بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
منتـدى آخـر الزمـان  

العودة   منتـدى آخـر الزمـان > أرشيف جزيرة العرب > أرشيف جزيرة العرب > تراث شعبي

تراث شعبي

               
 
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-05-2021, 05:13 PM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,833
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي صناعة الدبس: تطور المدبسة منذ 4000 سنة

صناعة الدبس: تطور المدبسة 4000

المنامة - حسين محمد حسين

الدبس هو عصارة التمر التي تسيل من التمر بصورة طبيعية من غير طباخ وهذا يعني أننا لا نحتاج لتقنيات معقدة للحصول على الدبس فهو يسيل بصورة طبيعية، وهذا صحيح فما تعارفت عليه العامة في البحرين وفي مناطق أخرى في الخليج العربي باسم المدبسة هي في الواقع أماكن لتخزين التمر وجمع الدبس، إذا فعملية تخزين التمر وجمع الدبس هي عمليتان متزامنتان وذلك أن التمر عندما يتم تخزينه يبدأ الدبس بالسيلان منه. وقد عرفت الحضارات التي قامت في منطقة الخليج العربي الدبس منذ آلاف السنين ولا يمكننا تحديد تاريخ معين لبداية هذه الصناعة ولكن يمكننا أن نتدرج في تقنية جمع الدبس وتطورها من خلال الآثار التي عثر عليها. كذلك تطور كلمة «دبس» فالمرجح أن هذه الكلمة معربة من كلمة قديمة جدا هي «ديشبو». سنتناول هنا تطور التسمية «الدبس» بعدها تطور تقنية جمع الدبس في البحرين.

من «الديشبو» إلى «الدبس»
لم تعرف الحضارات القديمة «السكر» بشكله المعروف حاليا أي على هيئة بلورات بيضاء وإنما كانت الشعوب القديمة تستخدم مستخلصات من ثمار معينة تستخدمه بالإضافة لعسل النحل الذي لا نعلم بالتحديد بداية استعماله. في حضارات بين النهرين استخدموا مستخلصات نباتية تحضر من بعض الثمار كالتمر وكانت تسمى «ديشبو» وقد عمم البعض اسم «ديشبو» ليصبح بمعنى عسل، والغالب يخصص الاسم «ديشبو» ليصبح مرادفا «لعسل التمر» أي للاسم «دبس». ورد في معجم الإنجيل (Hastings etc 1902) المجلد رقم 2 صفحة 30 أن الآشوريين كانوا يسمون عسل التمر «ديشبو»، كذلك مكوفيرن في كتابه عن تاريخ النبيذ (McGovern etc 1997) يؤكد أن الكلمة الأكادية «ديشبو» مساوية للكلمة العربية «دبس»، بينما يرى Bottéro (Bottéro 1995) أن كلمة «ديشبو» تعني عسل دون تحديد مصدر هذا العسل وربما قصد بها عسل النحل وذلك في كتابه (باللغة الفرنسية) الذي يناقش فيه نقوشات حضارة بين النهرين المتعلقة بطرق تحضير الأطعمة، وقد قام بويل (Powell 1998) بكتابة ملخص لكتاب Bottéro وقد علق على كلمة «ديشبو» وذلك بإعادة تعريفها على أنها تعني مستخلص يحضر من التمر أو العنب أو أي ثمرة أخرى مستبعدا أن تكون الكلمة تعني عسل النحل.

وهكذا نرى أن أول كلمة خصّت بعسل التمر هي «ديشبو» والذي تطورت عبر الزمن فتحوّلت لاحقا إلى «دوبشه» حيث يذكر Rougeulle (Rougeulle 1982) في بحثه عن صناعة الدبس في البحرين وعمان (باللغة الفرنسية) أن عسل التمر ورد ذكره في نصوص المشنا وهي النصوص التي جمعت في حدود 200م والتي كونت الأساس للتلمود. بعد ذلك عربت اللفظة للدبس في اللغة العربية والتي وردت في المعاجم اللغوية العربية حيث جاء في لسان العرب:

«الدِّبِسُ: عَسَلُ التمر وعُصارته، وقال أَبو حنيفة: هو عُصارة الرُّطَب من غير طبخ، وقيل: هو ما يسيل من الرطب. والدَّبُوسُ: خُلاصة التمر تلقى في السمن مطيبة للسمن».

عملية جمع الدبس
في الفصل السابق تحدثنا عن صناعة التمور وذكرنا أيضا أنه قديما كانت توضع التمور في جلال مصنوعة من الخوص، بعد ذلك تتم عملية تخزين التمر وهناك نوعان من المخازن للتمر الچندود ويسمى أيضا في شرق الجزيرة العربية باسم الچندول والمسحة والنوع الآخر من المخازن يسمى الجصة، أما النوع المتعارف عليه في البحرين فهو الچندود. ويعتبر الچندود إحدى الغرف في البيت القديم وتكون أرضية الچندود هي المدبسة وبذلك تكون عملية جمع الدبس متزامنة مع تخزين التمر وهكذا يستفاد من التمر والدبس الذي يجمع منه. أما الجصة فهي أيضا مخزن للتمر ولكن قد تكون غرفة أو مخزن منفصل مستقل عن البيت وتصنع بأشكال وأحجام مختلفة ويمكن تحريكها ووضعها في أماكن مختلفة في البيت ويكون لها باب صغير يوضع من خلاله التمر داخل الجصة وكذلك يتم أخذ التمر عن طريقه، ولها أيضا فتحة صغيرة في أسفل جدارها وتكون تلك الفتحة على شكل أنبوب ليخرج منها الدبس المتسرب من التمر، وعند بداية كنز التمر في الجصة يوضع في أرضيتها جريد نخل بخوصه ليكون مرشح يخرج منه الدبس.

الچندود أو الچندول
وهي مخازن خاصة للتمر وهي عبارة عن غرفة صغيرة في المنازل الحجرية لا يوجد لها نوافذ أو فتحات هواء بل فقط باب، وقد تكون جدرانها من الفروش الحجرية أو مطلية بطين معالج يشبه الأسمنت أو نوع من الجص المعروف في ذلك الوقت لكي لا يتسلل إليها بعض الحشرات أو الفئران عن طريق الحفر في الجدار. وأصل اللفظ كما ورد في المعاجم اللغوية «الكندوج» جاء في لسان العرب:

«الكَنْدُوجُ»، بالفتح: «شِبْهُ المَخْزَنِ». وفي المصباح: وضُمَّت الكافُ لأَنه قياسُ الأَبنية العربيّة. وفي الخِزانة الصَّغيرةُ «مُعَرَّبُ كَنْدُو».

ويتم رصّ الجلال فوق بعضها البعض داخل الكندوج بحيث لا يتبقى أي فراغ بين الجلة والجلة أو بينها وبين الجدران.

المدبسة
المدبسة عبارة عن قنوات في أرضية «الچندود» يجري فيها الدبس. و تتصل تلك القنوات بقناة واحدة جامعة في النهاية تكون متصلة بحفرة تسمى (جابية) يتجمع فيها الدبس وقد يوضع في هذه الحفرة جرة كبيرة مصنوعة من الفخار لكي يجمع فيها الدبس. ويتم تغطية القنوات بعازل وذلك لعزل التمر عن رطوبة الأرض، وغالبا ما يكون العازل عبارة عن دجاين وهو جمع دجينة وهو حصير مصنوع من جريد النخل ومربوط بالحبال، وأحيانا يتم وضع سعف النخيل أو يتم صناعة حصير خاص من الخوص الأخضر مباشرة (دون تجفيفه)، ويعرف هذا الحصير باسم حصير المسحة، والمسحة هي إحدى مسميات الچندود في شرق الجزيرة العربية.

طريقة صنع المدبسة عبر التاريخ
صناعة المدابس هي صنعة قديمة درج على صنعها سكان الخليج العربي منذ فجر التاريخ وعلى رغم تشابه الشكل العام في صناعة المدبسة إلا أن هناك فروق طفيفة في صناعة المدبسة، وهناك نوع من التدرج في صناعة المدبسة من المدابس الأكثر بساطة إلى المدابس الأكثر تعقيدا. ومن أوائل البحوث المنشورة عن تاريخ صناعة الدبس في الخليج بصورة عامة والبحرين بصورة خاصة هو بحث Rougeulle في العام 1982م والذي تحدث فيه عن تاريخ صناعة الدبس في حضارة بين النهرين، إلا أن بحثه يتركز على المدابس التي عثر عليها قلعة البحرين وعددها سبع مدابس والتي يعود تاريخها للقرن الثالث عشر الميلادي، كذلك المدابس التي سلط عليها الضوء في عمان تعود لنفس الحقبة. وتقنية بناء هذه المدابس هي ذاتها التي استمرت البحرين فحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي وهذا ما سنناقشه لاحقا. بالإضافة للبحث السابق تم نشر بحث آخر متخصص في دراسة تقنية صناعة الدبس في حقبة دلمون وهو بحث H?jlund (H?jlund 1990) والذي استطاع تمييز تقنيتين استخدمتا لصناعة المدبسة في حقبة دلمون وهي تقنيات تختلف عن تلك التي استخدمت في الفترات اللاحقة واستمرت حتى نهايات القرن العشرين، وعليه يمكننا تمييز ثلاث مراحل في صنع المدبسة.

المرحلة الأولى: القنوات الخشبية (2000 ق. م. - 1900 ق. م. )
عثر على هذا النمط في المعبد الدلموني بجزيرة فيلكا (الكويت)، حيث عثرت البعثة الدنمركية (1960م - 1963م) على قناة تنتهي بجرة فخارية كبيرة وقد استنتج أن هذا جزء من مدبسة ولكن كان الطرف الآخر للقناة عبارة عن غرفة بأرضية مسطحة لا يوجد بها قنوات متوازية لتصب في القناة الرئيسية، وعليه أستنتج أنه تم الاستعاضة عن القنوات الأرضية التي تصنع من الجبس بقنوات تصنع من الأخشاب فقط، حيث كانت توضع أعمدة خشبية بصورة متوازية ومن ثم تغطي بغطاء ويوضع من فوقها التمر ويمر الدبس الذي يسيل من التمر في تلك القنوات ثم يجمع في قناة جامعة تصب في نهايتها في الجرة الكبيرة التي وضعت في حفرة. وبمرور الزمن تحللت القنوات الخشبية ولم يبقَ لها أثر وبذلك بقت فقط القناة الجامعة والجرة.

المرحلة الثانية: القنوات الخشبية المغطاة بالجير (1600 ق. م. - 1500 ق. م.)
في العام 1959م عثرت البعثة الدنمركية في البحرين على طراز آخر من المدابس وقد عثر عليه في موقع قلعة البحرين في موقع يعرف بقصر أوبيري والذي يعود زمنه للفترة (1600 ق. م. - 1500 ق. م.). في هذا النمط من المدابس القنوات الأرضية المتوازية واضحة إلا أن هناك نوعان منها أحدها عميق والآخر قليل العمق، وقد استنتجت البعثة الدنمركية أن هذا النمط من المدابس يصنع بوضع أعمدة خشبية بصورة متوازية ومن ثم يتم تغطيتها بمسح تلك الأخشاب بالجبس أو أي مادة أخرى للبناء والمسح، وتكون القنوات العميقة هي تلك التي بين الأعمدة الخشبية، ومع تقادم الزمان تتحلل الأعمدة الخشبية ويتكسر المسح الذي كان يغطيها فينتج بسبب ذلك قنوات قليلة العمق، وبذلك يتم تكوُّن نوعين من القنوات أحدها عميقة والأخرى قليلة العمق.

المرحلة الثالثة: القنوات الحجرية
وهذه هي المدابس التي بقيت لوقتنا الراهن حيث تصنع القنوات الأرضية من الجبس أو أي مادة حجرية أخرى ولا يستخدم في صناعتها الأخشاب، ولا نعلم بالتحديد الزمن الذي بدأ فيه صنع هذا النمط من المدابس إلا أنه انتشر على نطاق واسع في الخليج العربي وعثر على الكثير من تلك المدابس الأثرية في البحرين ومناطق أخرى في الخليج.

ما بعد المراحل الثلاث
استمرت المدابس التي توجد في مخزن التمر «الچندود» حتى عهد قريب وقد تم تطويرها حيث يستخدم البعض خزانات الماء الكبيرة عوضا عن الغرف الحجرية ويتم وضع التمر في أكياس مثقبة وتوضع في الخزان ويراعى وجود مسافة بين قاعدة الخزان وموضع رصّ أكياس التمر وذلك بوضع قاعدة مرتفعة داخل الخزان، ويسيل الدبس من التمر إلى قاعدة الخزان حيث يمكن جمعه عم طريق حنفية موصلة بالخزان. ويبدو أن هذه الطريقة ذات إيجابية معينة للعاملين في صناعة الدبس فهم من ناحية يستفيدون من الدبس الذي يجمع من التمر وكذلك التمر الذي يتم بيعه بعد ذلك. استخدمت أيضا في البحرين، كما في دول عربية أخرى، طريقة تحضير الدبس بطبخ التمر لكنها في البحرين لم تستمر ربما بسبب خسارة التمر بعد طبخه أو للتعقيدات الشرعية حيث ينصّ الشرع على وجوب تبخر ثلثي السائل المستخلص من طبخ التمر ليحل تناوله ولذلك يضاف الماء للخليط حتى لا يحترق ثم يسخن حتى يذهب ثلثاه. وهذا المبحث الأخير تم تناوله بصورة مستفيضة في كتب الفقه ويفضل الرجوع لآراء الفقهاء فليس مبحثنا هنا مبحث فقهي وإنما أشرت له فربما كان أحد الأسباب التي أدت لتمسك الناس بتحضير الدبس بالطريقة القديمة وتطويرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فضاءات الوسط، العدد 2673 – الأربعاء 31 ديسمبر 2009م الموافق 14 محرم 1431هـ. صفحة: 4
صناعة الدبس: تطور المدبسة منذ 4000 سنة | فضاءات - صحيفة الوسط البحرينية - مملكة البحرين

http://www.alwasatnews.com/data/2009/2673/pdf/fdt4.pdf





رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
4000, منذ, المدبسة, الدبس:, تطور, صناعة, سنة

« السدو | - »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
تابعونا عبر تويترتابعونا عبر فيس بوك تابعونا عبر وورد بريس


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنتدى آخر الزمان©

تابعونا عبر تويتر