#1
|
|||||||
|
|||||||
قواعد المفهوم والمنطوق
بسم الله الرحمن الرحيم عنوان من كتاب (الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول) النص باللون الأسود هو الأصلي والنص باللون الأزرق بين العارضتين [] تعقيبٌ للكاتب الثاني على كلام الأول. ____________ قواعدُ المفهوم والمنطوق(١-[يَحْسُنُ ـ ترتيبًا ـ تقديمُ المنطوقِ على المفهوم في العنوان لأولويَّته عند التعارض، كما يُلاحَظُ أنَّ المُصنِّفَ قَدَّم في سِياقِ ذِكْرِه للمفهوم دليلَ الخطابِ أوَّلًا ـ أو مفهوم المُخالَفة، وهو مُشْتَهِرٌ عند الأحناف بتخصيصِ الشيء بالذِّكْر ـ على مفهوم المُوافَقة مع أنه أقوى منه في الحُجَّةِ والدلالة، وفي مفهومِ الموافَقةِ قَدَّم المفهومَ المُساوِيَ على المفهوم الأولويِّ، وكأنَّ المُصنِّفَ ينتقل مِنْ حيث الترتيبُ مِنَ الأدنى إلى الأعلى، والأَوْلى العكسُ. ولأنَّ «الواو» ـ وإِنْ أفادَتِ الجمعَ ـ إلَّا أنه بَدَأَ بالأقوى.]) كُلُّ مَعْنًى اسْتُفِيدَ مِنْ جَوْهَرِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ هُوَ المَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ فَهُوَ المَنْطُوقُ(٢-[والمنطوقُ على قسمين: ـ صريحٌ: وهو المعنى الذي وُضِعَ له اللفظُ ويدلُّ اللفظُ عليه بالمُطابَقة: كدلالة «الرَّجُل» على الإنسان الذَّكَر، ودلالةِ لفظِ: «البيت» على معنى البيت، أو بالتضمُّن: كدلالة «الأربعة» على الواحد وهو رُبعُها، ودلالةِ البيت على السقف. ـ وغير صريحٍ: وهو المعنى الذي دلَّ عليه اللفظُ في غيرِ ما وُضِع له، بل يَلْزَمُ مِمَّا وُضِع له، ويُسمَّى دلالةَ الالْتزام: كدلالةِ لفظِ: «السقف» على الحائط؛ إِذْ ليس جزءًا مِنَ السقف، لكنَّه لا ينفكُّ عنه فهو كالرفيق المُلازِم. وحريٌّ بالتنبيه: أنَّ المنطوق غيرَ الصريح ـ دلالةَ الالتزامِ ـ على ثلاثة أقسامٍ: دلالة الاقتضاء، ودلالة التنبيه: وتُسمَّى: الإيماء، ودلالة الإشارة. ودليلُ الحصرِ: أنَّ المدلول عليه بالالتزام: إمَّا أن يكون مقصودًا للمتكلِّم مِنَ اللفظ أو لا يكون مقصودًا له، فإِنْ كان مقصودًا: ـ فإمَّا أَنْ يتوقَّف على المدلولِ صِدْقُ الكلام كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ…» [تقدَّم تخريجه، انظر: (الرابط)]، فإنَّ ذاتَ الخطإِ والنسيانِ غيرُ مرفوعين؛ فكان لا بُدَّ مِنْ تقديرِ رفعِ الإثم والمُؤاخَذةِ ليستقيمَ الكلامُ، أو صِحَّتُه عقلًا مثل قولِه تعالى: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]، أي: أهلَ القرية، أو شرعًا كقول القائل: «أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وعَليَّ ثَمَنُهُ»؛ فيَلْزَمُ تقديرُ المِلْك السابق؛ فكأنَّه قال: «بِعْنِي عَبْدَك وأَعْتِقْه عنِّي»؛ فدلالةُ اللفظِ عليه تُسَمَّى: دلالةَ الاقتضاء. ـ أو لا يَتوقَّفُ عليه ذلك: فدلالةُ اللفظِ عليه تُسمَّى: دلالةَ إيماءٍ، وهي اقترانُ وصفٍ بالحكم لو لم يُعْتَبَرْ هذا الوصفُ عِلَّةً لَكان ذِكْرُه في الكلام حشوًا لا فائدةَ منه، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ﴾ [الانفطار: ١٣؛ المطفِّفين: ٢٢]، أي: لبِرِّهم. وما يتوقَّف عليه ممَّا لا يتوقَّف عليه المدلولُ إنما عُلِمَ بحكمِ الاستقراء. ـ وإِنْ لم يكن مقصودًا فدلالةُ اللفظِ تُسَمَّى: دلالةَ الإشارة، وهو لازمٌ للمقصود: كمعرفةِ أنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الحمل سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ قوله تعالى: ﴿وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ﴾ [الأحقاف: ١٥]، مع قوله تعالى: ﴿وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ﴾ [لقمان: ١٤] [انظر الفتوى رقم: (٩٥٣) الموسومة ﺑ: «في معنى دلالة الإشارة»].]): كَالشَّخْصِ المَوْصُوفِ بِالعِلْمِ مِنْ لَفْظَةِ «عَالِم» فِي قَوْلِكَ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ العَالِمَ»(٣-[وهذا المثالُ المضروبُ مِنْ دلالةِ المُطابَقةِ مِنَ المنطوق الصريح.]). وَكُلُّ مَعْنًى اسْتُفِيدَ مِنْ ذِكْرِ اللَّفْظِ(٤-[لو أضافَ المُصنِّفُ «في غيرِ مَحَلِّ النطق»؛ ليَخْرُجَ المنطوقُ بقسمَيْه: الصريحِ وغيرِ الصريح؛ حتَّى يختصَّ التعريفُ بالمفهوم لَكان أَدَلَّ وأَوْلى.]) وَلَيْسَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ فَهُوَ المَفْهُومُ(٥-[حَكَى الشنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ في [«أضواء البيان» (٧/ ٤٠٣)] الإجماعَ على أنَّ تسميةَ المفهومِ ثنائيةٌ؛ فإمَّا مفهومُ مُوافَقةٍ أو مُخالَفةٍ لا ثالثَ لهما.]): كَالشَّخْصِ المَوْصُوفِ بِالجَهْلِ فِي المِثَالِ المَذْكُورِ(٦-[هذا المثالُ مِنْ مفهوم الصفة، وهو ما إذا عُلِّقَ الحكمُ على صفةٍ فإنَّ هذا يدلُّ على نفيِ ذلك الحكمِ إذا انْتَفَتْ تلك الصفةُ.])؛ فَإِنَّهُ يَخْطُرُ فِي الذِّهْنِ عِنْدَ ذِكْرِ العَالِمِ لِأَنَّهُ ضِدُّ مَعْنَاهُ، وَالضِّدُّ يَخْطُرُ بِالبَالِ عِنْدَ خُطُورِ ضِدِّهِ. كُلُّ مَعْنًى اسْتُفِيدَ مِنْ ذِكْرِ اللَّفْظِ وَهُوَ ضِدُّ المَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ فَإِنَّهُ يُعْطَى نَقِيضَ حُكْمِ المَنْطُوقِ وَيُسَمَّى: مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْطُوقِ فِي الحُكْمِ كَمَا فِي المِثَالِ السَّابِقِ، وَيُسَمَّى: دَلِيلَ الخِطَابِ. وَكُلُّ مَعْنًى اسْتُفِيدَ مِنْ ذِكْرِ اللَّفْظِ وَلَيْسَ ضِدًّا لِلْمَنْطُوقِ فَإِنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ المَنْطُوقِ، وَيُسَمَّى: مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ(٧-[ويُسمَّى ـ أيضًا ـ بالقياس الجَليِّ، وبالقياس في معنى الأصل، ويُسمَّى ـ أيضًا ـ بدلالة النصِّ، ودلالةِ الدلالة، ومفهومِ الخطاب، كما يُسمَّى بإلغاء الفارق، وبتنقيح المَناط، وبالتنبيه، وبلحنِ الخطاب؛ لذلك يختلفون في دلالته: أهي لفظيةٌ أم قياسيةٌ؟ ومِنْ آثارِ هذا الخلاف: حكمُ النسخِ بمفهوم المُوافَقة، وثبوتُ العقوبات كالحدود والقصاص والكفَّارات، والترجيحُ عند تَعارُض مفهوم المُوافَقة مع القياس. ـ فمَنْ قال بأنَّ دلالته لفظيةٌ معنويةٌ ـ وهو الصحيح ـ سمَّاهُ مفهومَ مُوافَقةٍ وجَوَّز النسخَ به، واعتبره أقوى مِنَ القياس، يُقدَّمُ عليه حالَ التعارضِ وتَثْبُتُ به العقوباتُ؛ لأنه يُعامَلُ مثلما تُعامَلُ الألفاظ. ـ ومَنْ قال بأنَّ دلالته قياسيةٌ سمَّاهُ قياسًا جليًّا ومَنَعَ النسخَ وإثباتَ العقوباتِ به. (وإِنْ كان الجمهورُ يُثْبِتُون العقوباتِ بمفهوم المُوافَقةِ مُطلقًا)، غيرَ أنهم يُقدِّمون المفهومَ على القياس لكونه مِنَ القياس الجليِّ. هذا كُلُّه مع حصول الاتِّفاق على أنَّ دلالتَه قد تكون قاطعةً.]). ثُمَّ إِنْ كَانَ مُمَاثِلًا لِلْمَنْطُوقِ فِي الوَصْفِ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ الحُكْمَ كَانَ مَفْهُومًا بِالمُسَاوَاةِ(٨-[«ب»: «مفهومَ مُوافَقةٍ بالمساواة».])، وَيُسَمَّى: لَحْنَ الخِطَابِ(٩-[هذا ما ذَهَبَ إليه تاجُ الدِّين ابنُ السبكيِّ ـ رحمه الله ـ ومَنْ تَبِعَه في القول بوجودِ تَبايُنٍ في التسمية بين لحنِ الخطاب ـ وهو : «ما كان المسكوتُ عنه مُساوِيًا للمنطوق به» ـ وفحوى الخطاب ـ وهو : «ما كان المسكوتُ عنه أَوْلى بالحكم مِنَ المنطوق به» ـ. وهذا التفريقُ لم يلتزمه الجمهورُ، بل عَدُّوهُما مُترادِفَيْن؛ لأنَّ فحوى الكلامِ يُقْصَد به مَعْناهُ، وهو المرادُ باللحن كقولهم: «عَرَفْتُ ذلك في لحنِ كلامه»، أي: في فحواهُ، ومنه قولُه تعالى: ﴿وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ﴾ [محمَّد: ٣٠]، أي: في مفهومه، وما يظهر لك بالفطنة؛ وعليه، فيبقى التفريقُ بينهما على هذا الوجهِ مُفْتَقِرًا إلى قرينةٍ تُقوِّيه.]): كَتَحْرِيمِ إِتْلَافِ مَالِ اليَتِيمِ مِنْ تَحْرِيمِ أَكْلِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ﴾ [النساء: ٢]؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ وَالتَّضْيِيعِ عَلَى اليَتِيمِ(١٠-[مثَّل المُصنِّفُ للمفهوم المُساوي بمثالٍ يُقْطَعُ فيه بنفي الفارق بين المسكوت عنه والمنطوق به؛ لاقتضاءِ الأكل والإحراق والإغراق معنى التساوي في التعدِّي والتضييع؛ إذ الجميعُ إتلافٌ. غيرَ أنَّ مِنَ المفهوم المُساوي ما يُظَنُّ فيه انتفاءُ الفارق بينهما مِنْ غيرِ قَطْعٍ، مثل إلحاقِ الأَمَة بالعبد في السِّرَايَةِ في العتق في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ...» الحديث [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٥/ ١٥١) رقم: (٢٥٢٢)، ومسلمٌ (١٠/ ١٣٥) رقم: (١٥٠١)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما]؛ إذ لا فَرْقَ بينهما، غيرَ أنَّ ثمَّةَ احتمالَ خصوصيةِ العبدِ بعد العتق بمُزاوَلتِه مَناصِبَ الرجالِ ما لا تُزاوِلُه الأنثى ولو كانَتْ حُرَّةً.]). وَإِنْ كَانَ أَقْوَى مِنْهُ فِي الوَصْفِ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ الحُكْمَ كَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ بِالأَحْرَوِيَّةِ وَيُسَمَّى: فَحْوَى خِطَابٍ: كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ تَحْرِيمِ قَوْلِ «أُفٍّ»(١١-[«أفٍّ» ـ بالتنوين ـ: اسْمُ فعلٍ مُضارِعٍ بمعنى: أَتَضجَّرُ وأَتَكرَّهُ مِنْ كُلِّ شيءٍ. أمَّا بدونِ تنوينٍ: أُفْ أُفَّ أُفَّا وغيره، فتعني: أَتَضجَّرُ مِنْ شيءٍ مُعيَّنٍ، [انظر: «معجم الإعراب والإملاء» (٦٣)].]) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ﴾ [الإسراء: ٢٣]؛ لِأَنَّ الفِعْلَ أَشَدُّ مِنَ القَوْلِ فِي الإِسَاءَةِ(١٢-[ومثَّل المُصنِّفُ ـ أيضًا ـ للمفهوم الأولويِّ بمثالٍ يُقْطَعُ فيه بنفي الفارق بين المسكوت عنه والمنطوق به؛ لاقتضاءِ الضرب معنًى أَوْلى مِنَ التأفيف في الإساءة للوالدَيْن، غيرَ أنَّ مِنَ المفهوم الأولويِّ ما يُظَنَّ فيه انتفاءُ الفارق بينهما مِنْ غيرِ قطعٍ: كإلحاق شهادةِ الكافر بشهادةِ الفاسق في الردِّ المنصوصِ عليه في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٤﴾ [النور]؛ لاحتمالِ الفرقِ بأنَّ الكافر يَحْتَرِزُ عن الكذب لِدِينِهِ في زَعْمِه والفاسقَ مُتَّهَمٌ في دينه، وكإلحاقِ العمياء بالعَوْراء في مَنْعِ الأضحية؛ لاحتمالِ أنَّ العَوْراءَ مَظِنَّةُ الهُزال والعمياءَ مَظِنَّةُ السمن. هذا، وجديرٌ بالتنبيه: أنَّ مفهوم المُوافَقةِ حُجَّةٌ بإجماع السلف، وقد عَدَّ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ إنكارَه مِنْ بِدَعِ الظاهرية التي لم يَسْبِقْهم بها أحَدٌ مِنَ السلف، [انظر: «المجموع» (٢١/ ٢٠٧)].]). أنواع دليل الخطاب(١٣-[وسُمِّيَ بدليل الخطاب إمَّا لمُخالَفتِه منطوقَ الخطاب، أو لكونِ الخطاب دالًّا عليه، أو لأنَّ دليلَه مِنْ جنسِ الخطاب، ويُسمَّى دليلُ الخطاب بمفهوم المُخالَفة، وهو مشهورٌ بهذه التسميةِ عند الجمهور، وسُمِّيَ بذلك لأنَّ المفهوم يُخالِفُ المنطوقَ في الحكم، ويُسمِّيهِ الأحنافُ بتخصيص الشيء بالذِّكْر.]) مَفْهُومُ الصِّفَةِ(١٤-[ومُرادُه: أنه إذا عُلِّقَ الحكمُ على صفةٍ: فهل هذا يدلُّ على نفيِ ذلك الحكمِ إذا انْتَفَتْ تلك الصفةُ أم لا؟]): كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ﴾ [النساء: ٢٥](١٥-[ومفهومُ الآيةِ يدلُّ على أنَّ غيرَ المؤمناتِ مِنَ الإماء لا يجوز نكاحُهنَّ على كُلِّ حالٍ، وهذا المفهومُ يُسْتَنْتَجُ ـ أيضًا ـ مِنْ مفهومِ آيةٍ أخرى، وهي قولُه تعالى: ﴿وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ﴾ [المائدة: ٥]؛ فإنَّ المُحْصَناتِ فيها: الحرائرُ على أحَدِ الأقوال، ويُفْهَمُ منه أنَّ الإماء الكوافر لا يَحِلُّ نكاحُهنَّ ولو كُنَّ كتابيَّاتٍ، خلافًا لأبي حنيفة، لعَدَمِ اعتبارِه مفهومَ المُخالَفةِ في أصوله، [انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (١/ ٣٢٥)].]). مَفْهُومُ الشَّرْطِ(١٦-[والمُرادُ بالشرط في المفهوم: هو الشرطُ اللغويُّ دون الشرعيِّ والعقليِّ، وهو ما كان الحكمُ فيه مُعلَّقًا على شيءٍ بكلمةِ: «إِنْ» وما في مَعْناها، فهل ينتفي الحكمُ بانتفاءِ ذلك الشيء أم لا؟]): كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ﴾ [الطلاق: ٦](١٧-[ومفهومُه يدلُّ على عدَمِ وجوبِ النفقة على الحائل المُطلَّقة ثلاثًا؛ لأنَّ الآية جَعَلَتِ النفقةَ للبائن بشرطِ أَنْ تكون حاملًا؛ فينتفي الحكمُ بانتفاءِ الشرط؛ فيَتقرَّرُ عدَمُ وجوبِ النفقة على الحائل المُطلَّقةِ ثلاثًا، خلافًا لمَنْ سَوَّى بين الحاملِ والحائلِ في وجوبِ النفقة؛ عملًا بأَصْلِهم في عدَمِ اعتبارِ مفهومِ الشرط.]). مَفْهُومُ الغَايَةِ(١٨-[والمُرادُ به: مَدُّ الحكمِ إلى غايةٍ مُحدَّدةٍ بواسطةِ لفظِ: «إلى» أو «حَتَّى» أو بصريحِ الكلام، فالأوَّلُ: مثلُ قولِه تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ﴾ [البقرة: ١٨٧]، والثاني: مثلُ قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، والثالثُ: مثلُ قولك: «صوموا صومًا آخِرُه الليلُ».]): كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ﴾ [البقرة: ٢٣٠](١٩-[ومفهومُه: أنها إِنْ نَكَحَتْ زوجًا غيرَه حَلَّتْ له، أي: أنَّ الحكم فيها بعد الغايةِ يُخالِفُ ما قبلها.]). مَفْهُومُ العَدَدِ(٢٠-[والمُرادُ بهذا المفهوم: أنه إذا خُصِّصَ الحكمُ بعددٍ مُعيَّنٍ وقُيِّد به: فهل يدلُّ هذا على نفيِ ذلك الحكمِ عن غيرِ ذلك العدَدِ، سواءٌ كان زائدًا عليه أم ناقصًا عنه، أو لا؟]): كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ﴾ [النور: ٤](٢١-[ويُفْهَمُ مِنَ الآية: أنه لا يُجْلَدُ أَكْثَرَ مِنْ هذا العدد؛ لأنَّ تخصيصَ الحكمِ بثمانين جلدةً يدلُّ على نفيِ الحكمِ عن غيرِ هذا العدَدِ المُعيَّن.]). مَفْهُومُ الحَصْرِ(٢٢-[ومُرادُ المُصنِّفِ بمفهومِ «إنما»: هل تقييدُ الحكمِ بهذا اللفظِ يدلُّ على الحصر وإثباتِ الحكمِ، ونفيِه عمَّا عَدَاهُ أم لا؟ ومِنْ هذا الأسلوبِ حَصْرُ المبتدإ في الخبر كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» [سيأتي تخريجه قريبًا، انظر: (الرابط)]، ومنه ـ أيضًا ـ مفهومُ الاستثناء مِنَ النفي كقولك: «لا إله إلَّا اللهُ».]): كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا(٢٣-[لفظةُ: «إنما» مُركَّبةٌ مِنْ جزأين، وهُما: «إنَّ» المشدَّدةُ للإثبات، و«ما» للنفي، أي: نفيُ ما عَدَا المذكور، ومنه اسْتُفِيدَ الحصرُ، وهو مذهبُ جمهورِ العُلَماء، خلافًا للحنفية والآمديِّ مِنَ الشافعية والطوفيِّ مِنَ الحنابلة؛ فإنَّ «إنَّ» للتأكيد، و«ما» كافَّةٌ، وليسَتْ نافيةً، أي: تَكُفُّ «إنَّ» وأخواتِها عن العمل فيما بعدها.]) الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»(٢٤-[مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٣/ ٣٥٥) رقم: (١٤٩٣)، ومسلمٌ (١٠/ ١٣٩) رقم: (١٥٠٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. ومفهومُه: أنَّ مَنْ لم يُعْتِقْ لا ولاءَ له.]). مَفْهُومُ الزَّمَانِ(٢٥-[ومفهومُ الزمانِ والمكان، والتقسيمِ، والعِلَّةِ، والحالِ، وتخصيص المفهوم بصفةٍ عارضةٍ، كُلُّها تندرج ضِمْنَ مفهومِ الصفة، وهذه مِنْ صُوَرِها. والمرادُ بمفهوم الزمان: هو أَنْ يدلَّ اللفظُ الذي عُلِّقَ الحكمُ فيه بزمنٍ مُعيَّنٍ على ثبوتِ نقيضِ حكمِ المنطوقِ به للمسكوت عنه في غيرِ ذلك الزمان.]): كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ [البقرة: ١٨٤](٢٦-[والآيةُ تدلُّ بمفهومها المُخالِفِ على عدَمِ صِحَّةِ الصوم إذا وَقَعَ في غيرِ زمانِه.]). مَفْهُومُ المَكَانِ(٢٧-[ومفهومُ المكان: هو أَنْ يدلَّ اللفظُ الذي عُلِّقَ الحكمُ فيه بمكانٍ مُعيَّنٍ على ثبوت نقيضِ حكمِ المنطوق به للمسكوت عنه في غيرِ ذلك المكان.]): كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ﴾ [آل عمران: ٩٧](٢٨).[فيُفهَمُ مِنَ الآية بمفهومِ المُخالَفةِ عدَمُ صِحَّةِ الحَجِّ إذا وَقَعَ في غيرِ مكانه. هذا، والظاهرُ مِنْ سَرْدِ المُصنِّفِ لهذه الأنواعِ مِنَ المفاهيم أنه يُوافِقُ الجمهورَ في القول بحُجِّيَّتِها، خلافًا للحنفية والظاهرية، ولعلَّ إهمالَه لمفهوم اللقب في نسخة: «أ» يُفسَّرُ بمَيْلِه لمذهبِ جمهورِ العُلَماء في عدَمِ الاحتجاج به مُطلقًا، سواءٌ كان هذا الاسْمُ عَلَمًا أو اسْمَ جنسٍ، غيرَ أنَّ هذا التقريرَ وَرَدَ ما يُعكِّرُ عليه في نسخة: «ب» في قوله: «مفهومُ اللقب عند الأصوليِّين هو اسْمٌ جامدٌ كلفظِ: «زيد»». وهذا الاعتراضُ يندفع باحتمالِ ذِكْرِه له عَرَضًا لا قصدًا، فكَتَبَهُ ناسِخُ «ب» عنه غيرَ مُسْتَوْفًى؛ لأنَّ مفهوم اللقبِ لا يُعَرَّفُ بأنه اسْمٌ جامدٌ، وإنما هو: تعليقُ الحكمِ أو الخبرِ باسْمٍ مُطلقًا يدلُّ على نفيِ الحكم عمَّا عَدَاهُ. كما يُحْتَمَلُ ذِكْرُه له للحُجِّية، وهو مذهبُ بعضِ المالكية كابنِ خويز منداد وابنِ القصَّار، والشافعيةِ كأبي بكرٍ الدقَّاق، وبعض الحنابلة كأبي يعلى، وهو مذهبٌ مرجوحٌ، قال أبو حامدٍ الغزَّاليُّ ـ رحمه الله ـ في [«المستصفى» (٢/ ٢٠٤)]: «وقد أَقَرَّ ببطلانها كُلُّ مُحصِّلٍ مِنَ القائلين بالمفهوم»، يعني: درجةَ مفهومِ اللقب.]). تقييد(٢٩-[المُرادُ بالتقييد: مَوانِعُ اعتبارِ مفهوم المُخالَفة، أو شروطُ العملِ بمفهوم المُخالَفة.]) لَا يُحْتَجُّ بِالمَفْهُومِ: ـ إِذَا خَرَجَ الكَلَامُ مَخْرَجَ الغَالِبِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم﴾ [النساء: ٢٣](٣٠-[وتقييدُ الربيبة بكونها في حِجْرِ زوجِ أُمِّها مُوافِقٌ للغالب، وجارٍ على مَنْ تَزَوَّجَ امرأةً معها ابنتُها فإنه يُربِّيها في بيته؛ فلا يدلُّ على أنها تكون حلالًا إذا تَرَبَّتْ في غيرِ بيته؛ فهذا الوصفُ ـ أي: كونُ الربائب في الحجور ـ لا مفهومَ له. والمسألةُ خلافيةٌ.]). ـ أَوْ جَاءَ الكَلَامُ لِتَصْوِيرِ الوَاقِعِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ﴾ [آل عمران: ١٣٠](٣١-[والآيةُ تَصِفُ ما كان عليه أهلُ الجاهليةِ الذين كانوا يَشْترِطون على المَدِينِ عند حلول الدَّين: إمَّا أَنْ يَقْضيَ وإمَّا أَنْ يُرْبِيَ، فإِنْ قَضَاهُ وإلَّا زادَهُ في المُدَّةِ وزادَهُ في القَدْر، وهكذا كُلَّ عامٍ فربَّما تَضاعَفَ القليلُ حَتَّى يصيرَ كثيرًا مُضاعَفًا؛ لذلك لم يكن في الآيةِ جوازُ أَكْلِ الرِّبَا بالمفهوم إذا لم يكن مُضاعَفًا؛ لأنَّ مِنْ مَوانِعِ العملِ بالمفهوم: أَنْ يكون المنطوقُ ذُكِرَ لمُطابَقةِ الواقع، أو يكونَ المقصودُ مِنَ القيدِ المُبالغةَ في التنفير.]). ـ أَوْ جَاءَ حَسَبَ مَا هُوَ الشَّأْنُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ﴾ [البقرة: ١٨٧](٣٢-[وهذا المثالُ المضروبُ جَعَلَهُ بعضُ العُلَماء مِنَ المفهوم الذي خَرَجَ مَخْرَجَ الغالبِ الأعَمِّ المعتاد؛ إذ غالبُ أحوالِ المُعْتَكِفِ أَنْ يكون في المسجد ولا يَخْرُجَ عنه إلَّا لضرورةٍ، [انظر: «المفتاح» للتلمساني (٦٢٠)]. والمُصنِّفُ جَعَلَ مِنْ مَوانعِ اعتبارِ المفهومِ مَجِيئَه لبيانِ حالِ المُعْتَكِفين في المساجد؛ فتقييدُه بالمساجد لا مفهومَ له؛ لأنَّ المُعْتَكِف ممنوعٌ مِنَ المُباشَرةِ مُطلقًا، وبعضُهم يجعل ـ في هذا المثال ـ مِنْ شرطِ المفهومِ: أَنْ يُذْكَرَ القيدُ مُسْتَقِلًّا، فلو ذُكِرَ بالتبعِ لشيءٍ آخَرَ فلا مفهومَ له.]). ـ أَوْ جَاءَ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّأْكِيدِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٢٣٦﴾ [البقرة](٣٣-[فإنَّ ذلك لا يُشْعِرُ بسقوطِ حكمِ المتعة عمَّنْ ليس بمُحْسِنٍ؛ لمجيئه على سبيل التفخيم والتأكيد.]). ـ وَلَا إِذَا عَارَضَهُ نَصٌّ(٣٤[تقييدُه بما إذا عارَضَهُ نصٌّ ليس مانعًا ذاتيًّا يمنع اعتبارَ مفهومِه، وإنما هو لدليلٍ خارجيٍّ خاصٍّ يدلُّ على خلافِ المفهوم؛ فكان هو طريقَ الحكمِ المعمولِ به لا المفهومَ المُخالِفَ، والظاهرُ أنَّ هذا المثالَ لا يصدق على ما سَبَقَ مِنْ أمثلةِ المَوانِعِ الذاتية في اعتبارِ المفهوم، وإنما هو تَعارُضٌ بين مفهومٍ ومنطوقٍ، وهذا الأخيرُ أقوى فيُقدَّمُ عليه.])): كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ﴾ [النساء: ١٠١]؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ القَوْلِيَّةِ(٣٥-[فمِنَ السنَّةِ القولية الدالَّةِ على قصرِ الصلاة ووجوبِه ما أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» (٥/ ١٩٦) رقم: (٦٨٦) أنَّ يعلى بنَ أُمَيَّة رضي الله عنه قال: قلتُ لعمر بنِ الخطَّاب: «﴿فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ﴾ [النساء: ١٠١]، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ»، فَقَالَ: «عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ؛ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»» [تقدَّم تخريجه، انظر: (الرابط)].]) وَالفِعْلِيَّةِ(٣٦-[ومِنَ السنَّةِ الفعليةِ الثابتةِ في القصر حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رضي الله عنهم» [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ (٢/ ٥٧٧) رقم: (١١٠٢)، ومسلمٌ (٥/ ١٩٨) رقم: (٦٨٩)]، ولفظُ مسلمٍ قولُه: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ ..».]) قَصْرُ الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ الخَوْفِ(٣٧-[يُساقُ هذا المثالُ ـ أيضًا ـ لِما خَرَجَ مَخْرَجَ الغالبِ الأعَمِّ، كما يُذْكَرُ لمُطابَقةِ الواقع؛ ذلك لأنه ـ في مبدإ الإسلام بعد الهجرة حالَ نزولِ هذه الآيةِ ـ كانَتْ غالبُ أسفارهم مَخُوفَةً. هذا، والعُلَماءُ يذكرون شروطًا أخرى للعمل بالمفهوم منها: ـ أَنْ لا يكون تخصيصُ المنطوقِ بالذِّكْر للامتنان: كقوله تعالى: ﴿لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا﴾ [النحل: ١٤]؛ فلا يدلُّ على تحريم اللحم غيرِ الطريِّ. ـ وأَنْ لا يكون وَقَعَ ذِكْرُه جوابًا عن سؤالٍ: كما لو سُئِلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن سائمة الغنم، فأجابَ بوجوب الزكاة في سائمةِ الغنم؛ فلا يدلُّ هذا على أنَّ المعلوفة لا زكاةَ فيها. ـ وأَنْ لا يكون القيدُ قد ذُكِرَ للقياس عليه: كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ: الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ، وَالحُدَيَّا» [أخرجه البخاريُّ (٤/ ٣٤) رقم: (١٨٢٩)، ومسلمٌ (٨/ ١١٣) رقم: (١١٩٨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها]؛ فلا مفهومَ له؛ لأنه إنما ذَكَرَهُنَّ لِما فيهنَّ مِنَ الأذى؛ فيُلْحَقُ بهنَّ سائرُ ما فيه الأذى، [انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني (٦١٣)، «القواعد والفوائد الأصولية» لابن اللحَّام (٢٩٠ ـ ٢٩١)، «مذكِّرة الشنقيطي» (٢٤١)].])." مصدر الموضوع وللاطلاع على باقي الكتاب: هنا
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الوكيل ; 03-16-2020 الساعة 09:36 AM |
#2
|
|||||||
|
|||||||
وانظر كيف يُقيم أهل العلم الحجة على أنفسهم بخصوص جنس الدابّة عليه السلام:
____________ قاعدةٌ فِي حَمْلِ اللفظ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازٍ إِلَّا لِقَرِينَةٍ أَوْ دَلِيلٍ(١٠-[أي: أنَّ المَجازَ الذي هو اللفظُ المُسْتَعْمَلُ في غيرِ موضوعِه على وجهٍ يصحُّ لا يُصارُ إليه إلَّا عند امتناعِ حَمْلِ اللفظ على حقيقته، سواءٌ كانَتْ شرعيةً أو عرفيةً أو لغويةً، فمتى أَمْكَنَ حَمْلُ اللفظِ على الحقيقة وَجَبَ حَمْلُه عليها وامتنع حَمْلُه على المَجاز، ومتى امتنع حَمْلُه على الحقيقة حُمِلَ على المَجازِ إذا وُجِدَتِ القرينةُ الدالَّةُ على الامتناع. وعليه؛ فالمَجازُ خِلافُ الأصل: كإطلاقِ لفظِ: «الأسد» على «الحيوان المُفْتَرِس» فإنه حقيقةٌ؛ لأنَّ الأصلَ الحقيقةُ، وإطلاقُه على «الرجل الشُّجاع» مَجازٌ إِنْ وُجِدَتْ قرينةٌ، مثل: «رأيتُ أسدًا شاهرًا سيفَه»، فإذا كان اللفظُ مُحْتَمِلًا لحقيقته ومَجازِه فإنه راجحٌ في الحقيقة، [انظر مَظانَّ هذه المَسائِلِ فيما أَثْبَتْناهُ على هامش: «مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (٥١٥)]. هذا، والحقيقةُ لا تَسْتَلْزِمُ المَجازَ اتِّفاقًا، بينما يَسْتَلْزِمُ كُلُّ مَجازٍ وجودَ حقيقتِه في شيءٍ آخَرَ لِفَرْعِيَّتِه، وهو مذهبُ الجمهور.])، وَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى المَعْنَى العُرْفِيِّ لِلْمُتَكَلِّمِ(١١-[الحقيقة العرفيةُ قسمان: ـ عرفيةٌ عامَّةٌ: وهي اللفظ الذي وُضِع ـ لغةً ـ لمعنًى، ولكِنِ استعمله أهلُ العُرْفِ العامِّ في غيرِ ذلك المعنى، وشاعَ عندهم استعمالُه: مثل لفظِ: «الدابَّة»؛ فهو موضوعٌ ـ لغةً ـ لكُلِّ ما يَدِبُّ على وجهِ الأرض مِنْ إنسانٍ وحيوانٍ، ثمَّ اسْتُعْمِلَ عُرفًا فيما له حافرٌ كالفرس والبغل والحمار. ـ وعرفيةٌ خاصَّةٌ: وهي اللفظُ الذي وُضِع ـ لُغةً ـ لمعنًى، واستعمله أهلُ العرفِ الخاصِّ في غيرِه، وشاعَ استعمالُه ـ عندهم ـ فيه: كالرفع والنَّصْب والجرِّ عند النُّحاة، والنقضِ والقلب عند الأصوليِّين.]) دُونَ المَعْنَى اللُّغَوِيِّ(١٢-[إنما يُحْمَلُ اللفظُ على المعنى العرفيِّ إجماعًا إذا ما أُمِيتَتِ الحقيقةُ اللغويةُ كُلِّيَّةً، وأصبحَتْ كالمتروكة؛ فمَنْ حَلَفَ: «لَيأكلنَّ مِنْ هذه النخلة» ـ مثلًا ـ فإنَّ مقتضى الحقيقةِ العرفية أنه يأكل مِنْ ثمرتها لا مِنْ نَفْسِ جِذْعِها كما هو مقتضى الحقيقةِ اللغوية، وهي مُماتةٌ بالكُلِّيَّة في هذا المثال؛ إذ لا يقصد عاقلٌ الأكلَ مِنْ جِذْعِ النخلة إطلاقًا؛ لذلك كان المَصيرُ إلى الحقيقة العرفية واجبًا حتميًّا. أمَّا إذا لم تُتَنَاسَ اللغويةُ بالكُلِّيَّة فيجب تقديمُها على العرفية، [انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (٩٠)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (٧/ ٢٦٧)].]) أَوِ العُرْفِيِّ لِغَيْرِهِ(١٣-[ومِمَّا لا يخفى ـ أصوليًّا ـ: أنَّ العرفية تُسمَّى حقيقةً عرفيةً ومَجازًا لغويًّا، وأنَّ اللغوية تُسمَّى عند الأصوليِّين حقيقةً لغويةً ومَجازًا عرفيًّا، وتُقدَّمُ الحقيقةُ العرفيةُ للمتكلِّمِ على الحقيقة العرفية لغيرِه، سواءٌ كان هذا الغيرُ سامعًا أم لا.])، وَتُحْمَلُ أَلْفَاظُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى المَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ(١٤-[والحقيقةُ الشرعيةُ: هي اللفظُ المُسْتَعْمَلُ في الشرعِ على غيرِ ما كان مُسْتَعْمَلًا في الوضع كالصلاة؛ فهي ـ في اللغة ـ الدعاءُ، فاسْتَعْمَلها الشارعُ في الأقوال والأفعال المخصوصةِ المُبْتَدَأَةِ بالتكبير والمُخْتَتَمةِ بالتسليم، وهي ألفاظٌ نَقَلَها الشارعُ عن مُسَمَّيَاتِها ومَعانِيهَا اللغويةِ إلى مَعانٍ أُخَرَ بينها مُناسَبةٌ مُعْتَبَرةٌ؛ فصارَتْ حقائقَ شرعيةً بعدما كانَتْ لغويةً. وهذا مذهبُ جمهورِ العُلَماءِ، خلافًا لمَنْ يرى أنها مَعانٍ مُبْتَكَرةٌ شرعًا، يجوز أَنْ يُلاحَظ فيها المعنى اللغويُّ، فإِنْ وُجِدَ فهو اتِّفاقيٌّ وليس مقصودًا، وهو مذهبُ المعتزلةِ والخوارجِ وبعضِ الأحناف كالدبوسيِّ والبزدويِّ وبعضِ الحنابلةِ كأبي الخطَّاب الكلوذانيِّ. وذَهَبَ الباقِلَّانيُّ وكثيرٌ مِنَ الأشاعرةِ وبعضُ الفُقَهاءِ إلى أنَّ الألفاظ اللغوية لم يَنْقُلِ الشارعُ منها شيئًا، بل الاسْمُ باقٍ على ما كان عليه في اللغة، لكنَّ الشرع ضمَّ إليه أفعالًا، واشترط له شروطًا. والصحيحُ مِنْ هذه الأقوالِ مذهبُ الجمهور وهو ما عليه المُصنِّفُ، وقد خالَفَ تقريرَه هذا في أسباب الإجمال، [راجِعِ المَصادِرَ المُثْبَتَةَ على هامش: «المفتاح» للتلمساني (٥١٨ ـ ٥١٩)].]) دُونَ اللُّغَوِيَّةِ أَوِ العُرْفِيَّةِ(١٥-[هذا هو الصحيحُ عند جمهور الأصوليِّين: أنَّ اللفظ يُحْمَلُ على حقيقته الشرعية: كالصلاة والصوم والزكاة والحجِّ أوَّلًا، فإِنْ لم تكن فعلى حقيقته العرفية، وإلَّا فعلى حقيقته اللغوية، وهذا فيما لا يُوجَدُ دليلٌ صارفٌ أو قرينةٌ.]) غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ(١٦-[ودليلُ حَصْرِ هذه الأقسامِ في أربعةٍ هو: أنَّ اللفظ: إمَّا أَنْ يبقى على أصلِ وَضْعِه أو يُغَيَّرَ عنه، فإِنْ غُيِّرَ فيَلْزَمُ أَنْ يكون ذلك التغييرُ آتيًا مِنْ قِبَلِ الشرعِ أو عُرْفِ الاستعمالِ أو مِنْ جهةِ استعمالِ اللفظِ في غيرِ موضوعِه لعلاقةٍ بقرينةٍ: فالأوَّلُ: هو الحقيقةُ الوضعية، والثاني: الشرعيةُ، والثالثُ: العرفيةُ، والرابعُ: المَجازُ.]). ___________ المصدر
|
#3
|
|||||||
|
|||||||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجب أن تلخص مرادك من النقل دون الخوض في كل هذه التفاصيل .... فالقارئ الذي يحتاج للمعرفة سيستفيد من المطول أما من تريد أن توصل إليه كلامك عن الدابة عليها السلام فأكثرهم سيمل ويغادر الموضوع والقليل من سيكمل للنهاية ويكون قد أجهد عقله فلن يقرأ باهتمام
|
#4
|
|||||||
|
|||||||
اقتباس:
في الموضوع أدوات فعّالة وقوية بإذن الله تعالى لمن يريد أن يدرس كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن أهمها دلالة اللزوم ودلالة الاقتضاء ودلالة المطابقة وغيرها، فمن يتعلمها سيُسلح عقله بسلاح شديد يمَكّنه بإذن الله تعالى من سبر أغوار النصوص بالاستنباط والاستقراء. وقد يجد الإنسان صدّا كبيرا أثناء قراءة الموضوع، فليتوكل على الله عز وجل ويستعين به ثم يقابل هذا الصد بالإصرار والعزيمة، حتى ولو تعلم شيئا يسيرا في كل مرة. على كل الموضوع أسهل للقراءة على صفحته الأصلية لإمكانية فتح الهوامش تدريجيا بالضغط على أرقامها. بالنسبة إلى موضوع الدابة عليها السلام؛ أرى والله أعلم أن أول باب يجب صده هو باب النصوص الصحيحة لفتح باب الاجتهاد في الموضوع، وذلك باخبار المتلقي حقيقة عدم ورود نصوص صحيحة صريحة عن النبي عليه الصلاة والسلام تُفصّل في جنس الدابة عليها السلام، وأن جلّ ما انتشر بخصوص هذا الموضوع مصدره اليهود. هذا سيدفعه لدخول باب الاجتهاد لكنه سرعان ما يتسربل بثوب السلفية فيحاول نسف الطرح بحجة عدم قول أي أحد من السلف بهذا القول، وبالتالي فهو باطل، وهذا سهل الرد عليه بإذن الله عز وجل بشواهد قرآنية وعقلية دون التوسع في الموضوع حتى لا نتشتت والقرّاء. وبعدها نرفع الاجتهاد على قواعد يُصدقها الطرفان؛ ومنها، القاعدة الأصولية في حمل اللفظ، ومفادها أن اللفظ يُحمل على حقيقته لا مجازا إلا بوجود قرينة، وأذكر أنكم سبق واستشهدتم بها، فالتهميش من كتب من يعتقدون بعصمة فهمهم واسقاط الطرح عليه يرج عقلهم رجا، عسى أن يكون ذلك وغيره من الشواهد أسبابا في هداية الله عز وجل لهم للحق. وهذا زيادة على الكافي الوافي؛ ففي آيات القرآن الكريم شواهد قطعية على دخول الإنسان في دلالة لفظ "دابة". ومن محاسن الصدف ذكر الكاتب للفظ "دابة" بعينه كمثال، وهذا من شأنه دفع المسفسطين بإذن الله تعالى. وحسب تجربتي في طرح هذا الموضوع، كلما كان الطرح مُحكما كلما تحاشى الناس التعليق والمناقشة، حتى وإن نُشر في منتديات تعج بجباهذة اللغة، هذا وإن دفع بعضهم للبحث أكثر عن الموضوع فيصل في نهاية المطاف هنا، إلا أنه يحرمنا من الشبهات التي قد تُطرح، وقد ذكرتم فائدة ذلك في هذا الموضوع حوار عن الدابة عليها السلام. أما من يُعرض فذاك لا شأن له به.
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
المفهوم, والمنطوق, قواعد |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|