#1
|
|||||||
|
|||||||
الإحصاء السكاني والتدوين في زمن البعثة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم تقتضي بعض الأحكام الشرعية إحصاء عدد فئات معيّنة في المجتمع، وقبل التطرق إليها يجب علينا أولا توثيق عدد المسلمين إبّان البعثة النبوية (أهل المدينة، أهل مكة، الأعراب) بغض النظر عن بقيّة المسلمين في أمصار الجزيرة العربية. جاء في الحديث: لَمَّا كانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، التَقَى هَوَازِنُ ومع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ والطُّلَقَاءُ ، فأدْبَرُوا، قالَ: يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، قالوا: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نَحْنُ بيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: أنَا عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ. فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، فأعْطَى الطُّلَقَاءَ والمُهَاجِرِينَ ولَمْ يُعْطِ الأنْصَارَ شيئًا، فَقالوا، فَدَعَاهُمْ، فأدْخَلَهُمْ في قُبَّةٍ، فَقالَ: أمَا تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ، وتَذْهَبُونَ برَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو سَلَكَ النَّاسُ وادِيًا، وسَلَكَتِ الأنْصَارُ شِعْبًا؛ لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الأنْصَارِ.[1] وفي أثر طويل: (.. فَصَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حتَّى إذَا اسْتَوَتْ به نَاقَتُهُ علَى البَيْدَاءِ ، نَظَرْتُ إلى مَدِّ بَصَرِي بيْنَ يَدَيْهِ، مِن رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذلكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلكَ ..)[2] وذُكر في كتب التاريخ أن عدد المقاتلين في غزوة تبوك (9 هـ) بلغ ثلاثون ألف مقاتل: (وشهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثين ألفًا من الناس، والخيلُ عشرة آلاف فرس، وأقام بها عشرين ليلةً يقصر الصلاة، وهرقل يومئذ بحِمْص)اهـ [3] وقد ذكر بعض أهل العلم أن عدد المسلمين في المدينة تجاوز المئة ألف[4]، وهو أمر معقول إذا علمنا أن عدد المقاتلين في الغزوة بلغ عشرات ألآف، أضف لذلك العدد مثله أو أكثر من النساء، وكذلك الصبيان والشيوخ والمرضى وغيرهم. الجهاد وصرف الغنائم: قال الله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41] وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَسَمَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، ولِلرَّاجِلِ سَهْمًا. قالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقالَ: إذَا كانَ مع الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أسْهُمٍ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.)[5] الجهاد يقتضي إحصاء المقاتلين من حيث العدد، فأي قائد لابد أن يعلم عدد جنوده قبل أن يضع خطة المعركة، وليقوم بتجهيزهم، وعند تقسيم أسهم الغنائم لابد أيضا من معرفة عدد المجاهدين الراجلين والفرسان، لكي يكون عدد الأسهم متناسبا مع عدد المقاتلين، فلو غنم 800 من المسلمين مثلا في غزوة ألف سيف، فإن خمسه (200) لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، تبقى 800 سيف تُقسم على عدد المقاتلين الراجلين، فيخرج 800 سهم أي كل مقاتل يغنم سيفا واحدا، لكن لو كان عدد المجاهدين 400، هنا سيتغيّر عدد الأسهم فبدل أن يكون 800، يُصبح 400 سهما، وكل مقاتل يغنم سيفين. وفي حال وجود فرسان، يتغيّر عدد الأسهم أيضا فيغنم الفارس ثلاثة أسهم، سهم له واثنين لفرسه، والراجل يغنم سهما. إذن لابد معرفة عدد المقاتلين قبل تقسيم الغنائم لأن عدد الأسهم منوط بعدد المقاتلين. ويقتضي الجهاد أيضا إحصاء المقاتلين من حيث الهويّة، لحفظ الحقوق والتوثيق، ففي حال استشهد المجاهد من حق ورثته أن يرثوا سهمه. إذا لابد من وجود إدارة في المدينة تحصي عدد وهوية المقاتلين، وعدد الغنائم وقيمتها، وعدد الأسهم، وكل هذا لابد له من تدوين وكتابة وتوثيق، فقوام الجيش بلغ عشرات الآلاف من المقاتلين. قال الله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41] وقال {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] من المستحقين لحصة الخمس، وللفيء، ذكر الله تعالى اليتامى، وهذه الفئة من المجتمع أيضا تقتضي الإحصاء حتى لا تضيع حقوقهم، ولا يُعقل أن في مقدرة أحد أن يتذكر ويتابع عدد وهوية اليتامى فردا فردا في مجتمع عدد سكانه مئة ألف أو أكثر، خاصة أن العدد في تغير مستمر، أي أنه لا بد من وجود إدارة وعاملين يحصون ويكتبون ويوثقون عدد اليتامى ويحسبون أسهمهم وربما يؤدّوها إليهم أيضا. الزكاة والصدقات: قال الله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] من مصارف الزكاة، ذكر الله تعالى العاملين على الصدّقات، أي أنه في زمن البعثة كان هناك عاملون متخصصّون في العمل على الصدقات، وكانوا يأخذون أجرهم منها، أي أنهم متفرّغون لهذه المهمة، ولأدائها على وجهها بأمانة ومن غير ضياع حق في مجتمع تجاوز عدد سكانه المئة ألف، لابد للعاملين عليها أن يدوّنوا معاملاتهم ويوثّقوها كتابة. ومن المستحقين للزكاة أيضا الغارمين، أي الذين عليهم دين، وهذه المعاملة أيضا تقتضي التوثيق كتابة حيث يجب على الغارم إثبات وقوع الدين أمام العاملين على الصدقات، وذلك بإظهار وثيقة المداينة مرفقة بشهادة الشهود الذين شهدوا المعاملة كما جاء في آية المداينة، قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 282] وفي ضوء ما تقدّم، نخلص أن أهل المدينة كانوا متحضّرين، يقرؤون ويكتبون ويوثقّون العديد من التعاملات بينهم. ________________ [1] الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 4333 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [2] الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1218 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [3] ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: نبيل بن نصار السندي، 1440 هـ، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الثالثة، الجزء الثالث، صفحة 664. [4] روى الخطيب البغدادي عن أبو زرعة الرازي (شيخ مسلم) أنه لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم كان عدد الصحابة مئة ألف وأربعة عشر ألف صحابي، انظر: كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الجزء الثاني، صفحة 293. [5]الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 4228 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
#2
|
|||||||
|
|||||||
أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ -وكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِن بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عن قِصَّةِ تَبُوكَ ، قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أتَخَلَّفْ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةٍ غَزَاهَا إلَّا في غَزْوَةِ تَبُوكَ ، غيرَ أنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، ولَمْ يُعَاتِبْ أحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إنَّما خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حتَّى جَمَعَ اللَّهُ بيْنَهُمْ وبيْنَ عَدُوِّهِمْ علَى غيرِ مِيعَادٍ، ولقَدْ شَهِدْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا علَى الإسْلَامِ ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإنْ كَانَتْ بَدْرٌ أذْكَرَ في النَّاسِ منها، كانَ مِن خَبَرِي: أنِّي لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَى ولَا أيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْه في تِلكَ الغَزَاةِ، واللَّهِ ما اجْتَمعتْ عِندِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ، حتَّى جَمَعْتُهُما في تِلكَ الغَزْوَةِ، ولَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إلَّا وَرَّى بغَيْرِهَا، حتَّى كَانَتْ تِلكَ الغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَرٍّ شَدِيدٍ، واسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا ومَفَازًا وعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ ، فأخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِ الذي يُرِيدُ، والمُسْلِمُونَ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثِيرٌ، ولَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ: فَما رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلَّا ظَنَّ أنْ سَيَخْفَى له، ما لَمْ يَنْزِلْ فيه وَحْيُ اللَّهِ، وغَزَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تِلكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ والظِّلَالُ، وتَجَهَّزَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسْلِمُونَ معهُ، فَطَفِقْتُ أغْدُو لِكَيْ أتَجَهَّزَ معهُمْ، فأرْجِعُ ولَمْ أقْضِ شيئًا، فأقُولُ في نَفْسِي: أنَا قَادِرٌ عليه، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بي حتَّى اشْتَدَّ بالنَّاسِ الجِدُّ ، فأصْبَحَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسْلِمُونَ معهُ، ولَمْ أقْضِ مِن جَهَازِي شيئًا، فَقُلتُ: أتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ، ثُمَّ ألْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أنْ فَصَلُوا لِأتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شيئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شيئًا، فَلَمْ يَزَلْ بي حتَّى أسْرَعُوا وتَفَارَطَ الغَزْوُ، وهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، ولَيْتَنِي فَعَلْتُ! فَلَمْ يُقَدَّرْ لي ذلكَ، فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَطُفْتُ فيهم، أحْزَنَنِي أنِّي لا أرَى إلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عليه النِّفَاقُ، أوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، ولَمْ يَذْكُرْنِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَلَغَ تَبُوكَ ، فَقَالَ وهو جَالِسٌ في القَوْمِ بتَبُوكَ: ما فَعَلَ كَعْبٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ: يا رَسولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ ونَظَرُهُ في عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ ما عَلِمْنَا عليه إلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أنَّه تَوَجَّهَ قَافِلًا، حَضَرَنِي هَمِّي، وطَفِقْتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ، وأَقُولُ: بمَاذَا أخْرُجُ مِن سَخَطِهِ غَدًا؟! واسْتَعَنْتُ علَى ذلكَ بكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِن أهْلِي، فَلَمَّا قيلَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، وعَرَفْتُ أنِّي لَنْ أخْرُجَ منه أبَدًا بشَيءٍ فيه كَذِبٌ، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وأَصْبَحَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَادِمًا، وكانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بَدَأَ بالمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فيه رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذلكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ ويَحْلِفُونَ له، وكَانُوا بِضْعَةً وثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ منهمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ، وبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهمْ، ووَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إلى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عليه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ، فَجِئْتُ أمْشِي حتَّى جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: ما خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلتُ: بَلَى، إنِّي واللَّهِ لو جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِن أهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أنْ سَأَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ بعُذْرٍ، ولقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا ، ولَكِنِّي واللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. فَقُمْتُ، وثَارَ رِجَالٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقالوا لِي: واللَّهِ ما عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هذا، ولقَدْ عَجَزْتَ أنْ لا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما اعْتَذَرَ إلَيْهِ المُتَخَلِّفُونَ، قدْ كانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَكَ، فَوَاللَّهِ ما زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلتُ لهمْ: هلْ لَقِيَ هذا مَعِي أحَدٌ؟ قالوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ ما قُلْتَ، فقِيلَ لهما مِثْلُ ما قيلَ لَكَ، فَقُلتُ: مَن هُمَا؟ قالوا: مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ، وهِلَالُ بنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِما أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي، ونَهَى رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُسْلِمِينَ عن كَلَامِنَا أيُّها الثَّلَاثَةُ مِن بَيْنِ مَن تَخَلَّفَ عنْه، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وتَغَيَّرُوا لَنَا حتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأرْضُ، فَما هي الَّتي أعْرِفُ، فَلَبِثْنَا علَى ذلكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فأمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وقَعَدَا في بُيُوتِهِما يَبْكِيَانِ، وأَمَّا أنَا، فَكُنْتُ أشَبَّ القَوْمِ وأَجْلَدَهُمْ ، فَكُنْتُ أخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلَاةَ مع المُسْلِمِينَ، وأَطُوفُ في الأسْوَاقِ ولَا يُكَلِّمُنِي أحَدٌ، وآتي رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَأُسَلِّمُ عليه وهو في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فأقُولُ في نَفْسِي: هلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ برَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا منه، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ ، فَإِذَا أقْبَلْتُ علَى صَلَاتي أقْبَلَ إلَيَّ، وإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي، حتَّى إذَا طَالَ عَلَيَّ ذلكَ مِن جَفْوَةِ النَّاسِ ، مَشَيتُ حتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أبِي قَتَادَةَ، وهو ابنُ عَمِّي وأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَوَاللَّهِ ما رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلتُ: يا أبَا قَتَادَةَ، أنْشُدُكَ باللَّهِ، هلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ له فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ له فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وتَوَلَّيْتُ حتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ، قَالَ: فَبيْنَا أنَا أمْشِي بسُوقِ المَدِينَةِ، إذَا نَبَطِيٌّ مِن أنْبَاطِ أهْلِ الشَّأْمِ، مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ، يقولُ: مَن يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ له، حتَّى إذَا جَاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا مِن مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّه قدْ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ قدْ جَفَاكَ، ولَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ ولَا مَضْيَعَةٍ ، فَالْحَقْ بنَا نُوَاسِكَ ، فَقُلتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وهذا أيضًا مِنَ البَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بهَا، حتَّى إذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ، إذَا رَسولُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ، فَقُلتُ: أُطَلِّقُهَا أمْ مَاذَا أفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا ولَا تَقْرَبْهَا، وأَرْسَلَ إلى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذلكَ، فَقُلتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ في هذا الأمْرِ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ هِلَالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضَائِعٌ، ليسَ له خَادِمٌ ، فَهلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدُمَهُ؟ قَالَ: لَا، ولَكِنْ لا يَقْرَبْكِ. قَالَتْ: إنَّه واللَّهِ ما به حَرَكَةٌ إلى شَيءٍ، واللَّهِ ما زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِن أمْرِهِ ما كانَ إلى يَومِهِ هذا، فَقَالَ لي بَعْضُ أهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في امْرَأَتِكَ كما أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ؟ فَقُلتُ: واللَّهِ لا أسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما يُدْرِينِي ما يقولُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذلكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِن حِينَ نَهَى رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وأَنَا علَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِن بُيُوتِنَا، فَبيْنَا أنَا جَالِسٌ علَى الحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ؛ قدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أوْفَى علَى جَبَلِ سَلْعٍ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا كَعْبُ بنَ مَالِكٍ، أبْشِرْ ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وعَرَفْتُ أنْ قدْ جَاءَ فَرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، ورَكَضَ إلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وسَعَى سَاعٍ مِن أسْلَمَ، فأوْفَى علَى الجَبَلِ، وكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الذي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إيَّاهُمَا ببُشْرَاهُ، واللَّهِ ما أمْلِكُ غَيْرَهُما يَومَئذٍ، واسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وانْطَلَقْتُ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بالتَّوْبَةِ، يَقولونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْبٌ: حتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حتَّى صَافَحَنِي وهَنَّانِي، واللَّهِ ما قَامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، ولَا أنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أبْشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولَدَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: قُلتُ: أمِنْ عِندِكَ يا رَسولَ اللَّهِ أمْ مِن عِندِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِن عِندِ اللَّهِ. وكانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حتَّى كَأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وكُنَّا نَعْرِفُ ذلكَ منه، فَلَمَّا جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ مِن تَوْبَتي أنْ أنْخَلِعَ مِن مَالِي صَدَقَةً إلى اللَّهِ وإلَى رَسولِ اللَّهِ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؛ فَهو خَيْرٌ لَكَ. قُلتُ: فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الذي بخَيْبَرَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ إنَّما نَجَّانِي بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبَتي أنْ لا أُحَدِّثَ إلَّا صِدْقًا ما بَقِيتُ. فَوَاللَّهِ ما أعْلَمُ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلَاهُ اللَّهُ في صِدْقِ الحَديثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أحْسَنَ ممَّا أبْلَانِي؛ ما تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلكَ لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى يَومِي هذا كَذِبًا، وإنِّي لَأَرْجُو أنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيما بَقِيتُ، وأَنْزَلَ اللَّهُ علَى رَسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119]، فَوَاللَّهِ ما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِن نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، أعْظَمَ في نَفْسِي مِن صِدْقِي لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنْ لا أكُونَ كَذَبْتُهُ، فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا؛ فإنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا -حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ- شَرَّ ما قَالَ لأحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إلى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96]. قَالَ كَعْبٌ: وكُنَّا تَخَلَّفْنَا أيُّها الثَّلَاثَةُ عن أمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ منهمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ حَلَفُوا له، فَبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهمْ، وأَرْجَأَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمْرَنَا حتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذلكَ قَالَ اللَّهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]، وليسَ الذي ذَكَرَ اللَّهُ ممَّا خُلِّفْنَا عَنِ الغَزْوِ؛ إنَّما هو تَخْلِيفُهُ إيَّانَا، وإرْجَاؤُهُ أمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ له واعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَبِلَ منه. [1]
ذكر الصحابي كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه في وصفه لعدد مقاتلي غزوة تبوك فقال (.. والمُسْلِمُونَ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثِيرٌ، ولَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ-) وهذا يتوافق مع أقوال المؤرخين بأن عدد الجيش بلغ ثلاثين ألف مقاتل، ونلاحظ أيضا قوله (لا يجمعهم كتاب حافظ) كناية على كثرة عددهم .. لأن الكتب تجمع عدد الناس مهما كثر عددهم، وفي هذا الوصف دليل على علم أهل المدينة آنذاك بالتوثيق، وجمع أسماء الناس في الكتب. وتبع كلام الصحابي لفظ من إدراج أحد الرواة حيث قال مُعقّبا (الديوان) .. وفي لسان العرب (.. قال ابن الأَثير: هو الدفتر الذي يكتب فيه أَسماء الجيش وأَهلُ العطاء) وجدير بالذكر أيضا محاولة ملك غسان تجنيد الصحابي رضي الله تعالى عنه مستغلا الظرف الصعب الذي كان يمر به، تماما كما تفعل الحكومات اليوم لاختراق صفوف العدو، وفي ذلك دليل على وجود جواسيس في المدينة جمعوا معلومات استخباراتية ثم أبلغوها قيادتهم في الشام .. ثم أرسلت هذه الأخيرة إلى الصحابي في محاولة ضمه إلى صفّهم .. بعد أن تفرّقوا وفرّوا عن مواجهة جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. _______________ [1] الراوي : كعب بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 4418 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
|
#3
|
|||||||
|
|||||||
شواهد إضافية:
بلغ عدد المسلمين في غزوة حنين ستة آلاف: عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا، فَجَاءَ المُشْرِكُونَ بأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ، قالَ: فَصُفَّتِ الخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ المُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِن وَرَاءِ ذلكَ، ثُمَّ صُفَّتِ الغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ، قالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ، وعلَى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، قالَ: فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلْوِي خَلْفَ ظُهُورِنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا، وَفَرَّتِ الأعْرَابُ وَمَن نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ قالَ: فَنَادَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يا لَلْمُهَاجِرِينَ، يا لَلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ قالَ: يا لَلأَنْصَارِ، يا لَلأَنْصَارِ قالَ: قالَ أَنَسٌ: هذا حَديثُ عِمِّيَّةٍ قالَ: قُلْنَا، لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فَتَقَدَّمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَايْمُ اللهِ، ما أَتَيْنَاهُمْ حتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، قالَ: فَقَبَضْنَا ذلكَ المَالَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إلى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعْنَا إلى مَكَّةَ فَنَزَلْنَا، قالَ: فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُعْطِي الرَّجُلَ المِئَةَ مِنَ الإبِلِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الحَديثِ كَنَحْوِ حَديثِ قَتَادَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ وَهِشَامِ بنِ زَيْدٍ.[1] جاء في الحديث: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ، ولا تُسافِرَنَّ امْرَأَةٌ إلَّا ومعها مَحْرَمٌ)، فَقامَ رَجُلٌ فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذا وكَذا، وخَرَجَتِ امْرَأَتي حاجَّةً، قالَ: (اذْهَبْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ).[2] والشاهد قول الصحابي (اكتتبت في غزوة كذا وكذا) وذلك دليل على وجود تنظيم إداري يُحصي المقاتلين ويوثق أسماءهم كتابة ويُبلّغهم بذلك، فيلزم من هذا الإجراء إعلام من تم اكتتابته لغزوة مُعيّنة، وقد يكون ذلك بنشر الكتب في مكان عام ليطّلع عليه أهل المدينة فيبلغ بعضهم بعضا، أو بتبليغ المكتتبة أسماؤهم فردا فردا نحو ما يُعرف اليوم بالاستدعاءات. من المعاملات الشرعية التي تقتضي التدوين مكاتبة من في الرقاب: قال الله تعالى {لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [النور: 33] جاء في تفسير الآية الكريمة: ابن عاشور، التحرير والتنوير ﴿والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُكم فَكاتِبُوهم إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهم مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ﴾ لَمّا ذُكِرَ وعْدُ اللَّهِ مَن يُزَوَّجُ مِنَ العَبِيدِ الفُقَراءِ بِالغِنى وكانَ مِن وسائِلِ غِناهُ أنْ يَذْهَبَ يَكْتَسِبُ بِعَمَلِهِ، وكانَ ذَلِكَ لا يَسْتَقِلُّ بِهِ العَبْدُ؛ لِأنَّهُ في خِدْمَةِ سَيِّدِهِ جَعَلَ اللَّهُ لِلْعَبِيدِ حَقًّا في الِاكْتِسابِ لِتَحْرِيرِ أنْفُسِهِمْ مِنَ الرِّقِّ ويَكُونُ في ذَلِكَ غِنًى لِلْعَبْدِ إنْ كانَ مِن ذَوِي الأزْواجِ. أمَرَ اللَّهُ السّادَةَ بِإجابَةِ مَن يَبْتَغِي الكِتابَةَ مِن عَبِيدِهِمْ تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ مِن بَثِّ الحُرِّيَّةِ في الأُمَّةِ، ولِمَقْصِدِها مِن إكْثارِ النَّسْلِ في الأُمَّةِ، ولِمَقْصِدِها مِن تَزْكِيَةِ الأُمَّةِ واسْتِقامَةِ دِينِها. و(الَّذِينَ) مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ أوْ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ (فَكاتِبُوهم) . وهَذا الثّانِي هو اخْتِيارُ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ. ودُخُولُ الفاءِ في (فَكاتِبُوهم) لِتَضْمِينِ المَوْصُولِ مَعْنى الشَّرْطِيَّةِ كَأنَّهُ قِيلَ: إنِ ابْتَغى الكَتابَ ما مَلَكَتْ أيْمانُكم فَكاتِبُوهم، تَأْكِيدًا لِتَرَتُّبِ الخَبَرِ عَلى تَحَقُّقِ مَضْمُونِ صِلَةِ المَوْصُولِ بِأنْ يَكُونَ كَتَرَتُّبِ الشُّرُوطِ عَلى الشَّرْطِ. والكِتابُ: مَصْدَرُ كاتَبَ إذا عاقَدَ عَلى تَحْصِيلِ الحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ عَلى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ المالِ يُدْفَعُ لِسَيِّدِ العَبْدِ مُنَجَّمًا، أيْ: مُوَزَّعًا عَلى مَواقِيتَ مُعَيَّنَةٍ، كانُوا في الغالِبِ يُوَقِّتُونَها بِمَطالِعِ نُجُومِ المَنازِلِ مِثْلَ الثُّرَيّا، فَلِذَلِكَ سَمَّوْا تَوْقِيتَ دَفْعِها نَجْمًا وسَمَّوْا تَوْزِيعَها تَنْجِيمًا، ثُمَّ غَلَبَ ذَلِكَ في كُلِّ تَوْقِيتٍ فَيُقالُ فِيهِ: تَنْجِيمٌ. وكَذَلِكَ الدِّيّاتُ والحَمالاتُ كانُوا يَجْعَلُونَها مُوَزَّعَةً عَلى مَواقِيتَ فَيُسَمُّونَ ذَلِكَ تَنْجِيمًا، وكانَ تَنْجِيمُ الدِّيَةِ في ثَلاثِ سِنِينَ عَلى السَّواءِ، قالَ زُهَيْرٌ: تُعَفّى الكُلُومُ بِالمِئِينَ فَأصْبَحَتْ يُنَجِّمُها مَن لَيْسَ فِيها بِمُجْرِمِ وسَمَّوْا ذَلِكَ كِتابَةً؛ لِأنَّ السَّيِّدَ وعَبْدَهُ كانا يُسَجِّلانِ عَقْدَ تَنْجِيمٍ عِوَضَ الحُرِّيَّةِ بِصَكٍّ يَكْتُبُهُ كاتِبٌ بَيْنَهُما، فَلَمّا كانَ في الكُتُبِ حِفْظٌ لَحِقِّ كِلَيْهِما أُطْلِقَ عَلى ذَلِكَ التَّسْجِيلِ كِتابَةٌ؛ لِأنَّ ما يَتَضَمَّنُهُ هو عَقْدٌ مِن جانِبَيْنِ، وإنْ كانَ الكاتِبُ واحِدًا والكُتُبُ واحِدًا. وفي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: كاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتابًا بِأنْ يَحْفَظَنِي في صاغِيَتِي بِمَكَّةَ وأحْفَظَهُ في صاغِيَتِهِ بِالمَدِينَةِ.) ا.هـ فكانت العرب توثّق عقود من في الرقاب كتابة، وبما أن عدد المجتمع بلغ عشرات الآلاف، فإن عدد من في الرقاب متناسب مع هذا العدد (بضعة آلاف على أقل تقدير)، ونخلُص من هذا أن توثيق العقود كتابة كان معروفا لذا العرب ومنتشرا بينهم إبّان البعثة النبويّة. شواهد إضافية: أنَّ بَرِيرَةَ جاءَتْ عائِشَةَ تَسْتَعِينُها في كِتابَتِها، ولَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِن كِتابَتِها شيئًا، قالَتْ لها عائِشَةُ: ارْجِعِي إلى أهْلِكِ، فإنْ أحَبُّوا أنْ أقْضِيَ عَنْكِ كِتابَتَكِ ويَكونَ ولاؤُكِ لي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ بَرِيرَةُ إلى أهْلِها فأبَوْا ، وقالوا: إنْ شاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ، فَلْتَفْعَلْ ويَكونَ لنا ولاؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ لَها: (ابْتاعِي، فأعْتِقِي، فإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ).[3] جاءت بريرةُ لتستعينَ في كتابتِها فقالت إنِّي كاتبتُ أَهلي على تسعِ أواقٍ في كلِّ عامٍ أوقيَّةٌ فأعينيني. فقالت: إن أحبَّ أَهلُكِ أن أعدَّها عدَّةً واحدةً وأعتقَكِ ويَكونَ ولاؤُكِ لي فعلت. فذَهبت إلى أَهلِها وساقَ الحديثَ نحوَ الزُّهرىِّ زادَ في كلامِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في آخرِهِ ما بالُ رجالٍ يقولُ أحدُهم أعتق يا فلانُ والولاءُ لي إنَّما الولاءُ لمن أعتقَ.[4] ومن مصارف أموال الزكاة تحرير الرقاب: قال الله تعالى { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 60] وهذه المعاملة تقتضي أيضا التوثيق كتابة بين الرقبة المملوكة والعاملين على الصدقات، حيث يقوم العبد بإظهار كتاب أو عقد يُثبت أنه مملوك لشخص مُعيّن، مقابل مبلغ مالي مُحدد لأجل مسمى، ليستفيد من مساعدة مالية من أموال الزكاة. _________________ [1] الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1059 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [2] الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3006 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | [3] الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 2717 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [4] الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم : 3930 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
|
#4
|
|||||||
|
|||||||
تدوين مصاحف القرآن الكريم:
(عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أنَّهُ كانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إلى أَرْضِ العَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ.)[1] نص النهي خاص بالقرآن المكتوب، أي أن تدوين القرآن كان منتشرا في المجتمع المدني، قد يقول قائل إن كتابة القرآن الكريم كانت محصورة في عدد قليل من الصحابة الذين يحسنون الكتابة، أو كما يقال عنهم (كتّاب الوحي)، نلاحظ أن نص النهي عام لكافة المسلمين، فالصحابة المقرّبون (القيادات) لن يسافروا إلى أرض العدو إلا لمهمة من تكليف القائد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وحتى لو اضطروا للسفر لأرض العدو لغرض شخصي فلابد لهم من استئذان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وعليه فالنص لعامة المسلمين .. خاصة إذا علمنا أن عددهم بلغ عشرات الآلاف، إذ لا يُمكن متابعة المسافرين الراحلين والوافدين فردا فردا، بدليل ما حدث مع الصحابي كعب بن مالك، حيث جاء النبطي التاجر من الشام إلى المدينة، وأبلغه كتابا من ملك غسان، وإذا علمنا أيضا -في ضوء ما تقدم من الأدلة- أن التدوين والكتابة كان منتشرا في المجتمع المدني، أي أن القرآن المكتوب كان أيضا منتشرا في المجتمع المدني شأنه شأن باقي المعاملات الشرعية التي تقتضي التدوين والكتابة. وفي هذا السياق لابد من تناول نقطة مهمة، وهي تبليغ الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم للقرآن والسنة لكافة المسلمين، في المدينة ابتداءً، وغيرها من الأمصار، وتقوم هذه النقطة على ثلاث حقائق: الأولى: أن القرآن لم ينزل جملة واحدة، قال الله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] الثانية: أن الله تعالى أمر نبيّه صلى الله تعالى عليه وسلم بالتبليغ، قال الله تعالى { يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67] الثالثة: حقيقة تواجد المسلمين في مدن وقرى وأمصار مختلفة إبّان نزول الوحي، نذكر منها على سبيل المثال، مكة، المدينة، خيبر، الطائف، اليمن، الشام، الجرش (الأردن)، الكويت، البحرين .. وغيرها وهذا يقتضي تبليغ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أهل القرى والمدن المسلمة (كتابة) بنا ينزل عليه من وحي أولا بأول، وكذلك التشريعات والأوامر النبوية (السنة)، أي أنه كانت هناك مراسلات مكتوبة بين القيادة المركزية في المدينة وباقي الأمصار، مراسلات مكتوبة تناولت نصوص الكتاب والسنة وغيرها. شواهد إضافية: مراسلة بين المدينة وخيبر: أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ، خَرَجَا إلى خَيْبَرَ مِن جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فأتَى مُحَيِّصَةُ، فأخْبَرَ أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ سَهْلٍ قدْ قُتِلَ وَطُرِحَ في عَيْنٍ، أَوْ فقِيرٍ ، فأتَى يَهُودَ، فَقالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ، قالوا: وَاللَّهِ ما قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حتَّى قَدِمَ علَى قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لهمْ ذلكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هو وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهو أَكْبَرُ منه وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهو الذي كانَ بخَيْبَرَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِمُحَيِّصَةَ: كَبِّرْ كَبِّرْ، يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وإمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بحَرْبٍ ، فَكَتَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إليهِم في ذلكَ، فَكَتَبُوا إنَّا وَاللَّهِ ما قَتَلْنَاهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قالوا: لَا، قالَ: فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ، قالوا: لَيْسُوا بمُسْلِمِينَ، فَوَادَاهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن عِندِهِ، فَبَعَثَ إليهِم رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِئَةَ نَاقَةٍ حتَّى أُدْخِلَتْ عليهمِ الدَّارَ. فَقالَ سَهْلٌ: فَلقَدْ رَكَضَتْنِي منها نَاقَةٌ حَمْرَاءُ.[2] مراسلة من المدينة إلى أرض الفرس والشام والحبشة: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَالنَّجَاشِيِّ، فقِيلَ: إنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلَّا بخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً، وَنَقَشَ فيه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ.[3] مراسلة من المدينة إلى الجرش (الأردن) فيها حكم شرعي من السنة النبوية: نَهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُخْلَطَ البُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَكَتَبَ إلى أَهْلِ جُرَشَ يَنْهَاهُمْ عن خَلِيطِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وفي روايةٍ: ذكَرَ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ، وَلَمْ يَذْكُرِ البُسْرَ وَالتَّمْرَ.[4] رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يطلب كتابة حكم شرعي لمسلم من الأهل اليمن كان في مكة: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ علَى رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَكَّةَ قَامَ في النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسوله والمُؤْمِنِينَ، فإنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ كانَ قَبْلِي، وإنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً مِن نَهَارٍ، وإنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي، فلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، ولَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، ولَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ ، ومَن قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ، إمَّا أنْ يُفْدَى وإمَّا أنْ يُقِيدَ، فَقالَ العَبَّاسُ: إلَّا الإذْخِرَ ، فإنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وبُيُوتِنَا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إلَّا الإذْخِرَ فَقَامَ أبو شَاهٍ - رَجُلٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ - فَقالَ: اكْتُبُوا لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبُوا لأبِي شَاهٍ. قُلتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: ما قَوْلُهُ اكْتُبُوا لي يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: هذِه الخُطْبَةَ الَّتي سَمِعَهَا مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.[5] صحابي شهد أحد[6] مع حكم شرعي مكتوب في أديم: ما لي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلَمْ تَذْكُرِ المَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا؟! وَذلكَ عِنْدَنَا في أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ، إنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ، قالَ: فَسَكَتَ مَرْوَانُ، ثُمَّ قالَ: قدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذلكَ.[7] ______________ [1] الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1869 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | [2]الراوي : رجال من كبراء قوم سهل بن أبي حثمة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1669 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | [3]الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2092 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [4]الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1990 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [5] الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 2434 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [6] هو رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه، انظر سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج3، ص 181. [7] الراوي : رافع بن خديج | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1361 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
|
#5
|
|||||||
|
|||||||
توثيق عقود الدين والمعاملات التجارية:
قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وذكر البخاري في صحيحه أثرا فيه معاملة بيع وشراء موثّقة كتابةً بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأحد المسلمين: وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: (هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِم، لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ).[1] نذكر مرة أخرى أن عدد أفراد المجتمع المأمور بالتوثيق في الآية بلغ عشرات الآلاف، أي أن الكتابة والقراءة كانت عرفا منتشرا في المجتمع العربي، ويلزم من هذا وجود عمليّة ممنهجة لتعليم السكان القراءة والكتابة، ونجد في مقدمة حديث رواه الصحابي عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخرجه البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيَّ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ). فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا فَصَدَّقَهُ.[2] والشاهد قوله (كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ) أي أن [تعليم الكتابة] كانت مهنة معروفة عند العرب يقوم بها [المُعلّم]، وكثرة عدد السكان في المدينة يلزم منه وجود العديد من المعلمّين يعلّمون أبناء المسلمين الكتابة والقراءة. ويعد هذا مظهرا من مظاهر الحضارة والتمدّن عند العرب قديما والذي ساهم الإسلام في تعزيزه وانتشاره في الأمصار، فكل هذه المعاملات الشرعية التي تقتضي الكتابة كان معمول بها أيضا في الأمصار التي بلغها الإسلام [إبّان البعثة النبوية]، ويلزم منه أنهم كانوا أيضا يحسنون الكتابة والقراءة، مع احتمال وجود استثناءات في مناطق نائية، ولا مانع في أن ترسل إليهم القيادة المركزية في المدينة معلّمين يعلمونهم القراءة والكتابة ليطبّقوا الأوامر الشرعية التي تقتضي الكتابة والقراءة. الوصية: الوصيّة من المعاملات الشرعيّة التي تقتضي التدوين والتوثيق كتابة قال الله تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } [النساء: 12] وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا ووَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.)[3] (ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، له شيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ). قالَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: ما مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ ذلكَ إِلَّا وَعِندِي وَصِيَّتِي.[4] توثيق إقطاع الأموال كتابة: ورد في الأثر: دَعَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأنْصَارَ لِيَكْتُبَ لهمْ بالبَحْرَيْنِ، فَقالوا: لا واللَّهِ حتَّى تَكْتُبَ لِإِخْوَانِنَا مِن قُرَيْشٍ بمِثْلِهَا، فَقَالَ: (ذَاكَ لهمْ ما شَاءَ اللَّهُ علَى ذلكَ)، يقولونَ له، قَالَ: (فإنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي علَى الحَوْضِ).[5] دَعَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأنْصَارَ إلى أنْ يُقْطِعَ لهمُ البَحْرَيْنِ، فَقالوا: لا إلَّا أنْ تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا، قَالَ: (إمَّا لَا، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي، فإنَّه سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أثَرَةٌ).[6] معاملة محرمة تقتضي التوثيق كتابة: العقود الربوية قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] وجاء في الأثر: (لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ.)[7] شواهد إضافية على أن العرب والمسلمين كانوا يكتبون ويقرؤون: مكاتبة بين اثنين من أصحاب المال: (كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كِتَابًا، بأَنْ يَحْفَظَنِي في صَاغِيَتي بمَكَّةَ، وَأَحْفَظَهُ في صَاغِيَتِهِ بالمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قالَ: لا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ ، كَاتِبْنِي باسْمِكَ الذي كانَ في الجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ: عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمَّا كانَ في يَومِ بَدْرٍ، خَرَجْتُ إلى جَبَلٍ لِأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فأبْصَرَهُ بلَالٌ، فَخَرَجَ حتَّى وَقَفَ علَى مَجْلِسٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: أُمَيَّة بنُ خَلَفٍ لا نَجَوْتُ إنْ نَجَا أُمَيَّةُ، فَخَرَجَ معهُ فَرِيقٌ مِنَ الأنْصَارِ في آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا، خَلَّفْتُ لهمُ ابْنَهُ لأشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا حتَّى يَتْبَعُونَا، وَكانَ رَجُلًا ثَقِيلًا، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا، قُلتُ له: ابْرُكْ فَبَرَكَ، فألْقَيْتُ عليه نَفْسِي لأمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بالسُّيُوفِ مِن تَحْتي حتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بسَيْفِهِ، وَكانَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذلكَ الأثَرَ في ظَهْرِ قَدَمِهِ.)[8] مراسلة مكتوبة بين المدينة والبحرين: ورد في الأثر: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ بكِتَابِهِ رَجُلًا وأَمَرَهُ أنْ يَدْفَعَهُ إلى عَظِيمِ البَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إلى كِسْرَى ، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ قالَ: فَدَعَا عليهم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ).[9] ختم الرسائل المكتوبة: ورد في الأثر: (كَتَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كِتَابًا - أوْ أرَادَ أنْ يَكْتُبَ - فقِيلَ له: إنَّهُمْ لا يَقْرَؤُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِن فِضَّةٍ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلى بَيَاضِهِ في يَدِهِ، فَقُلتُ لِقَتَادَةَ مَن قالَ: نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ؟ قالَ أنَسٌ.)[10] مراسلة مكتوبة بين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وملك أيلة[11]: وكان ذلك أثناء زحف جيش المسلمين شمال الجزيرة العربية في غزوة تبوك، أي أن المسلمين كانوا يحملون أدوات الكتابة من أقلام وصحف وحبر في الغزوات. خرجنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غزوةَ تبوك . فأتينا وادي القُرى على حديقةٍ لامرأةٍ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "اخرُصوها " فخرصْناها. وخرَصها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عشرةَ أوسُقٍ . وقال "أحصيها حتى نرجعَ إليك، إن شاء اللهُ " وانطلقْنا. حتى قدمنا تبوكَ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "ستهبُّ عليكم الليلةَ ريحٌ شديدةٌ. فلا يقيمُ فيها أحدٌ منكم. فمن كان له بعيرٌ فليشدَّ عقالَه" فهبتْ ريحٌ شديدةٌ. فقام رجلٌ فحملَته الريح حتى ألقته بجبلي طيِّئْ. وجاء رسولُ ابنِ العَلْماءِ، صاحبُ أيلةٍ ، إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكتابٍ. وأهدى له بغلةً بيضاءَ. فكتب إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأهدى له بُردًا . ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى . فسأل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المرأةَ عن حديقتِها "كم بلغ ثمرُها ؟" فقالت : عشرةُ أوسُقٍ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إني مُسرعٌ فمن شاء منكم فليُسرِعْ معي. ومن شاء فليمكثْ" فخرجنا حتى أشرفْنا على المدينةِ. فقال "هذه طابةُ . وهذا أحُدٌ. وهو جبلٌ يُحبُّنا ونحبُّه" ثم قال "إنَّ خيرَ دورِ الأنصارِ دارُ بني النجارِ. ثم دارُ بني عبدِالأشهلِ. ثم دارُ بني عبدِالحارث ِبنِ الخزرجِ. ثم دارُ بني ساعدةَ. وفي كلِّ دورِ الأنصارِ خيرٌ" فلحقنَا سعدُ بنُ عبادةَ. فقال أبو أسيدٍ : ألم تر أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خيَّر دورَ الأنصارِ. فجعلنا آخرًا. فأدرك سعدٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فقال يا رسولَ اللهِ ! خيَّرتَ دورَ الأنصارِ فجعلتَنا آخرًا. فقال "أوليس بحسبِكم أن تكونوا من الخيارِ". وفي رواية : بهذا الإسناد، إلى قوله "وفي كلِّ دورِ الأنصارِ خيرٌ" ولم يذكر ما بعده من قصةِ سعدِ بنِ عبادةَ. وزاد في حديثِ وهيبٍ : فكتب له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببحرِهم. ولم يذكر في حديث وهيب : فكتب إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.[12] مراسلة مكتوبة بين المدينة ومكة: ورد في الأثر: بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا والزُّبَيْرَ والمِقْدَادَ، فَقالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فإنَّ بهَا ظَعِينَةً معهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ منها فَذَهَبْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أخْرِجِي الكِتَابَ، فَقالَتْ: ما مَعِي مِن كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فيه مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِمَّنْ بمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (ما هذا يا حَاطِبُ؟) قالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ امْرَأً مِن قُرَيْشٍ، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهِمْ، وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لهمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بهَا أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ بمَكَّةَ، فأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فيهم، أنْ أصْطَنِعَ إليهِم يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وما فَعَلْتُ ذلكَ كُفْرًا، ولَا ارْتِدَادًا عن دِينِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (إنَّه قدْ صَدَقَكُمْ) فَقالَ عُمَرُ: دَعْنِي يا رَسولَ اللَّهِ فأضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقالَ: (إنَّه شَهِدَ بَدْرًا وما يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) قالَ عَمْرٌو: ونَزَلَتْ فِيهِ: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِيَاءَ} قالَ: لا أدْرِي الآيَةَ في الحَديثِ أوْ قَوْلُ عَمْرٍو[13] ______________________ [1] صحيح البخاري، ت البغا، ج2، ص 731. [2] صحيح البخاري، ت البغا، ج 3، ص 1038. [3] الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 2738 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [4] الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1627 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [5] الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3163 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [6] الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3794 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [7] الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1598 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [8] الراوي : عبدالرحمن بن عوف | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 2301 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | [9] الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 64 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | [10] الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 65 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | [11] بَلدةٌ قَديمةٌ بِساحل البحْرِ، وهي المعروفةُ الآنَ بالعَقَبةِ في الأردنِّ على ساحلِ خَليجِ العَقَبةِ. [12] الراوي : أبو حميد الساعدي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 1392 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | [13] الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 4890 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] |
|
#6
|
|||||||
|
|||||||
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمر بإحصاء عدد المسلمين وكتابة أسماءهم:
قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبُوا لي مَن تَلَفَّظَ بالإِسْلَامِ مِنَ النَّاسِ، فَكَتَبْنَا له ألْفًا وخَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ، فَقُلْنَا: نَخَافُ ونَحْنُ ألْفٌ وخَمْسُ مِئَةٍ، فَلقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا ، حتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وحْدَهُ وهو خَائِفٌ. حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عن أبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأعْمَشِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَ مِئَةٍ. قَالَ أبو مُعَاوِيَةَ: ما بيْنَ سِتِّ مِئَةٍ إلى سَبْعِ مِئَةٍ. الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3060 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [وقوله: قال أبو معاوية... معلق] كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أحْصُوا لي كَمْ يَلْفِظُ الإسْلامَ، قالَ: فَقُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، أتَخافُ عليْنا ونَحْنُ ما بيْنَ السِّتِّمِئَةٍ إلى السَّبْعِمِائةٍ؟ قالَ: إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أنْ تُبْتَلَوْا، قالَ: فابْتُلِيَنا حتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لا يُصَلِّي إلَّا سِرًّا. الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 149 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | الإحصاء والتوثيق كتابة كان معمول به في المدينة منذ بدايات العهد المدني حيث كان عدد المسلمين بضع مئات، نلاحظ أيضا من النص -وفي ضوء ما تقدم في هذا الموضوع وفي مواضيع أخرى في المنتدى[1]- من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (اكْتُبُوا لي)، وقول الصحابي (فَكَتَبْنَا له) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحسن القراءة والكتابة. ___________ [1]انظر هنا
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
البعثة, السكاني, الإحصاء, النبوية, زمن, في, والتدوين |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|