#1
|
|||||||
|
|||||||
محاضرة بعنوان: يهود الحجاز قبل ظهور الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم ضمن موسمها الثقافي الخامس عشر ، ضيفت مؤسسة الحوار الأنساني بلندن الاستاذ الدكتور جعفر هادي حسن يوم الاربعاء 19 اكتوبر2016 و 26 اكتوبر 2016 في امسيتين ثقافيتين بعنوان (يهود الحجاز قبل ظهور الإسلام) تناول فيهما دور يهود الحجاز الكبير في الحياة الثقافية والإقتصادية والتجارية والإجتماعية في مجتمع الجزيرة العربية قبل الاسلام وقد أدار الامسيتين الاستاذ غيث التميمي . الدكتور جعفر هادي حسن باحث وأستاذ جامعي عراقي، مختص بالدراسات اليهودية واللغات السامية ، درس في عدد من الجامعات العربية والغربية، وله عدد من الكتب والدراسات في حقل الدراسات اليهودية باللغتين العربية والإنجليزية. وقد أجيزت مؤخرا أطروحة ماجستير عن دراساته بدرجة امتياز في جامعة الأمير عبد القادر في الجزائر. المقدمة: في بداية محاضرته بين الدكتور جعفر هادي حسن ،انه وبسبب طول الموضوع وللاحاطة بكل جوانبه اضطر الى تقسيمه الى امسيتين سيتناول في الامسية الاولى اصل اليهود في الجزيرة العربية وهل هم مهاجرون ام انهم من السكان الاصليين الذين دخلوا الدين اليهودي ام انهم خليط من المهاجرين ومن السكان الاصليين ، بينما سيتناول في الجزء الثاني من المحاضرة ،دراسة وضع يهود الحجاز قبل الاسلام والتعريف باحوالهم الاقتصادية والاجتماعية والدينية وعاداتهم وتقاليدهم وتأثير ذلك على جيرانهم من القبائل العربية. ﺍﻟﻭﺠـﻭﺩ ﺍﻟﻴﻬـﻭﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠـﺎﺯ: ابتدأ الدكتور جعفر هادي حسن محاضرته بالقول ؛ في البدء لابد من الاشارة الى ان هنالك العديد من الممالك والدويلات القديمة التي وجدت في الحجاز وشبه الجزيرة العربية في فترات تاريخية قديمة سبقت الاسلام ،ولم نكن نملك الكثير من المعلومات حولها حتى فترة متأخرة نسبيا ،ومن هذه الدويلات او الممالك قيدار وثمود وكندة ،وقد ذكرت قيدار اكثر من مرة في التوراة وذكر من ملكاتها زبيبة وشمسي ،وقد كانت هذه المعلومات مجهولة حتى فترة متأخرة لكن التنقيبات الحديثة اظهرت ومازالت تكشف عن العديد من المعلومات فمثلا تم اكتشاف اكثر من 13 مدينة قديمة في الجزيرة العربية في تنقيبات حديثة وربما ستكشف عن معلومات اركيولوجية جديدة ومهمة في المستقبل . لقد كان اليهود مجموعة أثنية ودينية مهمة من مجتمع الحجاز، وكان لهم دور كبير في الحياة الثقافية والإقتصادية والتجارية والإجتماعية،ولكن كثيرا ما تثار أسئلة عن أصل وجودهم في هذه المنطقة،وفيما إذا كانوا قد قدموا من أماكن أخرى أو كانوا فيها منذ القدم. وﻻ ﺒﺩ ﻟﻨﺎ ﻗﺒل البدء بالحديث من الاشارة الى اهم المدن التي كانت تعتبر ذات اغلبية يهودية او مراكز او تجمعات يهودية في الحجاز ،لذلك نجد ان اليهود تجمعوا في مدن اهمها فدك، تيماء العلا،خيبر، ويثرب ووادي القرى ،وكان بعضهم رؤوساء هذه المدن مثل مدينة تيماء التي كان زعيمها السمؤال بن عاديا الشاعر اليهودي المعروف. كيف جاء اليهود الى الحجاز؟ ومتى؟ هنالك عدة نظريات وروايات حول اصل اليهود في الحجاز ، وقد بين الدكتور جعفر هادي حسن انه يتفق مع بعضها ولا يتفق مع البعض الاخر ،لكن وللامانة العلمية لابد من ان يتطرق الى هذه النظريات ،ومنها من يجعل اصل اليهود في الحجاز قديما ويرجعه الى زمن النبي موسى (ع) حيث ارسل جيشا من اتباعه من بني اسرائيل الى الحجاز لقتال العماليق الاعداء التاريخيين لبني اسرائيل والذين كانوا يسكنون الحجاز ، وتذكر الرواية التاريخية انهم قاتلوا العماليق الذين ذكروا كثيرا في التوراة وقضوا عليهم وعلى زعيمهم الارقم ولم يتبق منهم الا ابن الزعيم الذي كان شابا صبوحا جميلا فابقوا عليه واخذوه اسيرا وعادوا به الى النبي موسى (ع) الذي وجدوه قد توفي عند وصولهم ، فقال من خلفه انكم قد اتيتم امرا عظيما وخالفتم اوامر التوراة بعدم قتل هذا الشاب ،وهنا اريد ان استشهد بنص في التوارة يخاطب فيه الرب شاؤول بالقول (هكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا) ، وفي نص اخر من سفر الخروج في التوراة نقرأ (فقال الرب لموسى: اكتب هذا تذكارا في الكتاب، وضعه في مسامع يشوع. فإني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء) وكذلك في سفر التكوين نقرأ (سفر التكوين 14: 7 ثُمَّ رَجَعُوا وَجَاءُوا إِلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ الَّتِي هِيَ قَادِشُ. وَضَرَبُوا كُلَّ بِلاَدِ الْعَمَالِقَةِ، وَأَيْضًا الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَصُّونَ تَامَارَ) ، وهنا ينبه الدكتور جعفر هادي حسن الى انه لا يتفق مع هذه الرواية وكذلك كان حال المؤرخ العربي ابن خلدون في تاريخه الذي لم يأخذ بهذه الرواية ،وهنا يذك د.جعفر انه بحث عنها في المصادر اليهودية ووجد في دائرة المعارف اليهودية هذه المعلومات التي تخبرنا ان عماليق اسم سامي قد يعني “المحارب” أو ” ساكن الوادي ” ، كذلك : عماليق أو العمالقة ، شعب من البدو الرُحَّل في جنوبي أرض كنعان وصحراء النقب ، وكانوا معادين لإسرائيل في المراحل الأولى من تاريخ إسرائيل .وفي الأصحاح الرابع والعشرين من سفر العدد نقرأ أنه لما رأي بلعام عماليق ، ” نطق بمثله وقال عماليق أول الشعوب ، وأما آخرته فإلى الهلاك ” (عد 24: 20) وعبارة “أول الشعوب” قد تعني أنه أول شعب هاجم بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر (خر 17: 8، عد 14: 45) ، أو أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة (1 صم 27: 8) كان العمالقة شعباً بدوياً ، يتجولون في المنطقة ما بين شمالي سيناء والنقب جنوبي كنعان ، إلى الجنوب من بئر سبع بما في ذلك منطقة العربة إلى الشمال من إيلات وعصيون جابر ، وربما إلى بعض الأجزاء الشمالية من شبه جزيرة العرب . ونقرأ أن شاؤول الملك ضرب ” عماليق من حويلة حتي مجيئك إلى شور التي مقابل مصر ” ) 1 صم 15: 7) . ويبدو أنها نفس المنطقة التي كان يسكنها قبلاً بنو إسماعيل الذين ” سكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجئ نحو أشور. ويبين د. جعفر ان الرواية التي ذكرناها لها علاقة بما طرحه عالم يهودي امريكي مختص بالاسرائليات هو دينيس آفي ليبكين الذي كتب ستة كتب عن الموضوع وفي احدها بعنوان (العودة الى مكة ) يذكر ان اليهود ظلوا اربعين سنة في تيههم التاريخي ليس في صحراء سيناء مصر وانما في الجزيرة العربية ، لماذا ؟ لان شبه جزيرة سيناء صغيرة ولا تتحمل 600 الف هارب من مصر وهذا العدد هو ما تذكره التوراة ، وكذلك سيناء قريبة من مصر ومن سطوة حاكم مصر او فرعون مصر، كما ان هنالك حاميات عسكرية في سيناء تم الكشف الاثاري عنها ، فمن غير المنطقي ان يتواجدوا فيها ،لذلك فان صحراء التيه الاسرائيلي هي في الجزيرة العربية بحسب نظرية ليبكين الذي يذكر ان وجود اليهود التاريخي في الحجاز وفي شبه جزيرة العربقديم. وهذا رأي قد نتفق معه وقد نرفضه الا ان الدلائل الاثارية بخصوص هذا الموضوع ما زالت ضعيفة. وينتقل د. جعفر هادي حسن الى الرأي الاخر او النظرية الاخرى التي تفسر الوجود اليهودي في الحجاز القائلة ان سبب وجود اليهود في المنطقة كان تجاريا ،فلقد مثلت فلسطين الامتداد الطبيعي للحجاز، وكان من الطبيعي أن يكون هناك اتصال لسكانها بالحجاز، واتصال بالمقابل لسكان الحجاز بفلسطين، وهذا سيؤدي بالتأكيد الى قيام او نشوء جاليات يهودية نتيجة الذهاب إلى الجزيرة العربية للاتجار والإقامة ونقرأ في التوراة عن هذا الامر (سفر حزقيال 27: 21 – اَلْعَرَبُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ قِيدَارَ هُمْ تُجَّارُ يَدِكِ بِالْخِرْفَانِ وَالْكِبَاشِ وَالأَعْتِدَةِ. فِي هذِهِ كَانُوا تُجَّارَكِ. بِأَفْخَرِ كُلِّ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَبِكُلِّ حَجَرٍ كَرِيمٍ وَالذَّهَبِ أَقَامُوا أَسْوَاقَكِ) ونستطيع ان نستنتج ان التجار اليهود قد اقاموا لفترات في المنطقة العربية وسعوا الى ادخال العرب الوثنيين الى الدين اليهودي ،وهذا الامر معروف في القرن السادس الميلاي قبيل ظهور الاسلام ،كذلك في سفر ارميا ، كما تجدر الاشارة الى هروب جماعات يهودية بعد الاجتياح الاشوري لفلسطين الى شبه الجزيرة العربية وهذا الامر مذكور في بعض المصادر التاريخية. ثم يتحول د. جعفر هادي حسن الى رواية اخرى او نظرية اخرى تدعمها نقوش اثارية ،وتتعلق بأخر ملك من ملوك بابل وهو نبونيدوس،الذي احدث لغزا لم يحل الى الان ، حيث خلف نبوخذ نصر على العرش البابلي ثلاثة من الملوك الضعفاء الذين لم يتمكنوا من المحافظة على سلطان الدولة البابلية فانتاب الامبراطورية ضعف وتدهور وقامت الثورة في البلاد وانتهت بتنصيب نبونيدس ملكا على البلاد. نبونيدوس (556-539 ق.م) قام بحملة على شمال شبه الجزيرة العربية في عام (549 ق.م) واتخذ من تيماء مقراً لأقامته لفترة طويلة من حكمه امتدت عشر سنوات حيث بنى لنفسه قصراً اشار اليه في نصوصه: (بأنه كالقصر الذي شيده نبوخذ نصر الثاني في بابل، وجعل تيماء مدينة زاهرة) ، وفي الحقيقة ان تيماء كانت تمثل العاصمة الحقيقية للامبراطورية البابلية بعد ان ترك نبونيدوس ابنه بيلشاصر يحكم نيابة عنه في بابل. ومن النصوص المهمة التي ترشدنا الى معرفة الكثير عن هذا الاستقرار للعاهل البابلي في تيماء مسلتان تم الكشف عنها في مدينة حران الواقعة في جنوب تركيا اذ انهما تشيران الى ان نبونيدوس بسط نفوذه على باقي مدن شبه الجزيرة العربية ونقرأ ما نصه: (ولكنني ابعدت نفسي عن مدينة بابل على الطريق الى تيماء ودادانو وباداكو وأخبيرو واياديخو وحتى يثربو، تجولت بينها هناك مدة عشر سنين لم ادخل خلالها عاصمتي بابل). واشار الدكتور جعفر هادي حسن ،الا انه يعتقد ان تيماء في ذلك العهد كانت عاصمة لدولة عربية قديمة قد تكون قيدار، ان مدينة تيماء تعد من اشهر مناطق الواحات في الجزيرة العربية اذ انها تحتل مركزا رئيسا على طريق التجارة الرابط بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها والمعروف بأسم (طريق البخور) وقد اكتشف فيها آثار وكتابات تؤكد الاهمية التجارية التي كانت تتمتع بها تيماء وبقية الواحات او المدن على طريق التجارة العربية ، ويمكن القول ان نبونيدوس اقام مستوطنات من الرعايا البابليين في تلك الواحات التي سيطر عليها وقد استطاع هذا الملك خلال وجوده في تيماء من عقد علاقات دبلوماسية طيبة مع القبائل العربية وبلاد مصر وان يحافظ على علاقاته الجيدة مع الميديين في بلاد ايران وقد ساد السلام المنطقة طيلة اقامة نبونيدوس في تيماء ،ولهذا فقد افرزت اقامة العاهل البابلي في تلك الواحة نتائج حضارية اذ انعكست التأثيرات البابلية على الاعمال الفنية التي تم الكشف عنها في هذه المدينة فيما بعد ومنها مسلة تيماء التي تبدو فيها الطرز الفنية للفخار البابلي واضحةً ، فضلاً عن التأثيرات الاخرى التي ظهرت في الآثار المكتشفة في تلك المدينة بعد ان اصبحت جزءاً من الامبراطورية البابلية الحديثة. كذلك كانت تيماء مشهورة بكثرة النخيل ووفرة المياه للزراعة ،وهذا ما يدحض بعض النظريات التي تذكر ان اليهود هم من ادخل زراعة النخيل الى الحجاز ،وربما جاء التأثير من الانباط من سكان البتراء المعروفين باهتمامهم بالنظام الزراعي. وهنا يطرح د. جعفر هادي حسن سؤاله ؛ماهي علاقة نبونيدوس بوجود اليهود في الحجاز ؟ ويجيب لقد كشفت مخطوطات البحر الميت التي تمثل اكتشافا خطيرا بالنسبة للتراث اليهودي ، وربما كان اهم اكتشاف في القرن العشرين ، التي ضمت مخطوطة باللغة الارامية التي كانت اللغة السائدة في الشرق الادنى ،وكانت هنالك رسالة تقول ان نبونيدوس مرض فجلب كاهن يهودي ومتنبيء ،فطلب الكاهن من الملك ان يصلي لله لكي يشفى ،لكن المعلومات تقول ان جيش نبونيدوس كان فيه بعض من اليهود من بقايا السبي البابلي وكذلك من رعايا مملكة يهوذا ، لذلك يستنتج الباحثون ان من غير المعقول ان الجيش فيه كاهن واحد ،ولابد من وجود كهنة ،لذلك تقول النظرية ان اليهود المصاحبين لنبونيدوس بقوا في الحجاز بعد رحيل نبونيدوس عن المنطقة وهم اساس وجود اليهود في الحجاز. وفي المصادر العربية تذكر تيماء وفيها حصن الأبلق وهو حصن السمؤال بن عاديا اليهودي ، وقصة السموأل مع امرؤ القيس معروفة ،حيث اودع امرؤ القيس ابنته امانة عند السموأل عندما ذهب الى قيصر الروم لطلب مساعدته في ارجاع ملك ابيه في كندة ممن اغتصبه منه ، وقد اخذ منافسو امرؤ القيس ابن السمؤال وفاوضوه على ان يعطيهم ابنة امرؤ القيس والا قتلوا ولده ،فابى وكانت النتيجة مقتل ابنه لذلك قالت العرب (اوفى من السمؤال). ويكمل د.جعفر هادي حسن بالقول ؛هنالك نظرية اخرى حول الوجود اليهودي في الحجاز ،ففي مدينة العلا قرب تيماء وبقربها مدينة اسمها مدائن صالح ،نبونيدوس مر بهذه المدينة في طريقه الى تيماء ، وقد وجد شواهد قبور عليها كتابات اكدية – بابلية ،وقد اشارت التوراة كثيرا الى مدينة العلا باسمها الاكدي القديم ديدانو ،وقد عثر في هذه المدينة على اكثر من عشرين شاهدة قبر لاسماء يهودية ،وهذه القبور تعود للفترة من القرن الاول قبل الميلاد الى القرن الرابع بعد الميلاد.كما ان الوجود اليهودي في الحجاز في القرن الاول قبل الميلاد او القرن الاول بعد الميلاد يظهر لنا في الحملة التي قام بها الامبراطور الروماني اغسطوس لضم اليمن الى الامبراطورية الرومانية للسيطرة على منتجات اليمن المتعددة من البخور والتوابل ومنتجات الجنوب العربي فانتدب حاكم مصر الروماني لقيادة الحملة والتي توقفت في مدينة العلا، والتلمود يذكر ان هذا الجيش توقف في هذه المدينة لوجود اليهود فيها ،والمؤرخون يذكرون ومنهم المؤرخ الروماني سترابو الذي عاش في القرن الاول قبل الميلاد يقول ان 500 يهودي ارسلهم هيرود الذي كان يحكم يهوذا من قبل الرومان شاركوا في هذه الحملة ،وقد كان دليل الحملة من النبط فخانهم ولم يوصلهم الى اليمن لاسباب اقتصادية حيث يسعى الرومان للسيطرة على اليمن وثرواتها وبالتالي ستنتهي تجارة النبط القائمة على هذه المواد مع الامبراطورية الرومانية. ويستمر في حديثه حيث يذكر د.جعفر ان هنالك رواية او نظرية اخرى او رأي آخر ،أقرب إلى الحقيقة ، فحواه أن اليهود هاجروا إلى الحجاز من بلاد الشام في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد بعد نجاح الرومان في فرض سيطرتهم على بلاد الشام ومصر، وعلى اليهود ودولة الأنباط في القرن الثاني بعد الميلاد، مما أدى إلى هجرة هذه القبائل اليهودية إلى الحجاز، التي كانت بعيدة عن السلطة الرومانية ، واستمرت هذه الهجرة اليهودية بشكل متزايد بعد فشل التمرد اليهودي ضد الرومان، وهي الثورة التي قضى عليها القائد الروماني تيطس عام 70 م، وثورة أخرى أفشلها الإمبراطور هادريان بين عامي 132م – 135 م ،والذي قاد هذا التمرد او الثورة اليهودية هو باركوخبا ،ومن كان يشجعه او يقف ورائه هو الحاخام عقيبا الذي كان يدعو باركوخبا بالمسيح المخلص ،وكان الحاخام عقيبا يسافر لجمع المدد والعون لقائد الثورة ،ومن المناطق التي تنقل فيها كانت جزيرة العرب في القرن الاول الميلادي. هنالك باحثون يرون غير ذلك تماما ، حيث يبين د. جعفر انه في عام 525 م انتحر ذونؤاس الذي كان ملك مملكة حمير بعد ان دخلت حملة الحبشة الى اليمن وسيطرت على اليمن ،وذو نؤاس كان يهودي بالتحول ،اي ليس بالولادة ،ويعتقد انه كان يضطهد المسيحين في اليمن ،وان الحبشة ارسلت جيشا للدفاع عن المسيحيين ،ونتيجة القضاء على مملكة ذو نؤاس هرب الكثير من يهود اليمن الى الحجاز ، وقد كانوا يتكلمون الحميرية التي كانت مفهومة كلغة في الحجاز، كما ان هنالك رأي لبعض الباحثين الغربين يقولون ان كل اليهود في الجزيرة العربية هم عرب تحولوا الى اليهودية من الاديان الاخرى وهذا رأي الكثير من المؤرخين العرب الذين يقولون ان اليهود هم قبائل عربية قديمة تهودت. ومن الادلة التي يسوقها الباحثون المعاصرون على عروبة القبائل اليهودية هي انهم يعيشون في ظل تقاليد يهودية بسيطة ،كما انهم كانوا يتكلمون اللغة العربية ولهم عادات وتقاليد عربية ولم يكن بينهم عالم دين او حاخام يمكن ان يدافع عن عقائدهم عندما ظهر الاسلام ، والشيء الاخر ان يهود الجزيرة العربية من دون مجاميع اليهود المشتتة لم يتركوا تراثا دينيا ،لذلك يستدل الباحثون من هذه القرائن على ان هذه القبائل هي قبائل عربية كانت حديثة العهد بالتهود ولا تمتلك جذورا دينية عميقة ، ومن الادلة الاخرى ،ان نساء العرب كن ينذرن اولادهن اذا ولدن ذكورا او عند مرضهم ينذرن هولاء الاولاد ان يهودوهم ،وتذكر كتب السيرة ان البعض سأل الرسول عن ذلك فقال لهم (لا اكراه في الدين)، والامر الثاني كان الوضع القوي والجيد لليهود في الحجاز ، وهم لم يسكنوا هذه المدن فقط بل سكنوا في الطائف وحتى في مكة وهنالك مقبرة لليهود في مكة ، وقد كان الاعراب يأتون للسكن في هذه المدن ومنها الحادثة التي تذكر عن جماعات من البدو جاءت الى سيد تيماء اليهودي وطلبوا منه ان يسمح لهم بالسكن في المدينة فاخبرهم بوجوب تهودهم للسماح لهم بالسكن في المدينة فتهودوا ، وفي يثرب جاء مجموعة من الاوس والخزرج للسكن قرب حصون اليهود فطلبوا منهم التحول الى اليهودية فتم ذلك ، كل هذه الادلة اثارها الباحثون حول الاصل العربي ليهود الحجاز ،فانت لا تجد في تراثهم مخطوطات حول الصلاة او الحلال او المحرمات وانما كانوا يعيشون في ظل تدين بسيط. ويستمر د.جعفر في حديثه عن النظريات المهمة ،فيذكر نظرية الباحث اللبناني كمال صليبي التي كتبها في كتابه (التوارة جاءت من جزيرة العرب) التي يقول فيها ،ان بني اسرائيل وجدوا في جنوب جزيرة العرب في منطقة عسير وليس لهم علاقة بفلسطين ،ونظرية كمال صليبي قائمة على اسس لغوية عبرية وارامية وسريانية في اصل اسماء القبائل والاماكن التي وردت في التوراة ومحاولة مطابقتها مع الاماكن والقبائل الموجودة في منطقة عسير ، وكمال صليبي يقول انه لا يذكر ذلك جزافا فمثلا عندما تذكر عسقلان في التوراة وجنوبها كذا وشمالها كذا منطقة فيجب ان تكون كل هذه الجغرافية مطابقة لجغرافية عسير وهذا ما اثبته في كتابه ،ويضيف موضحا انه لاينكر وجود مدن مثل اورشليم او عسقلان في فلسطين ،ولكن ذلك متأت من ان المهاجرون اليهود اطلقوا اسماء مدنهم الاصلية في عسير على اسماء مدنهم الجديدة في فلسطين عندما هاجروا اليها وهي حالة موجودة وشائعة لدى المهاجرون ، فهو يقول ان بني اسرائيل وكنعان وكل ما تذكره التوراة موجود في عسير في جزيرة العرب وهنالك العديد من الباحثين اتفقوا مع صليبي مثلما تعرضت نظريته الى انتقادات .واخيرا يجب ذكر الكاتب العراقي فاضل الربيعي ،ونظريته القائلة ان اصل اليهود في الحجاز هو قدومهم من اليمن وقد ذكر ذلك في كتابين كبيرين هما (فلسطين المتخيلة) وكتاب اخر ومنهجية فاضل الربيعي تشبه منهجية كمال صليبي . مواطن اليهود في الحجاز: بعد ان تناول د.جعفر هادي حسن في محاضرته الاولى اصل اليهود في الحجاز وبين النظريات التي تناولت الموضوع بالبحث ،اشار في بداية محاضرته الثانية الى ان اليهود قد سكنوا في مجموعة من المدن اهمها تيماء وخيبر ويثرب ووادي القرى وفدك ، حيث يذكر الباحثون ان اول مدينة سكنها اليهود تاريخيا هي تيماء ،وتيماء اسم احد ابناء اسماعيل الاثني عشر وهو اخو قيدار ، وكما ذكرنا في المحاضرة السابقة ان وجود هذه المملكة موثق تاريخيا من عدة جوانب من جانب الاشوريين وكذلك في التوراة ، وبين د.جعفر انه يعتقد ان تيماء هي عاصمة مملكة قيدار. وهذه المدينة تتمتع بالكثير من الاشياء ، ففيها نخيل كثير ومزارع اعناب وفيها وفرة من المياه ،،وفيها ابار كبيرة يقال ان نبونيدوس هو الذي حفرها لان طريقة الحفر كانت مماثلة للتقنيات البابلية المعروفة ،كذلك كانت تيماء تنتج الملح والشب ،والشب كما هو معلوم يستخدم لعلاج امراض الجمال. هذه المدينة كانت مركزا يهوديا كبيرا ،وقد فتحها المسلمون صلحا ،وقد كتب لهم الرسول رسالة صلح ابتدأها (من رسول الله الى بني عاديا ) والدليل الاخر ان السمؤال ابن عاديا كان رئيس او زعيم المدينة وهو يهودي معروف وشاعر عربي كبير، ومن شعره ما يدل على يهوديته ومنها اننا العلماء وكانت العرب تسمي اليهود بهذا الاسم ، وقد ورد اسم المدينة في بعض الشعر العربي بصيغة (تيماء اليهود) وهذه الادلة تثبت ان المدينة من المدن اليهودية الرئيسة في الحجاز . لقد استوطن اليهود أخصب مدن الحجاز تلك التي تتوفر فيها الشروط المثلى للإقامة كخصوبة التربة، وتوفر المياه والموقع الاستراتيجي المهم والمسيطر على الطرق التجارية. وأكبر هذه المواطن اليهودية وأهمها في الحجاز هي مدينة يثرب التي وصفت على أنها أقل من نصف مكة، وموقعها الاستراتيجي المهم على عقدة المواصلات الرئيسية لتجارة الشام حيث يصفها ياقوت الحموي على أنها “حرة سبخة الأرض ولها نخيل كثيرة وميا ه” وهي واحة خصبة التربة غزيرة المياه .ويصفها السمهودي في كتابه (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ) بان المدينة المنورة كان فيها 59 حصنا ، ولم تكن كل هذه الحصون او القلاع لليهود ،بل كان بعضها لبعض القبائل المتحالفة مع يهود يثرب ، ويشير الدكتور جعفر هادي حسن الى نقطة مهمة ،وهي ان هذه الفترة من حياة الجزيرة العربية كانت تموج فيها الاديان المختلفة ،ولم يكن امر الدين محددا او مؤطرا لنشاط الافراد ،وان التحول من دين الى اخر كان امرا بسيطا ،وان الدخول الى الدين اليهودي على سبيل المثال كان بسيطا ولا يعني الايمان العقائدي بالضرورة ،بل ربما يكون الدافع او الحافز الاقتصادي اوالاجتماعي هو الاهم في هذا التحول ،ولان اليهود في هذه المرحلة كانوا افضل حالا من الكثير من العرب باعتبار اكثرهم يعرفون القراءة والكتابة وعندهم كتاب سماوي يفاخرون الاخرين به ،كما انهم اصحاب حرف وصناعات وزراعة وتجارة بينما كان اغلب العرب يعيشون على التجارة او رعي الجمال والغنم،مما يعني ان التحول عبر التهود كان تحولا اجتماعيا واقتصاديا في اساسه وليس عقائديا ،ومن الدلائل ان الكثير من يهود الحجاز عربا كما اشرنا في المحاضرة الاولى انهم كانت لهم اسماء عربية وطباع وتقاليد عربية. وتشير بعض المصادر التاريخية الى أن اليهود هم أول من استوطنوا يثرب ،وإن أشهر القبائل اليهودية التي سكنت يثرب هم بني النضير وبني قريظة، حيث اقاموا في الناحية الشرقية من يثرب، وهي أخصب المناطق، وهم ممن يطلق عليهم لقب سكان العوالي. وأما قبيلة بني قينقاع فقد سكنت الجزء الجنوبي الغربي من واحة يثرب اوما يعرف بمنطقة السافلة. أما بقية قبائل اليهود، فكانت منتشرة في أماكن متعددة من مناطق يثرب الغنية، فبنو بهدل وبنو عوف كانوا إلى جوار قبيلة بني قريضة.. إن هذا الاستعراض لمواقع اليهود في يثرب يثبت أن اليهود كانوا يسكنون أخصب مناطق يثرب وأغناها مما كان له الأثر الفعال في نشاطهم الاقتصادي في يثرب . ويمكننا أن نقول وبشيء من الثقة أن اليهود الذين سكنوا الناحية الشرقية من يثرب أو العوالي كما تسميهم مصادرنا، كانوا يتمتعون بالغنى والمكانة الاجتماعية المرموقة أكثر من غيرهم الذين سكنوا النواحي الأخرى في يثرب. وأشهر المواطن اليهودية بعد يثرب هي خيبر التي عر فت قبل الإسلام بأنها ريف الحجاز وهي على ثمانية أميال من المدينة لمن يريد الشام وتشمل هذه المنطقة على سبعة حصون وبها مزارع نخيل كثير، وأسماء حصونها: حصن ناعم، والقموص، وحصن أبي الحقيق وحصن الشق وحصن النطاة والسلالم وحصن الوطيح، والكتيبة، وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود الحصن ومن مواقعهم المشهورة أيضاً فدك، وسكانها مثل أغلب يهود الحجاز، امتهنوا الزراعة .وأشتغلوا بالتجارة وبعض الحرف التي تخص اليهود مثل الصياغة والحدادة، والنجارة، وتذكر المصادر ان المنذر احد ملوك الحيرة كانت امه يهودية اسمها سلمى وابوها كان صائغا يهوديا ،لان اليهود اشتهروا بممارسة بعض المهن الصناعية ومن ابرزها الصياغة والحدادة والنسيج . وكان أيضاً بين أهل مقنا وأيلة في أيام الرسول قوم من اليهود، وكذلك أهل بقية القرى الواقعة في أعالي الحجاز وعلى ساحل البحر . ومن هؤلاء اليهود بنو جّنة، وهم يهود مقنا، وبنو عاديا وبنو عريضة ولا يستبعد أن يكون هناك قوم من اليهود بالطائف، ولكنهم كانوا قّلة حيث يذكرهم البلاذري “حينما صالح أهل الطائف الرسول : ” فصالحهم على أن يسلموا ويقرهم على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، واشترط عليهم أن لا يرابوا ولا يشربوا الخمر، وكانوا أصحاب ربا، وكان بخلاف الطائف قوم من اليهود طردوا من اليمن ويثرب فأقاموا بها التجارة، فوضعت عليهم الجزية . ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف ،ولا يستبعد أن يكون قد قدم الطائف جاليات يهودية جاءت إليها من اليمن ويثرب إبان الاضطرابات السياسية ، لا سيما وان يهود اليمن لم يكونوا في معزل عن يهود الحجاز، ويظهر أنه كان هناك وجود يهودي في مكة قبل الإسلام، وإن كنا لا نستطيع أن نجزم بصحة هذا الوجود الذي يظهر أنه كان متعلقاً أساساً بالنشاط التجاري ولا تخرج عن كونها صوراً من الإقامة الفردية . مثل ذلك الإشارة التي ترد عن اليهودي الذي كان يقيم بجوار عبد المطلب بن هاشم، الذي حرض حرب بن أمية على قتله لنشاطه التجاري الواسع. ويرى جواد علي أنه يمكن الإشارة إلى وجود جاليات من اليهود في المدن التي اشتهرت بالتجارة كبعض موانئ البحر الأحمر وموانئ سواحل العربية الجنوبية، غير أن وجودهم في هذه المواضع لم يكن له أثر واضح حيث لم يتجاوز محيط التجارة والاتجار. النشاط الاقتصادي لليهود في الحجاز: إن الحديث عن النشاط الاقتصادي لليهود في الحجاز لا يمكن فصله بأية حال من الأحوال عن الحديث عن النشاط الاقتصادي بشكل عام في تلك الفترة، فلقد مارس اليهود جميع الأعمال الاقتصادية التي كانت مألوفة في عصرهم، من زراعة وتجارة وصناعة، وخير صفة يمكن أن نطلقها على مجتمع المدينة في تلك الفترة، بأنها مجتمع الموارد المتنوعة، فلا نرى جانباً يتطور على حساب جانب آخر، كما هو الحال في مكة، حيث نرى أن النشاط الرئيسي الذي ميزها هو النشاط التجاري بحكم موقعها وطبيعتها الصحراوية. أ – النشاط الزراعي إن المواطن التي سكن فيها اليهود هي بالأصل عبارة عن واحات تتوفر فيها الشروط اللازمة لممارسة العمل الزراعي، الذي لم يكن الوحيد كما لاحظنا، فيثرب أهم هذه المراكز اليهودية التي لم تتميز بنمط انتاجي معين . وإن كانت الزراعة أهم أعمدة الحياة الاقتصادية فيها، فأرضها بركانية تمتاز بخصوبة تربتها، وتجري فيها أودية كثيرة تفيض بمياه السيول، التي تتجمع في الحرات الشرقية والجنوبية في فترات مختلفة من السنة وكانت هذه الأودية تسيلُ فيها المياه. كما يبدو أنه استخدمت الآبار الكثيرة المنتشرة في يثرب لري هذه المزروعات، وكان – قبل الإسلام – يناط بالعبيد مهمة السقاية من هذه الآبار. وترد إشارات كثيرة لهذه الآبار، ويتضح من هذه الإشارات أن ملكية هذه الآبار كانت أصلاً لليهود، مثل بئر أريس نسبة إلى رجل يهودي يقال له أريس، ومعناه بلغة أهل الشام الفلاح ،وهناك أيضاً بئر خنافة، وكانت لخنافة اليهودي ، وبئر رومه، وكان ليهودي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائها فاشتراها عثمان. ومن أشهر المزروعات التي تشتهر بها يثرب والواحات الأخرى التي استوطنها اليهود في الحجاز هي أشجار النخيل، وكانوا يزرعونها في مغارس كبيرة، وقد يحوطونها فتكون حدائق وكانت أرض المدينة صالحة لزارعة النخيل، حتى ليقال إن ودية النخل تثمر بعد عام واحد من زراعتها ويظهر أن النخيل كان عصب الحياة الاقتصادية لسكان الحجاز ويعتمد عليه السكان اعتماداً أساسياً في طعامهم، والتعامل بينهم، وكان يتخذ وسيلة لدفع الأجور وتسديد الديون . كما كانوا يأكلون جمارها “شحم النخل وهو أعلى الساق تحت الجريد ” بالإضافة لاستخدام جريدها لصناعة المكاتل والقفف من خواصها، كما كانوا يستخدمونها في سقف سطوح منازلهم وعرائشهم التي يستظلون بها من الحر ، إضافة لاستخدام أشواكها وكرانيفها للوقود، ويرضخون النوى بالمراضخ حتى يتكسر، فيكون علفاً للإبل، وكانت النخلة من الاحترام والمكانة في تلك الفترة، والفترة الإسلامية حيث شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الصالح بالنخلة، كل ما فيه خير. ويهود خيبر هم الذين قالوا عن أنفسهم : “نحن أرباب النخل وأهل المعرفة بها”، و “إن لنا بالعمارة والقيام على النخل علما ، كما كان يهود خيبر في نظر من حولهم من القبائل العربية هم “أهل النخل”. ولا عجب ! فيهود منطقة الحصون، كانوا أحرص الناس على زرع النخيل وغرسه، وكانوا أكثر خبرة بزراعته وسقيه فالنخلة عندهم أحب إليهم من أبكار أولادهم . كما يظهر أن فتح خيبر قد عادت على المسلمين ثروة هائلة من التمور حيث كانت “موصوفة بكثرة النخل والتمر ” بحيث نرى عائشة رضي الله عنها تقول “الآن نشبع التمر ” وقول ابن عمر “ما شبعنا حتى فتحنا خيبر . ويأتي الشعير بالمرتبة الثانية بعد النخيل، وكان يعتمد عليه السكان اعتماداً رئيسياً في غذائهم وكانوا يزرعونه في حقول خاصة، بالإضافة لزراعته تحت النخيل، ويظهر أن كمية الإنتاج من الشعير كانت وفيرة، فكان إنتاج وادي النطاة من الشعير وفيرا، وما غنمه المسلمون من (دار بني رقمه ) يقطع بوفرة إنتاج هذا الوادي ، “كما كان يزرع في الكتيبة شعير، فكان يحصد منها ثلاثة آلاف صاع . كما وجد في حصن الصعب وهو من حصون النطاة شعيراً كثيرا أما عن الإنتاج الكلي لمحصول الشعير في خيبر لوحدها فقد بلغ حوالي عشرة آلاف صاع ، وكانت له مخازن في الحصون والآطام والدور، وكان اليهود يتاجرون بدقيق الشعير ويبيعونه في الأسواق.كذلك زرع اليهود القمح والكروم وكان إنتاجه وفيرا ، كما كانت تزرع بعض الخضروات والبقول، كالقرع واللوبيا والسلق والبصل والثوم والقثاء إذ حرص اليهود على أكلها لما فيها من صحة أبدانهم فيما يعتقدون . ويرى الباحث اسرائيل ولفنسون أن اليهود أسهموا في تطوير الزراعة وتنوعها “بإدخالهم أنواعاً جديدة من الأشجار وطرقاً جديدة للحراثة والزراعة بالآلات ” ولكن يبين د.جعفر هادي حسن ان هذا الامر يعود للبيئة الحجازية نفسها التي وجد اليهود أنفسهم بها، هذه البيئة التي أسهمت في إنجاح أية عملية تطوير للعمل الزراعي التي فرضت عليهم هذا النمط الزراعي في يثرب . وفرضت بالمقابل العمل في التجارة على مكة . وهذا ينفي قول ولفنسون بأن اليهود كانوا أساتذة الحجاز في ممارسة العمل الزراعي، لأنه ينكر بهذا دور اليمن والانباط ، ذات التراث العريق والخبرة الزراعية الواسعة التي جلبتها معها من اليمن موطنها الأصلي، وطبقتها في المدينة، ولكن يبدو أن الخبرة الوحيدة التي أدخلها يهود الحجاز إليه هي عملية بناء الحصون والآطام . وهي لم تكن معروفة لدى عرب الحجاز، ويظهر أن اليهود قد نقلوها معهم من بلاد الشام. وبلغ عددها في يثرب لوحدها تسعة وخمسين آطماً ، والآطام كلمة عبرية تعني حوائط بدون نوافذ من الخارج، وبالعربية البناء المرتفع ،ولهذه الآطام استخدامات متعددة وتقدم خدمة كبيرة الأهمية لأصحابها فيحتمي فيها السكان عند هجوم العدو، وتأوي إليها النساء والأطفال عندما يخرج الرجال للحرب، كما كانت تستخدم مخازن للغلال والأسلحة، وتنزل بجوارها القوافل، وتقام الأسواق على أبواب هذه الآطام، ويوجد في كل أطم بئر يستسقي منه أهله، إذا هاجمهم العدو . كما كانت هذه الآطام تشتمل على المعابد ودور المدارس، ليجتمع بها الزعماء للبحث والمشاورة في كل أمورهم . ولقد ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) لقد كانت لكل قبيلة يهودية آطام اشتهرت بها فمن آطام بني قينقاع آطم قرع ، ومن أشهر أطام بني النضير حصن كعب بن الأشرف، وهو الذي أمر الرسول بقتله لأنه كان يهجو الرسول ويحرض كفار قريش على الرسول. ب- النشاط الصناعي كان النشاط الصناعي في يثرب وبقية مدن اليهود متقدماً عنه في كافة المدن الحجازية الأخرى وكانت هذه الصناعات ضرورية للأعمال الزراعية، ثم أنه كان بها صناع مختصون احترفوا أنواعا من الصناعات وبرعوا بها، وخصوصاً تلك الصناعات التي يحتاجها الناس في استخداماتهم اليومية ومن أشهر هذه المصنوعات تلك التي تعتمد على الإنتاج الزراعي وأهمها صناعة الخمر الذي كانوا يصنعونه من التمر، والتي كانوا يسمونها الفضيخ، وكانوا يشربونها ويتاجرون بها ولديهم منها كميات كبيرة يختزنونها في جرار ، وكانت هذه الصناعة عامة يمارسها العرب واليهود على حد سواء كما اشتهرت المدينة بصناعة الخوص من سعف النخل، بالإضافة لصناعة المكاتل والمقاطف والقفف . وأعمال التجارة اللازمة للبيوت من أبواب ونوافذ وأثاث، وقد كان أغنياء اليهود يمتلكون الكثير من الأثاث في بيوتهم، وكان استعمال الكراسي أمراً شائعاً حيث يصنعونها من الخشب وأرجلها من الحديد ولقد ساعد على تقدم الصناعات الخشبية في يثرب وفرة أشجار الخشب والطرفاء، والأثل في منطقة الغابة في الناحية الشمالية الغربية من المدينة. وكانت الحدادة إحدى الصناعات القائمة في المدينة والمرتبطة في الأعمال الزراعية، حيث ازدهرت بعض المصنوعات التي تحتاجها طبيعة الأعمال الزراعية التي يمارسها السكان في نشاطهم الزراعي، حيث تحتاج الزراعة إلى أدوات مختلفة مثل الفئوس، والمحاريث، والمساح والمناجل للحصاد،وغيرها من الآلات التي كان يمارسها العرب واليهود على حد سواء . وإن كانت الموالي والعبيد أكثر احترافاً لها. وهذا يخالف ما جاء به أحد الباحثين المحدثين في أن العرب كانوا يأنفون العمل بها ويعتبرونها من المهن الحقيرة فنرى أن ممارسة هذه المهنة لم تنحصر فقط بالجماعات اليهودية، ولكنها كانت ممارسة عامة للجميع بدون استثناء. واشتهر اليهود وخصوصاً يهود بني قينقاع بالصياغة حيث احترفوها ولم يحترفها أحد من العرب معهم.ومن هذه المصنوعات التي كانوا يصوغونها الأساور والدمالج والخلاخيل والأقرطة والخواتم، وكانت هذه الحلي تباع في سوق خاص بهم ، وتفوق اليهود أيضاً بصناعة الأسلحة كالدروع التي كانوا من البراعة فيها، حتى أنه ليقال : إنهم ورثوها عن النبي داود (ع) ، وكانت السيوف والنبال تصنع بالمدينة ونبال يثرب مشهورة،وكان من هؤلاء الصناع من يتخصص في حداء الأسلحة، وصقل السيوف . بالإضافة لمصنوعاتهم من أدوات الصيد المختلفة كالفخاخ والشباك.. وأشراك الحديد، وغير ذلك ويبدو أن هؤلاء اليهود كانوا يمتلكون ثروة واسعة من هذه الأسلحة، كانوا يخزنونها في حصونهم وآطامهم . وإلى جانب هذه الصناعات الهامة كانت تقوم صناعة النسيج والتي تمارسه النساء . بالإضافة لذلك وجدت حرف أخرى، مثل الخياطة والدباغة وأعمال النحت وضرب الطوب ، بالإضافة إلى صنع آنية المنازل، وأدواتها من نحاس وفخار للأكل والشرب، وما إلى ذلك من مصنوعات ومن هذا نلاحظ أن اليهود في شمال الحجاز كان لهم باع طويل في النشاط الصناعي حيث مارسوا كافة الحرف المتعلقة بحياتهم وأعمالهم الزراعية، ومع أن اليهود برعوا في جوانب معينة في هذه الصناعة، بل حتى احتكروها كصناعة الصياغة، إلا أننا نستطيع أن نؤكد أن ممارسة العمل الصناعي بجميع جوانبه لم تكن حكراً عليهم لوحدهم، بل شاركهم فيها السكان الآخرون من العرب. ج- النشاط التجاري إن الحجاز مكان يشقه شريان التجارة الرئيسي، الذي تتفرع منه شرايين تتجه باتجاه الشرق والشمال الشرقي، كما يسير بمحاذاته شريان آخر مهم، هو طريق البحر الأحمر المؤدي إلى الهند، لهذا فإن الحجاز كان جسراً يربط بلاد الشام وحوض البحر الأبيض المتوسط مع اليمن والحبشة والصومال بالسواحل المطّلة على المحيط الهندي، وكان لهذا الطريق أعظم الأثر في قيام مدن تجارية بالحجاز، كمحطات تجارية واقعة على هذا الطريق البحري، ومما زاد من قيمة هذا الطريق وازدياد مكانته التجارية هو النزاع الفارسي البيزنطي، ذلك النزاع الذي بلغ أشده في القرن السادس الميلادي بسيطرة الأحباش واحتلالهم لليمن وما تلاه بعد ذلك من احتلال فارسي لها. وقيام الحروب المتصلة بين هاتين الإمبراطوريتين حيث أدى هذا لإغلاق طريق التجارة الشرقي، المار بين العراق إلى بلاد الشام، بالإضافة لخلو الطريق البحري عبر البحر الأحمر من السفن الرومية، ولم تستطع البحرية الحبشية أن تسد هذا الفراغ فيه، فأصبح ميداناً لسفن القراصنة، وساعد هذا على أن يكون الطريق البري المار عبر الحجاز هو الطريق المفتوح أمام التجارة. لقد نشطت مكة ويثرب كمحطات تجارية على هذا الطريق التجاري الذي يربط اليمن بالشام، ومع أن الإشارات متوفرة وبكثرة عن النشاط المكي التجاري، إلا أن هذا لا يمنعنا من الافتراض بأن المدينة شاركت مكة مثل هذا الدور، وإن كانت لم تتخصص بالتجارة لوحدها مثلما هو الحال في مكة بل لها موارد اقتصادية أخرى غير التجارة. لم يقتصر دور يثرب ومكة التجاري على كونهما محطات تجارية بل شاركتا في العمل التجاري نفسه فكانتا مدينتين تجاريتين لهما نشاطهما الخاص بهما. إن طبيعة كون يثرب مدينة محاطة بالقرى والأعراب لابد أن تكون فيها حركة تجارية وأن يكون كثير من أهلها قد تفرغوا للأعمال التجارية ، ومما يؤكد هذا الدور الكثير من الإشارات القرآنية المتعلقة بهذا النشاط التجاري ، وكان دور اليهود في هذا النشاط التجاري الداخلي كبيراً، فاليهود مارسوا كل أنواع المعاملات التجارية المعروفة في زمانهم، ووسعوا نفوذهم الاقتصادي بين القبائل العربية، ووجهوا كل نشاطهم التجاري لتضخيم ثرواتهم التي اعتمدوا فيها على مختلف المعاملات والقروض الربوية، كما امتازوا أيضاً ببعض الصناعات المربحة كالصياغة والنسيج، وكانوا قبل الإسلام من أكثر سكان يثرب نشاطاً في تجارة البر والشعير والتمر، واحتكار صناعة الخمر وتجارته، حيث وفرت تلك التجارة لهم أرباحاً طائلة. ويذكر د.جعفر هادي حسن ان الاسواق التجارية قد نشطت في يثرب التي تعتبر مؤشراً على النشاط التجاري الواسع الذي شهدته قبل الإسلام ،ومن أشهرها هو سوق بنو قينقاع الذي يسميه الدكتور جعفر هادي حسن البازار ، لانه لم يكن سوقا للبيع والشراء فقط انما كان يقرأ فيه الشعر ويحضره الحواة والسحرة لتقديم فقرات ترفيهية وكان هذا السوق يعقد يوم الجمعة اي قبل السبت لان اليهود يسبتون يوم السبت ولا يمارسون اي نشاط ، وقد امتدت شهرة هذا السوق حتى بداية عصر النبوة. وكانت هناك أسواق أخرى في يثرب وإن كنا غير جازمين بأنها يهودية، ولكن لا يستبعد أن يكون لهؤلاء اليهود نشاطاً تجارياً مميزاً في هذه الأسواق وهي : سوق من ناحية يثرب وهو ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف وسوق في منطقة العصبة عند قباء وسوق مزاحم قرب مساكن بني الحبلى قوم عبد الله بن أبي سلول . وسوق قرب البقيع عرفت ببقيع الخيل، كان بنو سليم يجلبون إليها الخيل والغنم والسمن، وكان أكثر ما يباع بهذه الأسواق الحيوانات لا سيما وان العلاقات التي كانت تربط بين اليهود وبين الأوس والخزرج كانت في بعض الأحيان علاقات سلم ، أضف إلى ذلك أن اليهود قبل الإسلام كانت لهم السيطرة الاقتصادية في يثرب . ويلاحظ أن هذ ه الأسواق كانت تقام على أطراف المناطق السكنية والمنطقة التجارية، ولعل الأمر يعود لأسباب دفاعية واجتماعية وكانت السلع التي تباع في هذه الأسواق متنوعة، سواء ما تنتجه المدينة نفسها من تمور وشعير وطعام وخمر، والحطب الذي يجلبه الحطابون من حول المدينة بالإ ضافة لما يفد إليها من منتجات البادية من صوف وشعير ووبر وسمن، ومصنوعات المدينة نفسها من مصوغات وحلي ذهبية أو آلات زراعية كمساح ومكائل وكرازين، أو ما يجلب إليها من الخارج من نبيذ وزيت وحنطة ومنسوجات قطنية وحريرية، ونمارق ملونة يشتريها أهل الّنعمة واليسار، كم ا كان هناك عطارون يتاجرون في أنواع العطارة والمسك والروائح العطرية . وكان لكل طائفة من الباعة موضع معلوم في السوق. كما ازدهرت حرفة السمسرة، فهناك من كان يتولى البيع نيابة عن أصحاب البضائع، وخاصة أهل البادية وكثيراً ما كانوا يستغلون جهل هؤلاء الأعراب فيبخسونهم أو يرفعون السعر أو ينقصونه مضاربه كما يلاحظ أن ظاهرة الاحتكار كانت معروفة في يثرب، فكان تجار يثرب يتلقّون الركبان خارج يثرب ويشترون منهم ما يحملونه من طعام قبل أن يصلوا به إلى السوق حتى لا يعرف الناس ثمنه الحقيقي، ثم يجمعونه ليحتكروا به السوق، وأحياناً يبيعونه في مكانه قبل أن يصلوا إلى السوق إذا تحقق لهم الربح الذي يطلبونه. النشاط الديني والاجتماعي لليهود في الحجاز: يبدأ د. جعفر حديثه عن النشاط الديني ليهود الحجاز بسؤال ؛ماهي طبيعة اليهودية في الحجاز؟ ليجيبنا ، وجدت انهم كان عندهم التوراة ،ففي فتح خيبر تروي المصادر التاريخية ان المسلمين اخذوا نسختين من التوراة ،فلما رأها الرسول امر بارجاعها لليهود ،اذا كان يهود الحجاز يقرأون التوراة ويعرفونها جيدا ،والشيء الاخر انهم كانوا يقرأون التوراة ويفسرونها للعرب بالعربية ،بالاضافة الى ذلك عرف الادب الديني اليهودي في الحجاز (الرسائل) وهي نوع من التفسيرات الدينية ، اما التركيبة الدينية الاجتماعية فأنها تشبه ماهو موجود اليوم ،اي ان هنالك رئيس ديني هو الحاخام ورئيس مدني هو (قرناص) ،ويذكر د.جعفر انه يعتقد انها محورة من (فرناس) التي تعني في القاموس العبري الرئيس لذلك فهو الرئيس المدني ، كذلك توجد شخصيات يطلق عليها تسمية تعني بالعبرية فحص او فتش او دقق ،وانه يعتقد انها كانت وظيفة تشبه وظيفة المحتسب في الدولة الاسلامية ،ومهمة هذا الشخص هي التأكد من عدة اشياء ومنها الامور الاقتصادية بالاضافة الى امور الالتزام الديني ،ومن الاشياء التي ميزت يهود الحجاز عما هو موجود في الطوائف الدينية المعاصرة هي النفخ في البوق الذي يسمى (شوفار) كدعوة للصلاة ، ومن المعروف في التراث اليهودي ان استخدام الشوفار كان يتم في القضايا الكبرى فقط مثل موت شخصية كبيرة او حدوث كارثة او افراح كبرى وما شابه ذلك ، مثلا اليوم في عيد الاستقلال في اسرائيل يتم النفخ في الشوفار،ومن الادلة الاثارية الباقية عثر على بقايا كنيس في خيبر ،ومعنى ذلك وجود عدد من الكنس في مدن اليهود في الحجاز وازيلت او تهدمت ولم يتم التنقيب عنها والكشف عنها لحد الان ، ومعنى وجود كنيس هو الدلالة على وجود حياة روحية دينية تمارس فيها الطقوس لدى يهود الحجاز ويعتقد د.جعفر هادي حسن ان يهود الحجاز كانوا يمارسون طقوس الصلاة مثلما هو الحال اليوم ثلاث مرات في اليوم. النقطة المهمة الاخرى التي تجدر الاشارة لها هي وجود المدرسة الدينية في هذه المدن والتي كانت تسمى مدراش ،وجذر الكلمة هو درش كما هو حال الكلمة في اللغة العربية (درس- مدرسة) ،وقد ذكرت في كتب السيرة ان الرسول (ص) والخليفة ابو بكر (رض) والخليفة عمر بن الخطاب(رض) قد زاروا هذا المدراش ،كذلك هنالك رواية اخرى تذكر ان الرسول (ص) كان قد امر زيد بن ثابت بالذهاب الى المدراش وقال له (اذهب وتعلم اليهودية ) في مدراش في المدينة المنورة ،وتقول الرواية انه تعلمها في 18 يوم ،واعتقد انهم يقصدون اللغة العبرية ،ووجود هذا المدراش يعني بالتأكيد تعليم اولادهم القضايا الدينية بالاضافة الى تعليم القراءة والكتابة . وينتقل الدكتور جعفر هادي حسن الى نقطة مهمة اخرى ،حيث يطرح سؤالا ،ماهي اللغة التي كان يتكلمها يهود الحجاز؟ ليجيب؛ انه يعتقد ان اكثر لغة كانت مفهومة في الجزيرة العربية هي الارامية ،لان شبه الجزيرة العربية كانت محاطة بالارامية من اكثر جوانبها ،فالحيرة والنبط والعراق وسوريا كل المناطق المحيطة بالجزيرة تتكلم الارامية ،وان العلاقات التجارية كانت تربط هذه المناطق بالجزيرة العربية ،ومن الحيرة بالذات كان هنالك العشرات من المبشرين يأتون الى الجزيرة لانها كانت مسيحية ،وكانوا يتكلمون لهجة من الارامية هي السريانية ،واغلب الاثار الموجودة من تلك الحقبة مكتوبة بالارامية ، فنبونيدوس كانت لغته اكدية – بابلية ،الا ان الكثير من اللقى الاثارية التي نقلت لنا اخباره كتبت بالارامية ،كذلك هنالك اللغات اللحيانية والثمودية وهي ليست من اللغات السامية ،لكننا عثرنا على حجر في تيماء مكتوب باللغة اللحيانية ولكنه مكتوب بالخط او الحروف الارامية ،ويجب ان نشير الى ان اول نص عربي عثر عليه في سوريا في النمارة عام 428 م كتب بخط او بحروف ارامية ،كذلك ما عثر عليه من اثار مملكة كندة شمال الربع الخالي كانت كتابات بالارامية ،اذا كانت النسبة الاكبر من سكان المنطقة تتكلم وتكتب بالارامية واذا لم تكن تتكلمها فانها كانت تفهمها على الاقل ،نصل من كل ذلك ان يهود الحجاز لم يكونوا يتكلموا العبرية ،انما كانت العبرية لغة الطقوس الدينية فقط ،كما هو الحال في يهود بريطانيا اليوم حيث انهم لا يتكلمون العبرية وانما يستخدمونها في الطقوس الدينية فقط ، بينما يتكلم يهود بريطانيا الانكليزية في حياتهم اليومية ،وكان يهود الحجاز كذلك يتكامون العربية والارامية في حياتهم اليومية بينما طقوسهم الدينية تتم بالعبرية ،حتى ان المصادر تذكر ان بعض الحاخامين في فلسطين في القرن الثالث كانوا يريدون الذهاب الى الحجاز لمعرفة بعض الكلمات الارامية التي اشتبهوا بها مما يعني تمكن يهود الحجاز من هذه اللغة ،لكن هنالك بعض الاشارات التاريخية تذكر ان فلانا مثلا كان يتكلم العربية بلكنة خيبر او بلكنة يثرب ،ماذا يعني ذلك ؟هذا يعني ان يهود الحجاز كانوا يتكلمون العربية بلهجة خاصة مميزة كما هو حال يهود العراق مثلا الذين كانوا يتكلمون العربية بلهجة خاصة تميزهم. واختتم الدكتور جعفر هادي حسن محاضرتيه بسؤال مهم هو : اين هؤلاء اليهود الان ؟ ليجيب ،تذكر بعض كتب التاريخ ان اليهود ظلوا في وادي القرى الى القرن العاشر الميلادي ،وفي بعض المدن مثل خيبر ظل فيها اليهود الى القرن الثاني عشر،هنالك حاخام ايطالي درس في فلسطين في القرن الخامس عشر وكان يراسل اخوته واباه في ايطاليا ،ذكر ان شخصا اخبره ان مجموعة من اليهود يعيشون في الصحراء في الخيام يعتاشون على قطع الطريق وسلب قوافل الحجاج ويقتسمون ما يحصلون عليه مع العرب من جيرانهم،وتذكر بعض المصادر ان هذه المجاميع كانت تظهر الاسلام الا انها كانت تضمر او تخفي يهوديتها ،وختم د.جعفر هادي حسن حديثه بأن ذكر حادثة معاصرة اطلع عليها في مقال نشر على الانترنت عن موضوع اليهود في الجزيرة العربية ،حيث تقول كاتبة المقال ان رجلا زار السير دنكور في لندن ممثلا عن مجموعة في الجزيرة العربية واخبره انهم الان مسلمون الا ان اصولهم يهودية وانهم عاشوا حياة منغلقة لايتزوجوا من خارج هذه المجموعة وطلب من السير دنكور مساعدتهم في الهجرة الى اسرائيل . وقد اجاب الدكتور جعفر هادي حسن على العديد من الاسئلة في نهاية محاضرتيه وقد غطت الاسئلة العديد من الجوانب التي تطرقت لها المحاضرتين مما اغنى الموضوع بالنقاش. المصدر: هنا
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الوكيل ; 08-10-2020 الساعة 10:34 PM |
الكلمات الدلالية (Tags) |
محاضرة, الحجاز, الإسلام, بعنوان:, يهود, ظهور, قتل |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|