] دليل على حدوث صدام بين الطائفتين، وعليه يُفهم القول السابق للمسيح عليه السلام مطلع الآية في اختباره للحواريين؛ أنه أراد بالنصرة -في هذا الموضع- نصرة الجهاد، أي أنه ومن معه من المؤمنين حاربوا الكفار، ولنصرة الدين أوجه أخرى كما ناصر الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بالاستقبال والإيواء والإنفاق والجهاد في سبيل الله.

وعليه قد تكون شبهة القتل والصلب حدثت في خضم معركة أو حرب، ظن فيها الكفار أنهم ظفروا بالمسيح عليه السلام فصلبوه وقتلوه، وهنا نتوقف عند قوله تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَۢا) أي لم يصلوا إلى درجة اليقين في أن المقتول والمصلوب هو نفسه عيسى ابن مريم عليهما السلام، فما الدافع لهذا الشك ؟ المفروض أنهم يعلمون شكله لأنه دعاهم فكفروا فلماذا شكوا في هوية المقتول ؟

_______________
[1] جاء في لسان العرب في جذر (ظ هـ ر) .... ظَهَر فلانٌ على فلان أَي قَوِيَ عليه.وفلان ظاهِرٌ على فلان أَي غالب عليه. وظَهَرْتُ على الرجل: غلبته. .... قوله عز وجل: فأَصْبَحُوا ظاهِرين؛ أَي غالبين عالين، من قولك: ظَهَرْتُ على فلان أَي عَلَوْتُه وغلبته. يقال: أَظْهَر الله المسلمين على الكافرين أَي أَعلاهم عليهم.


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المسيح, الله, السلام, به, يقل, رفع, عرج, فلم, إلى, إليه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
تابعونا عبر تويترتابعونا عبر فيس بوك تابعونا عبر وورد بريس


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنتدى آخر الزمان©

تابعونا عبر تويتر